لا يكاد العالم أجمع يتخطى فقد الأم لجميع أبنائها أو جلهم في حرب الإبادة، فيطلق عليها لقب الخنساء، ديدن خنساء فلسطين التي تسير على طريق فقدها وتضحيتها وصبرها في استشهاد أحبتها، أم محمد فرحات وقد استشهد أبناؤها الأربعة على ثغورهم، واليوم تفقد ابنتها إيناس فرحات، سبعة من أبنائها الأطفال والشبان وطلبة الجامعة، في حرب الإبادة المستمرة على غزة منذ ما يقارب العامين، ومن قبلها الطبيبة آلاء النجار التي استشهد أبناؤها التسعة دفعة واحدة وتحولوا إلى أشلاء وتقبلتهم وزوجها شهداء.
سبعة من الأبناء تحت الأنقاض
في 18 يونيو/ حزيران 2025، من ساعات فجر يوم الأربعاء، وفي استهداف مدمر لجيش الاحتلال النازي لحي الزيتون في غزة استشهد سبعة من الأطفال معًا تحت أنقاض بيتهم ولم يبق منهم سوى أمهم المصابة الجريحة إيناس فرحات. تحولت إيناس أم هؤلاء الأطفال السبعة إلى خنساء ثانية وثالثة ورابعة في فلسطين، ولا نكاد نتوقف عن التعداد، في تسلسل تراتبي من القتل المستمر ربما لن ينتهي في هذه الحرب البربرية التي تستهدف الأطفال والشبان بعينهم على وجه الخصوص.
وبينما تفقد الأم أربعة من أبنائها المجاهدين، تفقد ابنتها سبعة منهم دون علمها بسبب حالتها الحرجة، إذ ترقد في المستشفى بإصابة حرجة في مستشفى المعمداني في غرفة العناية المكثفة. وماذا يقال لها ومن الذي يقول لها وهي التي تكابد منذ بداية الحرب لحماية أبنائها والنزوح بهم من منطقة لأخرى، وتأمين لقمة العيش بفقة زوجها منصور.
اقرأ أيضًا: الصحفي إبراهيم الشيخ علي: الموت حرقًا ثمن الحقيقة
نزح الزوجان إيناس ومنصور إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وقد عادت بعد وقف إطلاق النار، والذي سُمِح بموجبه بعودة النازحين إلى بيوتهم، لتجد بيتها محروقاً بالكامل. صبرت إيناس واحتسبت فالمال معوّض والرب كريم والأبناء بخير، حتى فجر الأربعاء عندما فقدت سبعة من أبنائها ولم ينج منهم سوى أحمد لأنه كان خارج المنزل لحظة الاستهداف الصاروخي لمنزلهم دون سابق تحذير أو إنذار في الساعة الثانية فجرًا. في الظلام المخيم تحسس الأهلون يأيدهم العارية الأنقاض المحترقة على أجساد الأطفال السبع ووالدتهم، وآخرين من أبناء المخيم.
إصابة حرجة
"رأيت شقيقتي غارقة في دمها وقد أصيبت بكسر في الجمجمة وإصابات بليغة في الرأس والوجه وكسور في القدمين، حينما رأينا المشهد انتابنا شعور بأنها ستفارق الحياة من شدة الجروح الغائرة والتي لا يمكن لجسد تحملها، وقد تم التعامل معها طبياً على الفور إلى أن استقرت حالتها".
تقول أختها إنعام فرحات في مقابلة أُجريت معها بعد استهشاد أبناء أختها: "رأيت شقيقتي غارقة في دمها وقد أصيبت بكسر في الجمجمة وإصابات بليغة في الرأس والوجه وكسور في القدمين، حينما رأينا المشهد انتابنا شعور بأنها ستفارق الحياة من شدة الجروح الغائرة والتي لا يمكن لجسد تحملها، وقد تم التعامل معها طبياً على الفور إلى أن استقرت حالتها".
استشهد إثر القصف ثلاثة من أبناء إيناس فرحات وأربعة من بناتها، وهم: الابن البكر محمد (23 سنةً) وكان متفوقاً في دراسته، والابنة بيسان (20 سنةً) وكانت تدرس البرمجيات، والابنة أسيل (17 سنةً) والابنة سما والتوءمان زيد وسعد (10 سنوات) والابنة لما (6 سنوات) ولم ينج من القصف سوى ابنها أحمد (21 سنة). وقد قال الأقرباء وأهل المخيم بأن أبناء إيناس من حفظة كتاب الله، ويشهد لهم بأخلاقهم وتربيتهم وحسن أدبهم.
وأضافت شقيقتها : "لا تعرف إيناس حتى اللحظة باستشهاد أبنائها، باستثناء معرفتها باستشهاد ابنها البكر محمد، والذي كانت تنادي عليه منذ اللحظة الأولى لدخولها المستشفى، ولحظة معرفتها باستشهاد محمد لم تتوقف عن البكاء، وهو ما دفعنا إلى إخفاء خبر استشهاد بقية أبنائها، خشية تدهور حالتها الصحية".
خنساوات فلسطين
أم نضال فرحات، خنساء فلسطين، حازت على هذا اللقب تيمنًا بالخنساء الأولى في العصر الإسلامي، وهي ليست كذلك فحسب، بل لأنها استحقت اللقب وحازته بحيازتها للثورة والسلاح، ليس لأنها أم الشهداء والأسرى فقط، بل لأنها الدافع والحامي والداعم، هي التي تدفع أبناءها وتحضهم على حمل السلاح.
أم نضال فرحات، أم الشهداء: محمد ونضال ورواد ووسام. اسمها مريم محمد يوسف محيسن (1949–2013)، وهي داعية إسلامية، ومربية، ومجاهدة، وسياسية فلسطينية، ونائبة في المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح، وقيادية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ولدت في غزة، ولها ستة أبناء وأربع بنات، ولديها 10 من الإخوة و 5 من الأخوات. سكنت حي الشجاعية، وتزوجت من فتحي فرحات وهي في بداية الثانوية العامة، لكن لم يمنعها الزواج من إكمال دراستها، فواصلت، وقدمت لامتحانات الثانوية وهي حامل بمولودها الأول - القائد القسامي نضال فرحات.
اقرأ أيضًا: ملهمة خنساوات فلسطين: الخنساء تماضر الأسلمية
كانت أم نضال إحدى منابع الثورة ووقود المقاومة، ومن أوائل النساء اللواتي نذرن كل أبنائهن للمقاومة، وهبت أم نضال أبناءها، دون تردد. قُصِف بيتها أربع مرات، وعندما عرضت حكومة إسماعيل هنية على أم نضال إعادة بناء بيتها بعد قصفه رفضت ذلك إلا بعد ترميم جميع الدمار الذي لحق ببيوت جيرانها جراء القصف.
ومن مثيلاتها اللات سرن على دربها: أم إبراهيم النابلسي، وأم عناد البرغوثي، وأم مهند الحلبي، أم عاصف البرغوثي، أم العبد جمال أبو الهيجا،أم أمجد العزمي، وغيرهن. تلك النسوة أصبحن وقود الثورة الفلسطينية المستمرة، فهي لا تنتهي، بإنجابهن، وتربيتهم، ودعوتهن، وهن أصبحن قائدات وناطقات باسم الثورة والمقاومة.