الأم دلال فواز يوسف حلبي والتي تبلغ من العمر 55 عامًا، عملت مدرّبة في الإمارات لعشرات السنوات، وعادت منذ سنواتٍ قليلة إلى وطنها، حيث تسكن في قرية روجيب قضاء محافظة نابلس، وتعاني من أوجاع وآالام في مفاصلها كحال غالبية نساء وطننا ممن هن في عمرها. والابنة إسلام أحمد طلب حلبي وتبلغ من العمر 35 عامًا، متزوجة منذ 11 عامًا (2014) وعندها حلا 3 سنوات وحور 7 سنوات وأحمد 9 سنوات، مهندسة معمارية تمتلك مكتبًا هندسيًا، وتسكن في بلدة عصيرة الشمالية قضاء نابلس أيضًا.
في تاريخ 30/1/2025، داهمت قوات الاحتلال بلدة روجيب واعتقلوا دلال حلبي من منزلها، حيث اقتحم المنزل بطريقة همجية، وكانت ابنتها إسلام وأطفالها في منزل عائلتها لأن الاحتلال كان قد اعتقل زوجها وأخوها قبل أسبوع واحد من الحدث، وكانت تلك فترة عطلة مدرسية لأطفالها فجلبتهم إلى بيت عائلتها حتى تضعهم في ظرف نفسي أفضل وحتى تخفف عنهم الفقد الذي عاشوه.
لحظات من الاعتقالين
عندما اقتحم المنزل في منتصف الليل (الساعة 2:00 قبل الفجر)، تعرضت السيدة دلال الحلبي لتحقيق ميداني لأكثر من ساعتين، وحينها وضعوا بقية العائلة في غرفة منعزلة، ومن ثم اعتقلوها..
وبهذا بقي زوج الأسيرة دلال حلبي لوحده في المنزل وبقيت ابنتها إسلام حلبي وأطفالها وحدهم أيضًا، وكانت قد انتهت فترة العطلة المدرسية وعليها العودة إلى بلدتها عصيرة الشمالية حتى يكمل أطفالها مدارسهم، فاقترحت على والدها أن يذهب معها إلى عصيرة، وهذا ما حدث بالفعل..
بعد أسبوعين من اعتقال الأم دلال، وبتاريخ 13/2/2025 (الساعة 12:30 بعد منتصف الليل)، اقتحم جيش الاحتلال منزل إسلام حلبي في بلدتها عصيرة الشمالية..
حدثتنا تسنيم حلبي وهي ابنة الأسيرة دلال وأخت الأسيرة إسلام، أن الاحتلال فور اعتقال أختها تسنيم اتصل بها لإخبارها بأمر اعتقال أختها وقالوا لها أن تحضر حتى تأخذ الأطفال الذين في المنزل، وفي لحظة الاعتقال كانت إسلام محاطة بالمجندين والمجندات، عُصبت عيناها ورُبطت يداها واعتُقلت.
اقرأ أيضًا: سناء سلامة: صاحبة السجين الوفية لرفات الشهيد
كما ورد في نص التقرير، فإن العائلة كانت تواجه 4 اعتقالات متتالية خلال أقل من شهر، فبتاريخ 15/1/2025 داهمت قوات الاحتلال بلدتي روجيب وعصيرة الشمالية في آن واحد ليعتقل كل من الشاب محمد حلبي ابن الأسيرة دلال، والشاب إيهاب شولي زوج الأسيرة إسلام، وما زالوا حتى تاريخ هذا التقرير موقوفون بلا أحكام.
كانت تلك الفترة قاسية على العائلة ككل، ففي البداية كانوا يعيشون صدمة اعتقال الشابين في نفس اللحظة، ومن ثم فجعوا باعتقال الأم دلال حلبي، ولكنهم وصفوا اعتقال أختهم إسلام قائلين: "شعرنا أن ظهرنا كسر باعتقال أختنا إسلام.
محطات من السجن والتحقيق
تعرضت كل من الأسيرة إسلام ووالدتها دلال خلال فترة اعتقالهما التي ما زالت مستمرة للتحقيق عدة مرات، ووجهت ضد إسلام لائحة اتهام تحفظت العائلة عن الإفصاح عنها لظروفهن في المعتقل، أما الأم دلال فاعتقالها كان اعتقالًا إداريًا، أي أنه بلا تهمة مفصح عنها ويعتبر ملفها ملفًا سريًا في محاكمهم، وبالرغم من انتهاء مدة اعتقالها الإدارية إلا أن محكمة الاحتلال قررت تمديد اعتقالها لمدة 4 أشهر إداري قابلة للتجديد، كما رفضت طلب استئناف الحكم الموجه ضدها.
