بنفسج

المقاطعة بعد وقف إطلاق النار: معركة الوعي التي لا تنتهي

الخميس 13 نوفمبر

تأثير المقاطعة الاقتصادية
تأثير المقاطعة الاقتصادية

مع توقف أصوات القصف في غزة، يخيّل للبعض أن المعركة قد انتهت، لكن الحقيقة أن الحرب لم تتوقف وإن توقفت الإبادة الدموية التي استمرت لسنتين، كما تستمر في ميادين الاقتصاد والثقافة والإعلام والأكاديميا. فالمقاطعة ليست فعلًا عابرًا يرتبط بساعات الدم والنار، بل هي موقف وعيٍ طويل المدى، يُترجم إلى فعل مقاوم يومي يواجه منظومة الاحتلال التي تغذّي نفسها من أموال المستهلكين ومن حضورها في مؤسسات العالم.

إن الدعوة إلى استمرار المقاطعة بعد وقف إطلاق النار ليست ترفًا أخلاقيًا، بل ضرورة وطنية وإنسانية وأخلاقية عالمية، لأن الاحتلال الإسرائيلي لا يعيش على سلاحه فقط، بل على شبكة دعم هائلة من الشركات والمؤسسات التي تمدّه بالتمويل والشرعية. والمستهلك، في أبسط قراراته، قادر أن يكون جزءاً من هذه المنظومة أو كابحاً لها.

المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب السلمي
قاطعوا كوكاكولا.jpg

تشكل المقاطعة الاقتصادية خط الدفاع الأول في مواجهة آلة الاحتلال. فبينما تُضخ مليارات الدولارات سنويا في شركات تدعم الاحتلال مباشرة أو بشكل غير مباشر، يستطيع الامتناع عن شراء منتجات محددة أن يشكّل ضغطًا اقتصاديًا حقيقيًا. ومن أبرز هذه الشركات:

• كوكاكولا (Coca-Cola) وبيبسي (Pepsi) اللتان تملكان مصانع في المستوطنات وتقدمان دعمًا مباشرًا لمؤسسات إسرائيلية.

• ماكدونالدز (McDonald’s) التي وفرت وجبات مجانية لجنود الاحتلال خلال العدوان.

• ستاربكس (Starbucks) التي أبدت إدارتها مواقف داعمة لإسرائيل.

• نستله (Nestlé) التي تملك استثمارات كبيرة في السوق الإسرائيلي منذ عقود.

• بوما (Puma) الراعي الرسمي لاتحاد كرة القدم في المستوطنات.

. بعض منتجات التجميل العالمية مثل

. منظفات إيريال التي برزت دعايتها الإعلانية الحقيرة خلال الإبادة. 

تُظهر التجارب السابقة أن المقاطعة الشعبية، حين تكون منظمة ومستمرة، تحدث أثراً ملموساً. ففي جنوب إفريقيا، كانت المقاطعة الاقتصادية والثقافية أحد أهم أسباب سقوط نظام الفصل العنصري. واليوم، تتكرر التجربة في فلسطين، إذ بدأت بعض الشركات تشعر بالفعل بتراجع مبيعاتها في الأسواق العربية والإسلامية منذ تصاعد العدوان على غزة.

المقاطعة الثقافية: تحرير الوعي من التطبيع

تأثير المقاطعة

لا تقل المقاطعة الثقافية أهمية عن المقاطعة الاقتصادية، فهي تتعلق بالمعركة على الرواية والوعي. فإسرائيل تحاول منذ عقود اختراق الفضاء الثقافي العربي والعالمي لتظهر كدولة “طبيعية” متقدمة ومتسامحة، متخفية وراء ستار الفنون والرياضة.

من هنا، تصبح مشاركة الفنانين أو المخرجين أو الكتاب العرب في فعاليات تجمعهم بإسرائيليين، مهما كان السياق، شكلاً من أشكال التطبيع المرفوض. إذ إن “التبادل الثقافي” مع الاحتلال لا يكون سوى تلميع لصورة المعتدي ومحواً لجرائمه.

لقد أصدرت حركة المقاطعة العالمية (BDS) بيانات متكررة تدعو فيها الفنانين العالميين والعرب إلى رفض المشاركة في المهرجانات الإسرائيلية أو تلك الممولة من جهات داعمة للاحتلال. وقد استجاب المئات من المثقفين حول العالم لهذه الدعوات، منهم الموسيقي الشهير روجر ووترز الذي اتخذ موقفاً صلباً ضد التطبيع، وكذلك كتاب وصحفيون غربيون كثر رفضوا دعوات الجامعات الإسرائيلية.

أما المقاطعة الأكاديمية، فهي تواجه أحد أخطر أوجه الاحتلال: سعيه لتبييض صورته عبر العلم والبحث. فالكثير من الجامعات الإسرائيلية متورطة في تطوير أسلحة وتجارب تُستخدم ضد الفلسطينيين، وتربطها علاقات وثيقة بالمؤسسة العسكرية.

لهذا، تدعو حركة BDS الأكاديميين والمؤسسات التعليمية في العالم إلى قطع العلاقات مع الجامعات الإسرائيلية، ووقف التبادل البحثي معها، ومقاطعة المؤتمرات الممولة من جهات داعمة للاحتلال. وقد بدأت بالفعل جامعات مرموقة مثل جامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا، وجامعة دبلن في إيرلندا، تبني قرارات رسمية بالمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل.


اقرأ أيضًا: قاطع! أفلام تلميع الجرائم


إن استمرار هذه المقاطعة بعد وقف إطلاق النار يوجه رسالة بالغة الأهمية: أن الجرائم لا تُنسى، وأن العدالة مطلب إنساني عالمي ومساندة غزة تكون بمقاطعة العدو وداعميه. في النهاية، المقاطعة ليست مجرّد امتناع عن شراء سلعة أو حضور فعالية، بل فعل وعيٍ يربط بين الجريمة ومرتكبها، بين الاحتلال ومن يموله. إنها تربية على المسؤولية، تذكّرنا بأن كل دولار ننفقه قد يكون رصاصة في صدر طفل، أو طوبة في جدار مستوطنة.

إن وقف إطلاق النار لا يعني وقف النضال، فالمعركة من أجل الحرية تمتد إلى كل مساحة من حياتنا: في اختياراتنا، في مقالاتنا، في فننا، وفي وعي أطفالنا. فحين يستمر العالم في شراء منتجات الاحتلال بعد الحرب، فإنه يشارك – ولو بصمت – في تمويل الحرب القادمة.

ولذلك، يجب أن تبقى المقاطعة بعد وقف إطلاق النار فعلَ مقاومةٍ يومي، لا ينطفئ مع دخان القصف، بل يتجذّر في الوعي الجمعي، حتى تتحرر فلسطين من النهر إلى البحر.