بنفسج

راوية الشوا ويسرى البربري: امرأتان من ذاكرة غزة

الإثنين 09 يونيو

نساء من التاريخ الفلسطيني
نساء من التاريخ الفلسطيني

في الحقبة الزمنية القديمة من تاريخ غزة، برزت نساء من التاريخ الفلسطيني غزيات كنت لهن بصمة في المجتمع، شهدن على التحولات السياسية والاجتماعية بمرور السنوات، وقفن سدًا منيعًا في كل مرحلة بتحولاتها، نشطن في سلك النضال والثقافة والتعليم، كن ذاكرة غزة ووجهها الأصيل، ويد المقاومة في غزة التي نشطت ضد كل احتلال. وكتبن التاريخ بوجودهن الحي فبقين في الذاكرة الغزية يُحكى عنهن عند ذكر نضال النساء وكفاحهن.

في هذا التقرير تسليط الضوء على ابنة غزة يسرى البربري أول خريجة جامعية في غزة، والتي حازت الماجستير بجدراة، وأتقنت اللغات. ورواية الشوا التي حفظت تاريخ المدينة فعرفت بتوثيقها لتاريخ غزة، وعاداتها، فلم تكن مجرد كاتبة بل مؤرخة شفوية.

يسرى البربري

نساء من التاريخ الفلسطيني

 أول فتاة جامعية في قطاع غزة، وضعت بصمتها منذ أن تشكل وعيها، فشاركت في المظاهرات ضد الانتداب البريطاني، وكانت ممن كانوا ينادون بإلغاء وعد بلفور، وبوقف الهجرة اليهودية، وبوقف سرقة الأراضي الفلسطينية والاستيطان. ولدت في مدينة غزة وتحديدًا حي الدرج، في العام 1923، والدها الحاج إبراهيم البربري من تجار غزة المعروفين آنذاك، ووالدتها السيدة لبيبة حلاوة المعروفة بنشاطها الاجتماعي.

درست الابتدائية في مدرسة "بنات غزة الابتدائية"، ثم انتقلت إلى القدس لتدرس الثانوية في مدرسة "شميدت"، وسافرت إلى القاهرة لتكمل دراستها الجامعية في كلية الآداب تخصص التاريخ بجامعة الملك فؤاد الأول "القاهرة حاليًا"، لتحصل على البكالوريوس في عام 1949، وتُصنف كأول فتاة جامعية من قطاع غزة.

استمرت في طريق العلم لتتقن ثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية، ثم قررت إكمال الدارسات العليا، لتقدم رسالة الماجستير بعنوان "كفاح ونضال الشعب الفلسطيني"، وتولى الإشراف عليها المؤرخ والكاتب أشرف غربال، لكنها توقف في المنتصف ولم تنهها لظروف خاصة بها.

عادت إلى غزة بعد إنهائها البكالوريوس في القاهرة، لتبدأ مسيرتها العملية، في ظل الإدارة المصرية التي كانت تُشرف على غزة آنذاك، فبدأت العمل معلمةفي  "مدرسة بنات بئر السبع" الابتدائية، ثم رُقيت في المدرسة الوحيدة للبنات في غزة "مدرسة الزهراء"، وعكفت على تطوير برنامج لتدريب المعلمات، الذي تحول لاحقًا إلى معهد المعلمات في غزة. وواصلت العمل وتطوير القطاع التعليمي حتى جاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة عام 1967، لترفض العمل مع الاحتلال.

مثّلت يسرى البربري فلسطين في عدة مؤتمرات دولية وعربية، وكانت عضوًا في الوفد الفلسطيني لهيئة الأمم المتحدة في عام 1963، وعضوًا في أول مجلس تشريعي فلسطيني، وعضوًا في جمعية الصليب الأحمر الدولي أثناء الحرب العالمية الثاني. 

وحجزت مكان لها في اللجنة التأسيسية للاتحاد النسائي الفلسطيني، لتصبح مديرته في غزة منذ العام 1964 حتى وفاتها عام 2009،  وتقلدت منصب سكرتيرة تنفيذية لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. وشاركت في أول وفد فلسطيني زار هيئة الأمم المتحدة عام 1963، رفقةالدكتور حيدر عبد الشافي، وإبراهيم أبو ستة.

كما برز حضورها في المؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في مدينة القدس  عام 1964، ولمشاركتها في كافة الأطر كانت في المراتب الأولى للنساء الفلسطينيات الملهمات، ورشحت من ضمن ألف سيدة من كل العام، من بينهن ثماني سيدات فلسطينيات لنيل جائزة نوبل للسلام في العام 2005.

