بنفسج

المرأة في الحب: كائن مضطهد يحب الأذى؟!

الإثنين 17 اغسطس

نجحت البيئة التي نتخبّط فيها يوميًا في زرع أفكار مسمومة في العقول، إذ تسمع فُلانا يقول لصديقه المتزوّج حديثا:" إيّاك وفتح المجال لها لمُناقشتك، من الأوّل أظهر العين الحمراء، لا تجعلها تتمكّن منك فتُسيطر، اجعلها دائما تحت رحمتك، فالنساء يعشقن الألم، فيتعلّقن حينها أكثر".

للأسف، ساهم في الترويج لهذا الخُذلان بعض الروايات التي جعلت من المرأة كائنًا عاشقا للساديّة، إذ أنها بعد وُقوعها في الحب، تندثِر وتتحوّل من كائن كيده مُخيف إلى كائن عاشق للاِنهزاميّة، وقد تُشكِّل حزبًا أو حركة تحت عنوان "معًا لترسيخ الانهزامية في العالم". إنّ هذه بعيدة كل البعد عن الحقيقة، فالمرأة عندما تتألّم تتعلّم، ولن أُبالغ حينما أقول بأنّها تكون أقوى من الرجل، بعدما تمُرّ بتجربة صعبة، سواءً كانت مادية أو معنوية.

والفرق يُمكن أن يتجسَّد في نقطتين: الأولى، بعض النساء يدخُلن أمرًا ما أو يختَرنه بحدسهن، وبعد مشُورة بين العاطفة والعقل، وحينما ينجح الأمر، يزداد إصرارهن لتحقيق المزيد، سواءً كان ذلك في حياتهنَّ المهنيّة أو العائلية، إذ قد تختار مهنة تُحبُّها وراتِبها قليل، مُقارنة بمهنة أخرى راتبها مُغرٍ. وهذا ما يدفعنا لإسقاط التُهمة المنسوبة إليها بأنّها كائن ماديّ بحت، يبحث عن الزوج الغني والحياة الأرستقراطية، هذه الأخيرة، تطمح المرأة لدخُولها بقُدراتها الخاصة وليس بمعيّة الرجل، من أجل تصحيح بعض الأفكار الخادِشة لمشاعر المرأة.

والشريك الذي يُهينك سواء كان امرأة أو رجل لا يستحق أن تنظر في وجهه، فكيف لك أن تُعبّر له عمّا يختلجك من مشاعِر جميلة، والحُبّ ليس انكسارًا وانهزامية، بل قُوة معنوية تجعلنا أشخاصًا أسوياء نفسيًا.

الثانية، بعضهن قويات الشخصية جدًا، حتى أنّك تظن لوهلة أنهنّ دون عاطفة، لكنك لو تقرّبت منهن ستكتشف قلوبًا مليئة بالحُبّ والاهتمام، هذا النوع، قد يختار المهنة ذات الراتب الأكبر ودون انقياد وراء المشاعر، ليس لكونهن عاشقات للمال، وإنما يرجع لشغفهنّ بالمنافسة. هذا النوع، قد تجده بعد سنوات في مركز قيادي مهم أو حتى برئاسة الدولة، "النوع الذي يتقن إخفاء مشاعره ليس خجلًا، بل نتيجة تجربة انكسار علمتهنّ إظهار ما يجب إظهاره فقط، علمتهنّ أنهنّ إن لم يكُنَّ من فصيلة الذئاب أكلتهنّ الذئاب"، وهذه الحكمة الأخيرة ليست سيّئة كما يتم الترويج لها، إذ حينما يكون المجتمع غابة يُصبح من الضرورة التكشير عن الأنياب، وصاحبات الشخصية "الكيوت" سيتحوّلن إلى وجبات خفيفة.

وحتى لا أكون ظالمة للحُبّ، إذ أشرت في السطر أعلاه إلى كلمة وُقوع، استخدمتها لدلالة مُنتشرة، وليس عن قناعة، فالحُبّ الحقيقي، نُهوض بالهِمَّة والثقة بالنفس، والشريك الذي يُهينك سواء كان امرأة أو رجل لا يستحق أن تنظر في وجهه، فكيف لك أن تُعبّر له عمّا يختلجك من مشاعِر جميلة، والحُبّ ليس انكسارًا وانهزامية، بل قُوة معنوية تجعلنا أشخاصًا أسوياء نفسيًا.

النساء بعد تجاربهنّ الفاشلة في الحياة تنكسِر أجنحتهنّ، لكنّهنّ بطبعهنّ مُتجددات، ربما نتيجة الفضفضة التي يعتبرها البعض ثرثرة. سأعود لانكسار جناحيها، سأُبالغ وأقول هما جناحين كان لزامًا اِنكسارُهما حتى تنتَزِع من رأسها فكرة الاعتماد التام على أصحاب العضلات، إذ بعد الألم والبُكاء وإدمان الشكولاتة والشيبس والتمدُّد على السرير، وإخراج كل ما بداخلها من كُره، وهذا الأخير ليس كرهًا بل بعض الجُمل التي تتلفّظ بها مع نفسها أو مع المُقربين منها، من أجل تنظيف داخلها، لِترجع من جديد إلى طبيعتها، فتُدمن الاهتمام بنفسها وتُصبح الرقم واحد على القائمة، لماذا يا ترى؟

لأنّها تخلّصت من عادة سيئة جعلت جناحيها عالِقين، يُحركهما الآخر مهما كانت درجة قُربه منها، قامت بثورة ذاتية حرّرت جناحيْها، ومنه سأُهذِّب كلمة انكسار بكلمة تحرير واعتماد على النفس، فجناحاها حينما ظنّت أنّهما انكسرا وارتمت بحُضن الاكتئاب والضعف، كانت قد تخطّت أميالًا من المعاناة النفسيّة، نجحت في إعطاء ذاتها مساحة من الثقة، لقد تمكّنت من عِلاج جناحيْها والطيران من جديد، فلا تخجلن من انكساراتكن وانهضن.

أنتِ، نعم أنتِ، رائعة عندما تُحلّقين بعيدًا عن الأفكار التي تُقوقِعك، فتجعل منك كُتلة انهزام، وماذا في الأمر قُوليها؛ مررت بفترة انهزام، وأنا اليوم خبيرة في معايير جودة النهوض من جديد، قُوليها وابتسمي فالحياة تليق بك يا صاحبة الانكسار الجميل.