بنفسج

وردة عدنان&محمد أبو حميد: فرقتهما المؤبدات ثم الإبعاد

الثلاثاء 04 فبراير

الأسير المحرر محمد أبو حميد
الأسير المحرر محمد أبو حميد

لم تره في حياتها ولم يعرفها وتعرفه، لكنه وقع في قلبها ولا نعلم كيف للحب أن يتكون بهذه المتناقضات. إنها المعجزة الآلهية التي جمعت قلبين تفصلهما أسوار عاتية، في شريعة الغاب لا يمكن أن تزول، ولكن باليقين الإلهي بأن لا بد للقيد أن ينكسر ويلتقي الحبيبان رغمًا عن قوانين الدنيا بأسرها، كان معها بروحه لما يقارب الأربع سنوات، ولكن جسده مأسورًا في غياهب السجون الإسرائيلية، لم ترد شيئًا من الدنيا إلا أن يكون حبيبها الذي تحدت الدنيا لأجله، بجانبها تعانقه عناق السنوات الفائتة وقتما شاءت، وتراه دون زجاج يحد رؤيتها لتفاصيل وجهه الذي تحب.

وردة عدنان من قرية عبوين قضاء رام الله، قبلت برجل محكوم بمؤبدين و30 عامًا، وخُطبا لتبدأ حكاية حب فريدة في وجه المستحيل، تتحدث لبنفسج عن ظروف زواجها بالأسير محمد ناجي أبو حميد، ولحظات معرفتها بتحرره وإبعاده في آن واحد.

| "يا مجنونة.. محكوم مؤبدات"

زوجات الأسرى
خطيبة الأسير محمد أبو حميد

في 15 أيار/ مايو 2021، عقد قرانهما لتبدأ قصة الحب الذي تحدها أسوار السجان، قيل لها حين قالت: "نعم.. قبلت به زوجًا وحبيبًا وصديقًا أبديًا". "يا مجنونة شو بدك فيه محكوم مؤبدات ولا عمره بيطلع.. اتراجعي لساتك صغيرة وحلوة.. شو بدك بواحد الله يعلم متى يروح". لم تقابلهم إلا بابتسامة ليعلو صوت القلب ليخرس كل الألسنة.

عن يوم ارتباطها بمحمد تقول وردة لـ "بنفسج": "كنت سعيدة جدًا، ارتديت ما أحب، والتقطت الصور حتى عندما يخرج محمد من السجن أريه إياها، لم أختر يوم عقد القران بل اختاره لنا الأسير ناصر أبو حميد رحمة الله عليه، وكان يقول لنا أنتم قصة نضال يجب أن تُخلد، حكايتكم وارتباطكم بطولة وتضحية عظيمة".

لم تره وردة إلا في 18 آب/ أغسطس 2021، وهذا التاريخ لا يمكن لها أن تنساه، فكيف تنسى النظرة الأولى، والابتسامة الأولى، تضيف لبنفسج: "قلبي كان بضحك من الفرحة.. محلاه كان لما شفته أخذ قلبي".

لم تكن زياراتها لخطيبها كثيرة، تبكي في كل الزيارات، تقابله كل مرة من وراء لوح زجاجي تبغضه، حتى سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بزيارة الوادع للأسير المريض ناصر أبو حميد شقيق محمد،  تكمل: "ذهبنا أنا ووالدته للزيارة، يومها كانت أول مرة ألمس فيها محمد، احتضتنه لثوان معدودة وأعين السجانين علينا، بكيت كثيرًا في ذلك اليوم، أردت أن يتوقف الكون عند هذه اللحظة، وأنا أراها الآن وكأنها حدثت منذ قليل".

45 دقيقة زمن الزيارات كانت وردة تقضيهن في حفر ملامحه في ذهنها، تتأمله جيدًا لتحفظ ملامحه، وتبكي حتى تتشوش الرؤية، تردف: "كان محمد دايما يجي آخر واحد بالزيارة.. فيحكولي زملاؤه يلا العريس جاي، فأضحك".

| "حبيبتي أنا حر.. بس مبعد"

الأسير محمد أبو حميد
الإفراج عن الأسير محمد أبو حميد

 فجر 25 يناير/كانون الثاني 2025، رن هاتفها لترد وتسمع صوت حبيبها: "وردة حبيبتي.. أنا حرّ اليوم بس مبعد".. حينما سمعت: "حرّ" ملكت الدنيا بأسرها وبكت، فردت عليه: "مش مشكلة مبعد مبعد.. المهم أنك مروح من السجن وبخير".

لطالما تخيلت وردة هذا اليوم في مخيلتها، أين ستذهب معه في شوارع رام الله، وعلى ماذا ستعرفه من الأماكن التي تحب، ستأخذه جولة بالسيارة لتعلمه القيادة وتكون مدربته الأولى، ستطبخ الكبدة لها في احتفالية العودة ليتذوقها من تحت يديها، وسترتدي ثوبها الفلسطيني المطرز احتفالًا بالحرية، لكن الإبعاد نغص فرحتها.

آمنت وردة بأن اللقاء حتمي وقادم لا محالة على مدار خطبتهما التي استمرت سنوات، أما محمد كان موقنًا على الرغم من سنوات الأسر التي بلغت 21 عامًا، أنه سيخرج حتمًا ليرى القمر وغروب الشمس وشروقها من نافذة البيت.

تقول وردة لـ "بنفسج" : "في اليوم التالي خرجت إلى جسر الأردن لكي أسافر عند محمد، وكنت في شوق كثيف لعناقه، وإذ بجنود الاحتلال يخبرونني أنني ممنوعة من السفر، وقتها شعرت بأن قلبي سيتوقف حتمًا من الخوف والحزن في آن واحد".


اقرأ أيضًا: زينة أبو عون: الارتباط بالأسرى قرار بالوقوف في خندق النضال


كانت وردة قبل أيام من عقد صفقة التبادل في الأردن، وعادت إلى الوطن وندمت على ذلك، لكنها واست نفسها بأن المنع للحكمة والعطاء أيضًا لحكمة، تختم حديثها: "ما رضيت أخبر بمحمد بمشاعري وقت قلي الجندي ممنوعة من السفر، خوفًا عليه، بس أنا واثقة مثل ما نال محمد حريته بمعجزة، رح نلتقي أكيد يومًا ما".

يخبر محمد زوجته أنه حينما وقف في البلكونة من علو وشاهد السماء عن قرب، شعر بالدوخة، حدثها عن تنكيل الاحتلال وجبروته، وعن فرحته بالحرية والقفز في الماء وملامسته، وينتظر أن يلتقيا ليحققا ما حلما به السنوات الماضية.