وكان لها حضورًا قويًا منذ المرحلة الابتدائية في المظاهرات ضد قوات الانتداب البريطاني، وضد وعد بلفور والهجرة اليهودية والاستيطان. ولم يكن نشاطها داخل فلسطين فقط بل بمصر شاركت بمظاهرة طلابية ضد قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وأعطت من وقتها للاجئين الفلسطينيين الفارين من الموت عام 1948، فاستقبلتهم، ومنحت علمها لتدريس الفتيات.


اقرأ أيضًا: مناضلات ضد المحتل: فلسطينيات حملن السلاح


في العام 1967 وبعد احتلال "إسرائيل" لفلسطين، برزت يسرى البربري في الواجهة النسوية التي تدعم المعتقلين السياسين، فكانت رفقة "الاتحاد النسائي" تقدم المساعدات لعوائل المعتقلين، إثر بروزها كناشطة آنذاك، منعها الاحتلال عام 1974 من السفر لعدة سنوات.

لم تكن فقط تنشط في مناهضة الاحتلال، والمشاركة في المؤتمرات الفلسطينية، بل حجزت لها مقاعد في الأنشطة الرياضية، فهي لاعبة بارعة في تنس الطاولة، وتقلدت منصب مسؤولة إدارية لمنتخب فلسطين للفتيات، وشاركت في عدد من الدورات العالمية في رياضة تنس الطاولة.

حازت على "وسام نجمة القدس" في افتتاح "المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" عام 2009، وكُرمت خلاله. بعد سنوات من العطاء، رحلت يسرى البربري في 13 آيار عام 2009، ودفنت في مقبرة الشهداء شرق مدينة غزة.

راوية الشوا

نساء من التاريخ الفلسطيني

راوية الشوا ابنة حي الشجاعية، والدتها لبنانية، والدها رشاد الشوا الذي كان يعمل في مدينة حيفا عام 1935 في منصب قائم مقام، وعمل لاحقًا ما بين عام 1972_1975 رئيسًا لبلدية غزة. ولدت في عام 1944 في الشجاعية شرقي مدينة غزة، ودرست في الجامعة الأمريكية في القاهرة بكلية الآداب، لتتدرج أولًا في العمل بمجال التجارة لتدير معرض لبيع الملابس عام 1980،  ثم توطدت علاقتها في المجال الصحافي لتبدأ العمل بالكتابة في صحيفة النهار المقدسية إذ كان لها عامود صحفي باسم بداية المشوار ، ثم في جريدة القدس. تزوجت من عون الشوا الذي ترأس بلدية غزة ليكون أول رئيس لها في عهد السلطة الفلسطينية، لينجبا 4 أبناء.

عملت رواية على تأسيس مجموعة غزة الثقافية، التي عكفت فيها على تنظيم الجلسات الثقافية، واصلت العمل على تنظيم الندوات، وفي عام 2003 عملت على إعادة تشكيلها بصفتها جمعية وأسمتها "مجموعة غزة للثقافة والتنمية". 

 عملت على إثبات وجودها في كل المحافل، فرشحت نفسها بالمجلس التشريعي الفلسطيني، عام 1996 لتنتخب نائبًا مستقلًا عن محافظة غزة، وفي عام 2006 أعيد انتخابها بالمجلس التشريعي لتظل به حتى وفاتها عام 2017، كما أسست كتلة التحالف الديمقراطي. وشغلت منصب رئيس مجلس إدارة الإغاثة الزراعية الفلسطينية عام 1999، وكانت عضوًا في فريق الشخصيات المستقلة في الحوارات الفلسطينية في مصر عام 2009.


اقرأ أيضًا: "عين الهوية" طبيعة وتاريخ فلسطيني يهدده الاستيطان


تشبه رواية والدها في قول الحق، فقد كان رجلًا ناطقًا بالحق، شجعها على المسير قدمًا في رحلتها الأدبية، ربت بناتها ليصبحن مثلها. ولتخليد ذكرى رواية الشوا التي توفيت في عام 2017 كتب الصحفي محمد العجلة كتاب بعنوان رواية رشاد الشوا قصة كفاح امرأة فلسطينية من غزة، ليستعرض في الكتاب مراحل العمل السياسي، وحياتها الخاصة، إذ كان يرافقها خلال مرضها في أيامها الأخيرة، وهو أيضًا عايشها 22 عامًا حيث كان يعمل معها.

يقول المؤلف: "جاءت راوية الشوا للمشهد السياسي في مرحلة حساسة ودقيقة من عمر القضية الفلسطينية. ومن المؤكد أنها أدركت ما الذي يجب أن تقوم به، فكانت تعمل حتى آخر ذرة من طاقتها اليومية. وحينما أقعدها المرض في آخر حياتها لم تصدق بأنها لم تعد قادرة على العمل، أكثر ما كان يميزها، في راحتها وتعبها، صحتها ومرضها، حلها وترحالها، فراغها وانشغالها، ذلك الشعور الدائم بحجم وعظمة الرسالة التي تحملها تجاه الإنسان والمجتمع والوطن".