بنفسج

على طريقة الجدات: كيف تصنع هوية الطفل وثقافته؟

الثلاثاء 03 أكتوبر

الطقوس والعادات العائلية تخبرنا، ببساطة، أن لنّا أصلًا وجذورًا، وهو أهم وأفضل ما يمكن أن تقدميه لأطفالك وأسرتك، أن تمرري لهم تلك الطقوس فتخبريهم "هذا نحن، من هنا جئنا وإلى هنا ننتمي وعلينا تقدير ذلك دومًا". في ظل عالم مجنون ومهووس بكل ما هو أجنبي وغربي من ثقافات وفنون وتقاليع غريبة، تشد أطفالنا وعائلتنا شدًا نحو ما لا يشبهنا ولا يمكن أن يشبهنا، علينا أن ندرك الآن ونعود سريعًا لنضرب بجذورنا في أعماق الأرض حتى تصبح شجرة عائلتنا قوية متينة في وجه أي نزعات أو عواصف أو دعوات غريبة، وما أكثرها في زمننا الحالي.

كيف تربطين عائلتك بجذورهم؟

 

| الأعياد والمناسبات: لا توجد فرصة أفضل من المناسبات الخاصة لكل أسرة والأعياد الدينية منها والاجتماعية لتمرير الطقوس لأطفالك. على سبيل المثال هكذا نفعل في رمضان، نتزاور ونتراجم ونهادي بأطباق الطعام، وتجتمع الأسرة على مائدة أكبر الجدود والجدات في أول أيام.

| أشركي أطفالك في روتين المناسبات الخاصة: كتحضير كعك العيد مع الكبار، أو تزيين المنزل، أو الذهاب إلى الصلاة في جماعة، أو تجربة اللعب مع أطفال العائلة ألعاب شعبية من بيئتكم بدلاً من الهواتف والشاشات. ولأن الأعياد والمناسبات تأتي مصحوبة بالأكلات الشعبية التقليدية.

| الأعياد والمناسبات: لا توجد فرصة أفضل من المناسبات الخاصة لكل أسرة والأعياد الدينية منها والاجتماعية لتمرير الطقوس لأطفالك. على سبيل المثال هكذا نفعل في رمضان، نتزاور ونتراجم ونهادي بأطباق الطعام، وتجتمع الأسرة على مائدة أكبر الجدود والجدات في أول أيام.

| أشركي أطفالك في روتين المناسبات الخاصة: كتحضير كعك العيد مع الكبار، أو تزيين المنزل، أو الذهاب إلى الصلاة في جماعة، أو تجربة اللعب مع أطفال العائلة ألعاب شعبية من بيئتكم بدلاً من الهواتف والشاشات. ولأن الأعياد والمناسبات تأتي مصحوبة بالأكلات الشعبية التقليدية.

قد يبدو الأمر صعبًا في البداية، خصوصًا مع الانفتاح التعليمي والعالمي -وهو مطلوب حتى لا نقبع في كهف بعيدًا عما يدور حولنا- ولكن، رغم صعوبة الأمر فهو ليس مستحيلاً أبدًا، بل وكلما بدأتِ مبكرًا في غرس بذرة الجذور كلما توغلت وتوطدت في الأرض قوية. إليكِ 5 طرق لتربطي عائلتك وأطفالك بجذور أوطانهم وثقافتهم.

عادة تتباين وتختلف طرق طهي الأكلات الشعبية وخبزها بين الأسر في البلد الواحدة، ولكنها في النهاية تصبّ في تقليد جمعي يتفق عليه الجميع، ويجعل الأطفال والكبار يؤكدون على انتمائهم إلى هذا المكان، خاصة وأننا بصدد سرقة تاريخ بلداننا عن طريق سرقة أكلاتنا الشعبية ونسبها للغير.

IMG-20230924-WA0002.jpg
أنت كأم عليك أن تزرعي في نفوس أطفالك معنى الانتماء اربطيهم بكل الوسائل وادمجيهم مع  جدتهم لتروي لهم حكايات البلاد

 | حكايات الجدات: لأمي عادة رائعة كل عيد تفعلها مع أطفالي وتحرص دومًا عليها، وهي فقرة (ألبوم الصور والذكريات)، تفتح أمي ألبومات عتيقة للصور الأبيض والأسود وحديثة العهد بالألوان، تحكي لصغار العائلة عن أقاربهم الراحلين والموجودين ولم يتمكنوا من رؤيتهم، تحكي عن الأماكن في الصور وكيف كانت وإلى ماذا انتهت وأصبحت.  تنتقل أمي ببراعة بعدها لتحكي عن الأحداث المحورية في تاريخ بلدنا وشعبنا ووطننا إن أمكن، تحكي عن الحروب والمقاومة والانتصار. فتفتح عيون وقلوب الصغار، وتمد جذرًا جديدًا يربطهم بالوطن وماذا يعني هذا الوطن لنا.


