بنفسج

إعدام على طريق النزوح: هكذا قتل الاحتلال الطبيب مقادمة وأمه

الخميس 10 ابريل

إعدام الأطباء في غزة
إعدام الأطباء في غزة

كان زوجًا تقيًا، وابنًا بارًا، وأبًا حنونًا، وطبيبًا ماهرًا، اختار تخصص الجراحة التجميلية الترميمية، ويبرع فيها، ويهب حياته للطب والعلم، حتى جاءت إسراء شريكته في عالم الطب ليكملا الطريق سويًا، ويعيشا حياة مستقرة، حتى يوم السابع من أكتوبر، انقلبت الحياة رأسًا على عقب، هو في مدينة غزة، وهي لدى عائلتها في جنوبها، ليفترقا منذ ذلك الوقت على أمل اللقاء حتى تعود لوحة العائلة السعيدة، ولكن الصورة المكونة من 5 أفراد أضحت 4، ورحل عمودها الأول، الزوج والأب، شهيدًا، برصاص قناص إسرائيلي غدر به وبوالدته بعدما أعطاهما إشارة السير نحو الجنوب ليقولا: "هانت سنلتقي بالأحبة".

تروي الطبيبة إسراء عبد الهادي عن يوم فراق زوجها الطبيب الجراح أحمد المقادمة وعائلته،ولتحكي عن إعدام الأطباء في غزة، وعن أطفالها الثلاثة الذين ما زالوا ينتظرون قدوم والدهم وجدتهم.

يوم أن ارتقى الحبيب ووالدته

إعدام الأطباء في غزة

في صباح السابع من أكتوبر 2023 كان من المقرر أن يذهب أحمد إلى بيت أهل زوجته جنوب غزة، ليعودا سويًا إلى بيتهما في تل الهوا في مدينة غزة، ولكنهما استيقظا ككل غزة على أصوات الصواريخ، فراسلته إسراء مازحة: "أحمد عندكو صواريخ زي عنا". فقال: "كتير كتير.. خلص قامت الحرب وخلصت".

بعد ثلاثة أيام من اندلاع الحرب قُصف منزل الطبيب أحمد، لينتقل لإيجار شقة رفقة والديه بجانب مشفى الشفاء الطبي، وبينما هو يمارس عمله طبيبًا بدوام الطوارىء، كانت إسراء، في جنوب غزة، ينفطر قلبها قلقًا عليه، انقطعت الاتصالات عن غزة، ولم تعد تعرف شيئًا عنه، أيام طوال ظلت في دوامة القلق حتى اطمئنت بسماع صوته لدقائق.

لم يطل اطمئنانها كثيرًا ففي 18 مارس/ آذار 2024، اجتاح الجيش الإسرائيلي مشفى الشفاء الطبي ومحيطها، وحوصر الطبيب أحمد رفقة والده ووالدته يسرى الدكتورة في علم الفلسفة، ليداهم الجنود المنزل بعد 5 أيام من محاصرتهم، وفور معرفتهم بطبيعة عمل أحمد بصفته طبيبًا اقتاده إلى غرفة مغلقة للتحقيق معه ويبرحوه ضربًا.

فقدان الاتصال لـ عشر أيام

إعدام الأطباء في غزة

وبعد تعذيب استمر قرابة الساعة أجبر، جيش الاحتلال، أحمد ووالده على خلع ملابسهم والتوجه إلى الجنوب، لكن والده عز عليه فراق غزة فسلك الشارع الفرعي ليبقى فيها، ولتكمل السيدة يسرى وابنها الطبيب الطريق وبينما الأب في طريقه سمع صوت إطلاق نار، فاتصل على هاتف زوجته فلم ترد، وبعد ساعات اتصل بزوجة أحمد ليسألها هل وصلا الجنوب لتجيب بالنفي.

