اغتيل بصاروخ مباشر استهدف باصًا للصحافيين، شب الحريق في جسده، فُحرمت زوجته من تودعيه الأخير نظرًا لفداحة ما جرى له، إذ أكلت النيران جسده. لم تكن المرة الأولى الذي تطاله يد القصف، فقد أصيب في حرب عام 2014 وقتل الاحتلال زوجته الحامل وجنينها، ليعيش حالة من الحزن، حتى جاءت فاطمة أو كما يحب أن يناديها "أم شام" لتكون سندًا له وتعوضه عن سنين الألم، ليعيشا في أمان حتى بدء حرب الإبادة، وتعيش هي القلق نظرًا لاستهداف الصحافيين، ولكنها استودعته لله.
تستضيف بنفسج زوجة الشهيد الصحافي إبراهيم الشيخ علي الذي استهدفه سلاح الجو الإسرائيلي في باص للصحافيين أثناء أداء مهمتهم في التغطية الإخبارية، ليستشهد رفقة 5 من الزملاء. تروي فاطمة عن إبراهيم الزوج والأب، عن الجرح الذي لا يبرأ، عن الولد الذي كان إبراهيم يتمنى أن يراه ليكون ظهرًا لبناته الثلاث.
رحيل "أبو شام"
في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وبينما هي نائمة بنصف عين، تستيقظ على رأس كل ساعة لتتابع الأخبار، وتقرأ الخبر "استشهاد الصحفي إبراهيم الشيخ علي"، صرخت بعلو صوت سمعه أهل دير البلح جميعهم، تقول لبنفسج: "كنت أخاف عليه جدًا وخصوصًا بعد تعمد استهداف الصحافيين، فأطلب منه أن يأخذني معه أو يبقى معي ولا يعمل، فيجيبها: "بدك أبطل أشتغل، كيف نعيش ونصرف على بناتنا"، فأصمت وقتها، ويطمئنني أنه لا يحدث إلا ما شاء الله فلا داعي للقلق".
بعد تلقيها خبر الاستهداف انهارت تمامًا، شعرت أنها على حافة الموت، ولكن وجوه بناتها الثلاث كانت مصدر قوتها، غفت لدقائق في الليلة الأولى للفراق بعد تعب مضنٍ، وإذ بفاطمة تشعر أن إبراهيم يطبطب على كتفها، لتستيقظ من حلمها.
اقرأ أيضًا: إعدام على طريق النزوح: هكذا قتل الاحتلال الطبيب مقادمة وأمه
لم تحظ فاطمة بوداع آخير له كون جسده كان محروقًا بالكامل، فمنوعها من رؤيته، تضيف: "كنت أتمنى أن أودعه الوادع الأخير لكني رضيت بما كتب الله، فأذكره في لياليه الأخيرة، كان يتعمد أن يبقى معنا ليلًا ويبقى مستيقظًا وحين القصف يخبرني أنه معي وأن لا أخاف، ما يمنحني شعورًا بالقوة والأمان، ومنذ غيابه بدأت أشعر بالوهن والألم".
تعيش فاطمة منذ رحيل إبراهيم حالة من الإنكار، أحقًا رحل! تستذكر يوم أن التقته منذ عشر سنوات في إذاعة صوت الأسرى عندما أعجب بها وتقدم لها فورًا، وقبلت هي به دون تفكير مطول، وكان ذلك مثار استغراب عائلتها كونه كان متزوجًا، ولكن الله وضع القبول في قلبها، وعاشت معه أجمل سنين العمر.
إبراهيم "البابا الحنون"
رزق الله إبراهيم وفاطمة بثلاث بنات، البكر شام 9 سنوات، وكرمل 7 سنوات، وماريا 5 سنوات، ويوم استشهاده اكتشفت حملها بطفل ذكر، والآن هي في الشهر الخامس، هذا الطفل كان ينتظره إبراهيم منذ 4 سنوات، كان يود جدًا أن ينجب الولد ليكون ظهرًا متينًا له ولشقيقاته، لكن شاء الله أن يستشهد قبل أن يرى استجابة الله لدعائه.
تقول فاطمة لبنفسج: "بعد سنوات من العلاج للحمل، يشاء الله أن تُستجاب دعوتي بالتزامن مع استشهاد إبراهيم، بكيت حينما عرفت الخبر، وكم تخيلت نفسي أزفه له لنبكي معًا دموع الفرح، سأسمي ابني إبراهيم تيمنًا بوالده، وآمل أن يحمل كل صفاته".
اقرأ أيضًا: دعاء أبو شعبان: المجزرة التي لا تموت وهذه مشاهدها الحية
أما عن بناتها فلا يتوقفن عن الحديث عن ذكرياتهن مع والدهن، يشاهدن صوره دائمًا، ويبكين من الاشتياق، تكمل: "بناتي بحكولي اشتقنا لبابا، وفي مرة إجت بنتي تحكيلي حلمت ببابا أنه مبسوط بالجنة، بس ياريته معنا.. ياريته عرف أنه هيصير بابا لولد زي ما كان نفسه".
لم تفقد فاطمة فقط الزوج فحسب، بل فقدت والدتها أيضًا، ما وضعها في حالة نفسية صعبة، ولكن الانهيار رفاهية بالنسبة لها، فهي مجبرة على مواصلة الحياة لأجل بناتها اللواتي يشبهن والدهن، ولجنينها الذي سيكون يتيم الأب، فتشفق عليه من الآن، ولكنها تقسم أنها ستوفي بالعهد الذي قطعته لإبراهيم أن تكون قوية في غيابه.