بنفسج

" بطوطة" مبادرة معرفية تحلمُ بالاتساع

الجمعة 21 اغسطس

بين أروقة التاريخ، وتراكم الحضارات، وأزقةٍ تُخبرك عن ماضٍ طويل من الأحداث والحكايات التي مرت هنا، يقف مجموعة من الشبان والشابات، يرمقون علاماتِ القدم، وينبشون عمّا وراء الصورة الحاضرة أمامهم. تتقدمهم الشابة إيمانٍ، تنظر إليهم بهمةٍ وشغفٍ كبيرين، يُشعرها بثقل الأمانة الملقاة على عاتقها، في أن تمدّ جسرًا من المعرفة بين تلك الآثار وقلوب الناظرين إليها، من خلال إطلاعهم على التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة، علّها بذلك توطدّ ميثاقًا غليظًا يعتريه الحب والانتماء الحقيقيين.

| قواسمٌ مشتركة

ض4.png

ولأن حب الوطن، يُحتم علينا فهمه جيدًا، أطلقت الشابة إيمان أبو واكد، مبادرة الترحال الأولى في قطاع غزة بعنوان "بطوطة"، تيمنًا بشيخ الترحال، الرحال والمؤرخ والقاضي محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي، المعروف بـاسم "ابن بطوطة"، والذي يُعتبر المبادر الأول بالترحال والتجوال في ضواحي العالم الإسلامي.

وتبين أبو واكد أن العديد من القواسم المشتركة التي تجمع الرحالة "ابن بطوطة"، ومبادرة "بطوطة" الغزيّة، فقد عُرف عن شيخ الرحالة حبه للاستطلاع، وعدم خوفه من الصعاب، في سبيل حصوله على أخبار البلاد التي زارها على مدار 28 عامًا، وكذلك سعى فريق المبادرة لمعرفة أسرار الأماكن الأثرية في قطاع غزة.

تتضمن المبادرة الشبابية، ست جولات ميدانية، لمجموعة من الأماكن التاريخية الأثرية القديمة، وبعض الأماكن الصناعية والزراعية، من أجل تسليط المجهر على بقع النور الحاضرة في قطاع غزة المكبل بحصارٍ خانق منذ سنوات. يتجول المشاركون في المبادرة، وعلاماتْ الإعجاب تغمرهم، وسؤال لم يُغادر أذهانهم، أين نحنُ منْ هذا الكنز الذي نمتلكه ولا نعلم بوجوده، يمحصون النظر في ثنايا التاريخ، يسألون برغبةٍ كبيرة للمعرفة.

كانَ تشجيع العاملين في القطاع الصناعي المحلي والزراعي، حاضرًا في أهداف المبادرة التي لم تغب عبارات التشجيع والثناء على جهود العاملين المبذولة في مجابهة الحصار، لإخراج أفضل جودة ممكنة في ظل انعدام الامكانيات، والظروف الصعبة التي يمر بها القطاع. وسعت المبادرة كما توضح الشابة إيمان لــ "بنفسج"، إلى توليد دافع حب الاستكشاف لدى المشاركين، وتوسيع أفق المعرفة لديهم، بما يخدم بلادهم ويرفع من شأنها، بدل إرهاقهم في بوتقة السياسة والوضع الاقتصادي الصعب.

| حلمٌ بالاتساع

ض5.png

معالمٌ كثيرة، تركت علامات الاستغراب على ملامح المشاركين، كونهم يتلقون معلومات لم يسمعوا بها من قبل، كمقام الخضر الذي تحول مؤخرًا لمكتبة أطفال، وتلة أم عامر التي يزيد عمرها عن 1750 عامًا، والتي سرق منها الاحتلال الكثير من الآثار.

وتبين أبو واكد أن المبادرة شملت زيارات العديد من الأماكن الأثرية، كجامع كاتب ولاية، وكنيسة بيفيريوس، ودير القديس، والمتاحف، والمقابر، وقلعة برقوق، وحمام السمرة، وقصر الباشا، والأسواق القديمة، والمزارع، والشركات، والمصانع. الحواجز والحدود بين غزة وباقي الأراضي المحتلة، تقف حاجزًا أمام حلم إيمان في توسعة مبادرتها، لتشمل المشاركين من كل أنحاء فلسطين، وزيارة جميع الأماكن الأثرية.

حققت مبادرة "بطوطة" نجاحًا مميزًا كونها بتمويل ذاتي من المشاركين، والتي امتدت لأسبوعين كاملين، بمعدل ست ساعات يومية من التجوال، بمشاركة فتيات وشبان، بعضهم مقيمين في الخارج، من أجل تأهيلهم ليكونوا سفراء غزة أينما ذهبوا.

الشابة لبنى المدني، أحد أعضاء فريق بطوطة تبيّن لـ "بنفسج" أن المبادرة منحتها شعور السائح، وروت شغفها في معرفة تاريخ الأماكن الأثرية، والتي لم تسمع بها من قبل. الدافع الذي شجع المدني للالتحاق بالمبادرة، الفضول الذي تملكها لمعرفة غزة بعيون أخرى، كونها ليست من مواليدها، عدا عن رغبتها في زيارة الأماكن برفقة أشخاص ملمين بالتاريخ والمكان، وليس مجرد زيارة والتقاط صورة، بل تشبعٌ بالمعرفة والحضارة.

بينما تغمر السعادة الشابة هالة الدالي أحد المشاركين، كونها خرجت من المبادرة بكم كبير من المعلومات التي تجهلها عن المدينة التي تعيش فيها، ما يساعدها في التحدث لاحقًا بشكل عميق ومعلومات كافية حين تعود إلى أهلها وأصدقائها في الخارج. ما لفت انتباه الدالي خلال المبادرة، هو مشاهدتها لحجم التسامح بين الأديان، ووجود الكنائس بجانب المساجد، ما يدل على ارتباط هذا الشعب ببعضه البعض، مهما اختلفت الثقافات والديانات.

حققت مبادرة "بطوطة" نجاحًا مميزًا كونها بتمويل ذاتي من المشاركين، والتي امتدت لأسبوعين كاملين، بمعدل ست ساعات يومية من التجوال، بمشاركة فتيات وشبان، بعضهم مقيمين في الخارج، من أجل تأهيلهم ليكونوا سفراء غزة أينما ذهبوا، ويعرفوا العالم الخارجي بتاريخ غزة الحضاري.