زارها عدد من المحامين داخل سجن الدامون في أوقات متباعدة، ووجدوا أنهن كما باقي الأسيرات يعشن ظروفًا صعبة في المعتقل من قمع مستمر وتكسير وتخريب لممتلكاتهن البسيطة التي لا تفي بالحاجة أساسًا، إضافة لاقتحامات فجائية متكررة لغرفهن ما يضطرهن الالتزام بلبس الحجاب المتوفر طيلة الوقت.
اقرأ أيضًا: شهادة من قعر الجب.. خواطر أسيرة محررة
كما أن كميات الأكل ضئيلة جدًا ونوعيته سيئة تجعلهن يعانين من مشاكل المعدة والقولون وغيرها، إضافة للكميات المقننة من المياه والوقت المحصور لهن للاستحمام، وقلة موارد التنظيف والنظافة الشخصية، إضافة لامتلاكهن غيار واحد من الملابس بجودة سيئة.
ولتخصيص أكبر بما يتعلق بالأسيرتين دلال وابنتها إسلام، فإن الاحتلال يحرمهن من اللقاء ببعضهن داخل القسم، بل ويتعمد فصل أوقات الفورة وغيرها حتى لا يحظين بأي فرصة للقاء، ليكون الحرمان والألم مضاعفًا.
مع انتشار الأمراض الجلدية في سجون الاحتلال القذرة، أصيبت الأسيرة دلال حلبي بمرض السكابيوس كأول أسيرة تصاب بهذا المرض، وعزلت عن بقية الأسيرات حتى امتثلت للشفاء منه، وبرغم قساوة الأمر إلا أن الأم وابنتها استطعن أن يلتقين للمرة الأولى داخل السجن، إذ أدخلت إسلام حتى تضع المرهم وتعطي والدتها العلاج اللازم.
شهادات ورسائل نقلها المحامون عنهن
خلال زيارة المحامي حسن عبادي للأسيرة دلال حلبي بتاريخ 9/6/2025، وصفت الأسيرة دلال لحظات الاعتقال قائلة: "وِحدتين عسكريّتين من عصيرة الشماليّة وروجيب، كلبشة وتعصيب للعينين ومسبات وضرب ورحلة عذاب حتى وصولي إلى سجن الدامون"، ومما نقله المحامي عنها أنه قد تبين لاحقًا قيام قوات الاحتلال بسرقة الذهب والأموال من داخل منزلها، وقد قدمت شكوى بهذا الخصوص، إذ أن هذه الأموال مخصصة لتكاليف ومصاريف التعليم لأبنائها فواز وسعد طلبة تخصص الطب في جامعة الخليل، وحين تبيّن أنه لا شبهة أو دليل موجه ضدها اعتقلت بحكم إداري لأربعة شهور، ومددت لأربعة شهور أخرى.
حدثته الأسيرة دلال حلبي عن قمعة كانت قد شنتها قوات الاحتلال داخل السجن على جميع الأسيرات في سجن الدامون قبل يوم واحد من هذه الزيارة، ووصفت القوات قائلة: "مستكلبين"، وأوضحت أنهن تعرضن لتضييقات شديدة، ويركعهن السجانين عند أخذ العدد المقيت (وهي عملية تقوم بها إدارة السجون مدة 4 مرات يوميًا، غير المرات الأخرى في لحظات الطوارئ).
وفي محاولة الاحتلال لزيادة التضييق عليهن، فإنه يغلق كافة المنافس حتى البسيطة منها، فمثلًا "الأشناف" ( وهي كلمة عبريّة تعني "الطاقة" الصغيرة التي تتوسّط البوابة الحديديّة للزنزانة والتي تُغلق من خارج الزنزانة) مغلق طوال الوقت ويُفتح فقط لتوصيل وجبات الأكل.