اقرأ أيضًا: بين أحضان العائلة: طرق لقضاء أوقات مشتركة


الزيارات العائلية: الزيارات العائلية تشعر أطفالك بالأمان، فالعائلة الكبيرة القوية المتماسكة هي خير ما يمكن أن يحصل عليه المرء في حياته، أن يتعرف طفلك على عائلته ويزور الأقارب والأهل والأحباب، سيجعله يتعرف ويجرب الطقوس بنفسه ويحفظها عن ظهر قلب دون عناء، كأن تعتاد الأسرة على تخصيص يوم أسبوعي للتزاور، أو يتعرف الأطفال ماذا علينا فعله من طقوس في زيارات الأقارب سواء في الفرح أو الحزن.

أتذكر صديقة لي مهاجرة، تحرص كل الحرص على أن تفعل أسرتها كل الطقوس الدينية والاجتماعية كما كانوا في وطنهم، أحضرت لهم القصص التراثية التي تحكي عن البلاد والعباد وسير الأحداث. وأحضرت لهم الكتب العلمية والأفلام الوثائقية، صنعت من طقوس المناسبات حدثًا يتجمع حوله المختلفون عنهم في فضول.

القصص التراثية: بعض الأمهات يشتكين من وجودهن في بلاد المهجر، كيف سأربط عائلتي بجذورهم ونحن على بعد أميال من الوطن والعائلة الكبيرة والطقوس الشعبية والاحتفالات المتعارف عليها. وهنا عليكِ عزيزتي بالقصص والحكايات والاندماج مع الجالية العربية من نفس بلدك أو وديانة أسرتك، والحرص على صنع نفس الطقوس وتمريرها لصغارك ولأسرتك حتى لو لم يتقبلوها واستغربوها في البداية.

أتذكر صديقة لي مهاجرة، تحرص كل الحرص على أن تفعل أسرتها كل الطقوس الدينية والاجتماعية كما كانوا في وطنهم، أحضرت لهم القصص التراثية التي تحكي عن البلاد والعباد وسير الأحداث. وأحضرت لهم الكتب العلمية والأفلام الوثائقية، صنعت من طقوس المناسبات حدثًا يتجمع حوله المختلفون عنهم في فضول، وبذلك مجهودًا رهيبًا لتحافظ على لغتهم العربية وتقاليدنا المجتمعية وسط كل هذا الصخب، عام بعد عام كانت تروي وتغرس البذور، وبعد 10 سنوات بدأت ترى براعم غرسها تنمو بجذور قوية ومتينة وضاربة في أعماق أرضهم.

لماذا من المهم أن نمرر الطقوس لأطفالنا وعائلاتنا؟

 

والآن اسمحوا لي أن أحكي لكم كيف مررت أمي لي طقوس عائلتنا، وكيف تفعل وأفعل مع أطفالي وعائلتي: في منزل جدتي ثم منزل أبي وأمي، كان لطقوس يوم الجمعة أثر خاص في نفسي، حيث يبدأ اليوم بإذاعة القرآن الكريم والاستيقاظ مبكرًا جدًا.

تتسلل رائحة قهوة أمي من الصالة مصحوبة بأشعة الشمس الخفيفة جدًا الدافئة جدًا جدًا، مع أصوات طعام يُطهى بحب، يمكنك أن تميز مذاق الطعام المطهو بالمحبة جيدًا..مهما كان بسيطًا أو متوقعًا. فمائدة أمي لها مذاق خاص، لا يُنسى أبدًا.

 

لأن الطقوس عبارة عن روتين وتقاليد معادة ومعروفة، وكل ذلك يشعر الطفل والكبير بالأمان والاستقرار؛ فينمو متزنًا نفسيًا يعرف هويته ويعتز بها. يعرف تاريخه ويرتبط ويفتخر به، فلا يؤثر عليه مدعٍ ولا مُحبِط. ليتعرف الأطفال على طقوسه وطقوس الغير، لا بأس أن تختلف طقوسنا عن عادات وطقوس أسرة أخرى في محيطنا كذلك، ربما في الوقت الذي تذهب فيه أسرة لزيارة الأقارب في منزل ريفي، تذهب أسرة أخرى للتخيم والشواء في الصحراء. هذا ما يصنع الانتماء والتميز والحميمية.

الطقوس سمة العائلات القوية، وأن تكون عائلتك قوية وداعمة هو أفضل ما يمكن للمرء أن يفعله للمجتمع ولنفسه. الطقوس أسلوب رائع لتهدئة الأطفال وتخفيف وطء الأحداث المؤلمة عليهم، وما أكثر الآن من كوارث طبيعية وحروب، كلما شعر الطفل أن طقوسه بخير، رغم كل شيء، اطمأن وتجاوز سريعًا الأحداث السيئة.


اقرأ أيضًا: كيف ينشأ أطفالنا على حب القرآن؟


ما سبق ينطبق على أبسط الطقوس وأفعال الروتين اليومي، على سبيل المثال عندما ينتقل طفلك لبلد مختلف؛ فالحفاظ على روتين النوم الخاص بكم والاستيقاظ وفطوره المفضل يجعله يتأقلم سريعًا ويهدأ.

