هذه كانت دجاجتنا، الناجية الوحيدة من مجموعة من الصيصان اشتراهم أولادي لتربيتهم قبل الحرب، فحين كبر الصيصان وبدأوا يغيرون ريشهم، أصابهم مرض وماتوا واحدًا بعد الآخر وبقيت هذه الدجاجة.
حين نزحنا كان الوضع شديد الخطورة، وخرجنا من البيت في العتمة ونسينا أمرها، ولم نذكرها إلا بعد أكثر من أسبوع، حين وصلنا إلى دير البلح، ندمنا لأننا لم نفكر بإطلاقها لتستطيع البحث عن طعام تأكله، وأصابني أنا تحديدًا شعور مرير بالذنب لأنني نسيتها.
حين لجأ أقاربنا لبيتنا بعد شهر، واستقروا فيه، طلبت من زوجي أن يسألهم عنها، وكانت المفاجأة المدهشة أن الدجاجة بخير! كان الخبر كالمعجزة، ظننا أننا تركناها لتموت، فأنقذها الله بطريقة ما، وأرسل لها أحبابنا ليطعموها ويسقوها، امتلأ بيتنا بجميع طوابقه الأربعة بالنازحين، وأصبحت الدجاجة الحيوان المدلل لجميع الأطفال، الجميع يريد أن يطعم الدجاجة.
حين اشتدت المجاعة، كان من غير المجدي ذبحها لأنها لم تكن تكفي لإطعام كل هذا العدد، وقد كانت أحيانًا تبيض، فكان الأطفال يأكلون من بيضها في وقت لم يكن عند معظم عائلات المدينة حفنة دقيق. الأغرب أنه قد جاء وقت اضطر أهلنا للنزوح من البيت، فأشفقت أخت زوجي على الدجاجة وأخذتها معها لتطعمها، نزحت الدجاجة معهم، وعادت معهم حين عادوا.
بعد عودتنا صعدت للسطح لأطمئن عليها، وتحدثت معها ودللتها واعتذرت لها، كانت تنظر لي بتوجس وخوف، وربما سمعني زوجي وضحك علي، لكنني كنت أكلمها بصدق وجدية، فبالنسبة لي كنت أتحدث مع معجزة لا مع دجاجة. في المجاعة الحالية انقطع بيضها، يبدو أنها خافت من شدة القصف، وكان الجميع يحثون زوجي على ذبحها لنأكلها، لكننا رفضنا، قلت لزوجي نعتبرها غير موجودة.
اقرأ أيضًا: الحرب على غزة: مخاطر صحية تحيط بالمرأة الفلسطينية
هذه كانت دجاجتنا، نجت دون ماء أو طعام لأكثر من شهر، ثم عاشت مجاعتين في واحدة من أعنف حروب الإبادة في التاريخ، ونجت من الرصاص الطائش والشظايا التي سقطت على سطح بيتنا، نزحت تحت القصف، وعادت لبيتها، كتب الله لها أن تعيش وتنجو في ظروف مستحيلة، لتموت اليوم.
ماتت دجاجتنا اليوم "من الحر"، الحر وليس الحرب، لم تتحمل الحرارة فانطفأت روحها، وقام ابني بدفنها في ممر رملي بجانب البيت. زوجي "الواقعي" تمنى لو كنا لحقنا بها وذبحناها قبل أن تموت، لكن أنا شعرت براحة أكبر لأنها ماتت بشكل طبيعي ودُفنت بشكل لائق.