اقرأ أيضًا: سهام أبو سالم أكبر أسيرة في الدامون بعمر 71 عامًا
وعن النظافة الشخصيّة للمعتقلات، فإن الاحتلال قد جردهن من كافة المقدرات، حتى فرشاة الشعر ممنوعة، وإن بعضهن لم يسرحن شعرهن منذ أكثر من 10 أشهر ويكتفين بتمرير أصابعهن في شعرهن. أما بالنسبة لعيدي الفطر والأضحى، فقد تم حرمانهن من الطقوس ومُنعت المعايدات ما بين الغرف.
وفي زيارة أخرى من نفس المحامي للأسيرة إسلام حلبي قبل أيام قليلة بتاريخ 2/7/2025، أبلغته أنها تعرضت لأقسى موقف وأصعب لحظات، فقد نسيت شكل وملامح ابنتها حلا، وتتمنى أمنية واحدة، أن تلمحها ولو لمحة واحدة تسترجع فيها صورتها في مخيلتها، تكلمت إسلام بهذه الكلمات وقد تملكها البكاء وخنقتها العبرات.
العائلة في غيابهن
قالت تسنيم حلبي لبنفسج: "أتمنى من الجميع أن يتعاطف مع الأسرى وأن يحمل رسالتهم ويبقى مطلعًا على قضيتهم لأنها قضية وطنية مشرفة، وأن لا ينتظروا اعتقال أحدًا من أقربائهم ومعارفهم حتى يناصروا الأسرى ويهتموا بقضيتهم، بل علينا أن نتذكر الأسرى في كل وقت وبجميع المحافل." وأكملت قائلة: "ماما بالنسبة لنا صديقة وصاحبة وكل شيء في حياتنا بصراحة، أمي وبرغم أننا متزوجات لكنها مهتمة بكل أمورنا ولم نشعر يومًا أننا متزوجات جراء اهتمامها بنا."
وأكملت حديثها عن أختها الأسيرة إسلام: "وإسلام هي أم الجميع، هكذا ننادي عليها وهكذا نصفها، إذ كنا نعيش في الغربة وكانت أول من يعود للبلاد، ومن بعدها أصبحنا الأخوة نعود لفلسطين وكانت إسلام بمثابة الأم لنا هنا، كانت تهتهم بكل أمورنا ومسؤولياتنا."
لإسلام ثلاثة أطفال كما قلنا، تهتم بهم خالاتهم، وبفضل الله وبرغم ثقل المسؤولية إلا أنهم حصدوا نجاحات وتقدير "ممتاز" في دراستهم المدرسية، والآن في العطلة الصيفية يحفظون القرآن ويلعبون الكارتيه، إذ أن العائلة تحاول تقديم دعم لإسلام من خلال العناية بأطفالها.
اقرأ أيضًا: في مركز التحقيق.. وفصول المسرحية السمجة
عند الحديث عن هؤلاء الأطفال الذين يواجهون الحياة بلا أم وأب، مغيبين عنهم في سجون الاحتلال، لا ننسى أحد أهم أبطال هذه القصة، وهي تسنيم التي أعددنا التقرير معها، فهي أيضًا أم ولها ثلاثة أطفال، ووضعت طفلتها الثالثة بعد اعتقال والدتها وأختها، لتعتني الآن بستة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 9 سنوات وأصغرهم أربعة أشهر وجميعهم بأعمار متقاربة..قالت تسنيم حول هذا الموضوع: "بس ربنا بعين وبقوي والحمدلله أزواجنا متعاونين ومتفهمين".
ولا تغيب هنا بصمة الجد، رغم أنه يفتقد زوجته وابنه وابنته وزوجها في سجون الاحتلال، إلا أنه صابرُ ومحتسب، يهتم بأمر الجميع، ويصطحب كل أسبوع أطفال ابنته الأسيرة إسلام ويتفقد حالهم، يعيش على أمل اللقاء والفرج.
في بنفسج، وثقنا وما زلنا نوثق العديد من القصص والروايات التي تعنى بالمرأة الفلسطينية، نسعى بذلك على تسليط الضوء على إحدى أهم القضايا التي تستحق أن تكون محط اهتمام العالم، بشعوبه ومؤسساته وجمعيات الحقوق فيه بمختلف أسمائها، علّنا بذلك نكون يدًا من بين مئات وآلاف الأيادي التي كانت وما زالت تقرع جدار الخزّان، ولعلّ يدًا جديدةً تقرع الجدار فينهار برمته، ولا تحتاج النساء الفلسطينيات حينها لكل من تخاذل وقاعس عن نصرتهن.