والآن اسمحوا لي أن أحكي لكم كيف مررت أمي لي طقوس عائلتنا، وكيف تفعل وأفعل مع أطفالي وعائلتي: في منزل جدتي ثم منزل أبي وأمي، كان لطقوس يوم الجمعة أثر خاص في نفسي، حيث يبدأ اليوم بإذاعة القرآن الكريم والاستيقاظ مبكرًا جدًا، تتسلل رائحة قهوة أمي من الصالة مصحوبة بأشعة الشمس الخفيفة جدًا الدافئة جدًا جدًا، مع أصوات طعام يُطهى بحب، يمكنك أن تميز مذاق الطعام المطهو بالمحبة جيدًا..مهما كان بسيطًا أو متوقعًا. فمائدة أمي لها مذاق خاص، لا يُنسى أبدًا.

ثم يأتي صوت الأذان للشيخ المنشاوي من راديو إذاعة القرآن الكريم مصحوبًا بالأبخرة العطرة للمنزل، معلنًا عن الصلاة والذكر وتمتمة الأدعية همسًا التي لم أعرف لها تفسير أبدًا سوى أنها تصل، تصل مباشرة وتُستجاب. أظن أنه لا حجاب بين قلب أمي والسماء.

طقوس يورثها الأبناء

 

يوم الجمعة -وكل يوم في منزل أمي- يجب أن تستنشق رائحة النظافة والترتيب، موازيًا لرائحة الطعام الشهي جدًا والمناسب لزوار المنزل "قريب وغريب". تحضر أخواتي فأذهب لأصنع القهوة، اسمع أمي تحكي لفريدة ويونس ولأولاد أخواتي الخمسة حكايات جميلة عن الله ورسوله.

تجلس ابنتي كونها البنت الوحيدة وسط سبحة الأحفاد الذكور بجانب أمي وهي تُعد الطعام، وتعطيها أمي من نَفسها وأسرارها الكثير، أرى طفلتي مستكينة ومطمئنة كما لم أرها من قبل، محظوظة هي بجدتها، بل أكاد أراها نسخة أخرى مصغرة منها في كل شيء. تتعرف فريدة على طقس اختفى في منزلي أنا وهو: "تنظيف الأرز من الشوائب وخبز العيش من الألف للياء".

ممتنة كثيرًا أن أطفالي يعيشون هذه الطقوس الدافئة، تلقن أمي، فريدة ابنتي ويونس، أطفالي الأدعية والذكر، تحسهما على الصلاة وتذكرني دائمًا ب" كان أبوهما صالحًا". تعلمها أن يوم الجمعة تزورنا الملائكة، ولذلك يجب أن تزورنا ونحن في أفضل حال، نستحم، نهندم مظهرنا ونرتب مكان النوم، نفتح الشبابيك لتتنفس الغرف، وتتسلل رائحة البخور واللبان في كل ركن في المنزل.

يوم الجمعة -وكل يوم في منزل أمي- يجب أن تستنشق رائحة النظافة والترتيب، موازيًا لرائحة الطعام الشهي جدًا والمناسب لزوار المنزل "قريب وغريب". تحضر أخواتي فأذهب لأصنع القهوة، اسمع أمي تحكي لفريدة ويونس ولأولاد أخواتي الخمسة حكايات جميلة عن الله ورسوله.

تجلس ابنتي كونها البنت الوحيدة وسط سبحة الأحفاد الذكور بجانب أمي وهي تُعد الطعام، وتعطيها أمي من نَفسها وأسرارها الكثير، أرى طفلتي مستكينة ومطمئنة كما لم أرها من قبل، محظوظة هي بجدتها، بل أكاد أراها نسخة أخرى مصغرة منها في كل شيء. تتعرف فريدة على طقس اختفى في منزلي أنا وهو: "تنظيف الأرز من الشوائب وخبز العيش من الألف للياء".


اقرأ أيضًا: أكثر من مجرد حكاية ما قبل النوم


يبدأ الأولاد باللعب وتقسيم الأدوار، ثم تضع أمي فطور الفول المدمس والطعمية والعيش البلدي والمخلل والبطاطس المصنوع، منصوعًا منزليًا، فنجتمع على مائدة، لا حرمنا الله منها أبدًا. تمرر أمي طقوسنا الخاصة لأطفال العائلة كل جمعة، هناك فقرة الذكريات وصور الطفولة، إتيكيت التعامل وأصول التصرف في المواقف المختلفة، ماذا نقول ومتى نتكلم، أشياء يتعلمها الفرد إما في منزل أمي أو لا، كل ذلك بابتسامة هادئة ساحرة جدًا.

ما يجعلني أندهش وأتساءل كل مرّة بينما أعد الفطور والقهوة وتتصاعد الأبخرة العطرة مع أذان يوم الجمعة، هل سأصبح جدة ساحرة يومًا ما كأمي، هل سأكون بهذه المهارة في تمرير الطقوس والعادات والتقاليد جيلاً بعد جيلا لأولادي وأحفادي؟