تقول إسراء لبنفسج: "لم يكن هناك أي تواصل بيني وبين أحمد سوى بالرسائل النصية التي كانت تصل بعد مدة لضعف شبكة الاتصالات، وكان قد أخبرني بأن الوضع خطير وأن لا أتصل به أبدًا، وأنا التزمت بذلك حفاظًا على سلامتهم، فكانت الرسالة الأخيرة يوم 21 آذار/ مارس 2024 يخبرني أنه ووالديه بخير ولكنهم محاصرين، وفي صباح اليوم التالي هاتفني حماي ليسأل عن وصولهما".


اقرأ أيضًأ: ضحى ناجي: في بيتي فقد وشهيدان


ظلت إسراء ووالد أحمد يعدان الليالي ليلة بعد ليلة لانسحاب الجيش من محيط الشفاء، ليتمكن والده من البحث عن زوجته وابنه. وبعد عشرة أيام من الانتظار، وجدهما  ملقيان على الأرض وقد أصيبا برصاص قناص إسرائيلي.

لم يصل الخبر لإسراء فورًا، اتصلت بها أحد معارفها وهي تبكي وتقول: "عظم الله أجرك". فسألتها إسراء: " في مين"؟ ثم انقطع الاتصال ولم تحصل على إجابة. لتعرف لاحقًا الخبر الذي استقبلته برضا وسكينة، ولا تعرف لحتى اللحظة كيف ربط الله على قلبها، فحمدت الله على الثبات.

"بابا وتيتا بالجنة"

إعدام الأطباء في غزة

إسراء هي أم لثلاث أطفال، أكبرهم آيات 10 أعوام، سعيد 5 أعوام، عمر عام ونصف. أجبرت على الصمود لأجل ثلاثتهم فهم وجه أبيهم الذي بقي، لم يطاوعها قلبها أن تخبرهم باستشهاد والدهم وجدتهم، ولم تعرف ما الذي يقال لأطفال بهذا العمر.

تضيف لبنفسج: "كان أطفالي يسألونني قبل استشهاد والدهم، متى سنراه فكنت أرد حين تنتهي الحرب ويزال الحاجز الذي يفصل الشمال عن الجنوب، وبعد استشهاده سألتني آيات "بابا مات.. سمعت ستو بتحكي الله يرحم أحمد المقادمة وإم بكر.. مش احنا بنحكي هيك لما حد يموت صح؟" فأجبتها: "بنحكيها للأحياء والأموات وبابا وتيتة أحياء بالجنة".

كانت الجدة يسرى تحب أحفادها حبًا جمًا، وتدللهم وتأخذهم كل فترة لمكان ليمرحوا ويلعبوا معها، تردف إسراء: "أولادي يفتقدون جدتهم جدًا، ويسألون عنها دائمًا، ويقولون متى سنذهب للجنة لنتلقي بأبي وجدتنا، يقطفون الزهور ويخبروني أنها قطفوها لأجلهم، حقيقة حماتي سيدة فاضلة معلمة أجيال كافلة أيتام، حنونة، تقية".


اقرأ أيضًا: إسراء عابد عن أمها: وجه القمر غاب شهيدًا


تقول إسراء أن علاقتها كانت بحماتها علاقة الابنة والأم، فهي أم لثلاث شباب، فاعتبرها ابنتها، وحين أخبرتها أنها حامل ببكر بنت، أقامت الأفراح والليالي الملاح فرحًا، وجمعت العائلة في احتفال مبهج، لتقول لهم: "يا الله.. هاد الخبر بستناه إلي 33 سنة". لتأتي آيات الحفيدة البكر لتكون حبيبة جدتها ومؤنستها.

والآن بعد عام على الفقد الأبدي، و6 أشهر من الإبعاد القسري، تعيش إسراء عند عائلتها في جنوب غزة، بعدما فقدت البيت والزوج، فلم يتبق له منه سوى بضع صور وذكريات تحتفظ بهما الذاكرة، وأبناء من صلبه، يعينونها على مر الحياة،تُحدث أطفالها عن والدهم وعمله وتعمد الاحتلال إعدام الأباء في غزة، وإن أشد ما تخافه أن تفقد أحد من صغارها وتمتحن في الولد، وكل دعائها أن يحفظهم الله بعينه التي لا تنام،