بنفسج

أحمد المدهون& ولاء صافي: احتلال يسرق الحب والأماني

الجمعة 10 أكتوبر

زوجات الشهداء في غزة
زوجات الشهداء في غزة

لطالما كان السند لها، سندًا بحق. كانت تسأل نفسها: ماذا فعلت من خير ليجازيني الله خير الجزاء به؟ سمعت بقصص الحب الأسطورية، لكنها لم تعلم أنها ستكون إحدى بطلاتها يومًا ما. عاشت معه أجمل سنين العمر، نغّصها تأخر الإنجاب، ولكنهما صبرا معًا كما تعاهدا على الحلوة والمرة، حتى جاء أمر الله ليرحل رفيق دربها وحبيبها شهيدًا، دون أن يُحقق أمنيته الوحيدة في الحياة: أن يكون أبًا ويسمّي طفلته مريم.

لكن يوم الفراق عرفت ولاء بخبر حملها، لم تصدق أنها بعد أكثر من ثلاث سنوات من الصبر ستصبح أمًا، لكن دون أحمد. جاءت مريم بعد شهور من استشهاد والدها، تحمل ملامح أبيها وتكون إرثه الحي على الأرض.

هنا يستضيف بنفسج ولاء صافي، زوجة الشهيد أحمد المدهون، لتحدثنا عن اللحظات الأخيرة في حياة أحنّ رجل رأته في حياتها، عن لحظة معرفتها بالحمل دون أحمد، عن أن تكون أمًا وأبًا في الوقت ذاته، وعن مريم والأسئلة المنتظرة كـ: “أين بابا؟”.

حلم أبوة لم يكتمل

زوجات الشهداء في غزة

في 14 مارس 2024، وتحديدًا في الرابع من رمضان، كانا معًا في بيتهما يتمنيان انتهاء الحرب، ويرسمان خططًا للمستقبل. صورا فيديو لإعداد أكلة السمبوسك لقناتها على اليوتيوب، ثم صليا العصر معًا، وبعدها تركت ولاء أحمد لتذهب إلى الطابق السفلي عند عائلته لتجهيز طعام الإفطار، وفجأة وجدت نفسها بين الركام.

تقول لبنفسج: “قبلها بدقائق كان يوصيني ألّا أرهق نفسي. كنا نشك بحملي، وتحمست أنا للفحص، لكنه قال لي: يومين وتفحصين ونرى النتيجة، لكني أشعر أنك حامل، وأني على وشك أن أصبح بابا أحمد”.

ما بين الحياة والموت بضع لحظات. كان أحمد فرحًا بشكوكه في حمل زوجته، يعدّ الساعات ليتلقى خبرًا انتظره سنوات عجاف، لكن أمر الله نُفّذ قبل أن تتحقق أمنية الرجل.


اقرأ أيضًا: راوية عبد العال.. امرأة بحجم فاجعتين


في المشفى، وقفت ولاء التي نجت من تحت الأنقاض بأعجوبة، تبحث بين الأطراف لعلها تلمح أحمد. وحينما أخبروها خبر استشهاده أنكرت وصرخت بأعلى صوتها: “وين أحمد؟!”. تضيف: “رفضوا أن أراه إلا بعد أن كُفّن بشكل كامل، وعندما رأيته صرخت كثيرًا عسى أن يسمعني، لكنه لم يسمع. أرادوا أن يعطوني إبرة مهدّئ، لكن الممرضة رفضت لشكوكها بحملي”.

بعد أيام من استشهاد أحمد، وبينما كانت ولاء تعيش الجحيم في غيابه، جاءها خبر الحمل، فبكت كثيرًا حينها وتذكرت ابتسامة أحمد الذي كان متحمسًا لأن يصير أبًا. وتقول: “يا الله، شو كان نفسي أشوف ردّة فعله لما عرفت بالحمل، كان يقلي: لو ولد هسميه حمزة، لو بنت هسميها مريم”.

من سيرة الشهيد

زوجات الشهداء في غزة

كان أحمد ابن خالها. تزوجا زواجًا تقليديًا، لكن مع عشرته عرفت أنه نسخة نادرة الوجود؛ خلوق، تقي، طيب المعشر. تردف: “كان يزرع الورد الجوري لأجلي في شرفة البيت، وكلما نبتت وردة قطفها وأهداني إياها. يهتم بأدق التفاصيل التي تخصني، في مرضي تسود الدنيا في وجهه. كنا نتمنى أن يمنّ الله علينا بالذرية لتكتمل حياتنا”.

تكمل: “هو خطاط ماهر، يمسك الورق فيخرج منه أيقونة فنية جميلة. يكتب الأبيات الشعرية بخطه ويهديني إياها. حافظ لأجزاء من كتاب الله، حاصل على دورات في التجويد. تبقى من ذكراه بضع أوراق خطها لأجلي وأخرجتها من تحت الأنقاض”.


اقرأ أيضًا: ميساء مقداد: الكفن الذي كان ثوب العيد لأبنائي الأربع


دُمّر بيت ولاء وأحمد، وذهب كل شيء في مهب الريح. تعيش ولاء بلا روح منذ رحيله، فما بين النزوح والتشريد والتجويع، تعيش الأمرّين دونه، هي وطفلتها مريم تعيشان من خوف إلى خوف.

تضيف: “ابنتي مريم تبلغ من العمر الآن عامًا ونصف، وبدأت الحديث مؤخرًا. تقول (بابا) فينكسر قلبي. كيف سأخبرها أنك فقدت أحنّ رجل في الدنيا؟ كيف سأقول إنني أعيش بلا روح من دونك؟”.

نجت ولاء من تحت الركام وهي حامل بمريم، وقدّر الله لها النجاة، لتكون صغيرتها إرثًا حيًا لوالدها الرجل المعطاء التقي. وتختم حديثها قائلة: “ستكون ابنتي الابنة الصالحة لأحمد. سأحكي لها عنه كثيرًا، وسأحرص أن تكون شبيهته في كل شيء”.