لطالما كانت مدينة القدس وجهة المسلمين منذ عقود، فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين، ولها وضع خاص في قلوب المسلمين حول العالم، قديمًا برزت عادة دينية "تقديس الحج" وهي زيارة المدينة المقدسة قبل التوجه إلى مكة المكرمة أو بعد العودة منها، لأداء الصلاة في المسجد الأقصى، فكثيرون كانوا يفضلون قبل أن تطأ أقدامهم صعيد عرفات أو الطواف حول الكعبة أن يأتوا للقدس كمحطة أولى، لذلك تقديس الحج هو طقس من المحبين للمدينة المقدسة والعالمين بتاريخها.
هنا نعود بالتاريخ لنتعرف على عادة "تقديس الحج"، ومتى بدأت وازدهرت، وكيف كان يستقبل أهل المقدس الحجاج، ومتى تراجعت العادة القديمة ليتوقف المسلمين عن اتباع تقليد قديم!
"تقديس الحج"
إن تقديس الحج هي عادة دينية تاريخية قديمة، بدأت في بداية العهد الإسلامي، ثم في العصور الأموية إذ كان المسلمون حول العالم الذين ينوون زيارة بيت الله الحرام، يتجهون أولًا للصلاة في المسجد الأقصى، لتبدأ رحلتهم الروحانية، وآخرون كانوا يفضلون الانتهاء من مراسم الحج جميعها ثم التوجه للمدينة المقدسة لاختتام الشعائر الدينية.
لم يكن الأمر فرضًا عليهم بل نبع من واقع محبة للمدينة المقدسة، واصلت العادة ازدهارها لتظهر في الأوساط المقدسية بشكل جلي بعد تحرير القدس من الصليبين على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1187، وفي تلك الحقبة الأيوبية بدأ الطابع الإسلامي يظهر على أماكن المدينة المقدسة، بُني الزوايا والخوانق لاستقبال الحجاج والزوار من كل بقاع الأرض. استمر تقديس الحج في العهد المملوكي والعهد العثماني، إذ بنيت وجددت أماكن سكنية للحجاج، منها زواية المغاربة.
استقبال المقدسين
وفي كل موسم للحج، تزدهر المدينة بوجوه الحجاج، فكان المقدسيين يستقبلونهم بحفاوة وكرم، يفعلون عدة أمور ترحيبية بهم منها طلاء الجدران باللون الأبيض، ويرسمون عليها الزهور والنخيل وصور للكعبة، ويزينون الجدران بعبارات مرحبة بهم: "حج مبرور وذنب مغفور".
توطدت أواصر علاقات أهل المقدس بالقادمين من مختلف الدول الإسلامية، فيتعرفون عليهم وعلى ثقافاتهم، ولم تكن يومًا مجرد مدينة للعبور والتيمن بها فقط لأجل علاقة روحانية، بل كان الزوار والحجاج يلتقون ببعضهم وبأهل المدينة، المغاربة بالأتراك، واليمنيون بالعراقيون والإندونسيين.
استمر الحجاج في اتباع عادة تقديس الحج، ولسنوات ولعصور تزينت المدينة لاستقبالهم، حتى اندلعت حرب النكسة عام 1967، واحتل الاحتلال الإسرائيلي مدينة القدس والمسجد الأقصى، فاختفت العادة شيئا فشيئا، وصار الوصول للقدس مقيدًا بتصاريح وحواجز.