بنفسج

من سيكون أنسولين حياتي؟

الإثنين 08 يونيو

بدأت تجربتي مع سكري الأطفال، مذ كان عمري 10 سنوات، حيث أصاب جهازي المناعي فايروس هاجم البنكرياس؛ مما أدى الى تدمير المنطقة التي تفرز الأنسولين. ومن وقتها إلى أن ياذن الله بإيجاد علاج نهائي للسكري، سأظل أتلقى العلاج من خلال الأنسولين خارجيا، عن طريق أبر الأنسولين الصغيرة تحت الجلد.

كانت مرحلة بداية مرضي صعبة بالنسبة لي ولأهلي، ولكن مع الزمن بدأت بتفهم وضعي. وأنا مؤمنة بأن الله لا يقدر للإنسان أمرا إلا كان خيرا له. وأقول أن السكري نعمة علي وليست نقمة؛ بإيماني ومساندة أهلي العظيمة، عدا عن تقبلهم للأمر ودعمي في كل شؤوني، دون الاكتراث بنظرة المجتمع للفتاة المصابة بهذا المرض، وسؤال إمكانية ارتباطها من عدمه.

 نعم، حان وقت التفكير بهذه الخطوة، ككل شاب وشابة في عمري، فكرة الارتباط وتأسيس عائلة، وغريزة الأبوة والأمومة تدفعنا لنبحث عن الشريك المناسب، لنستمر معه. وهنا، بدأت تحديات كثيرة تواجهني كمريضة سكري. السكري ليس مشروطا بجنس معين، بل يصاب به الذكر والأنثى، ولكن الفتيات المصابات بالسكري تحديدا يواجهن تحديات أصعب في مرحلة اختيار الشريك، وبالذات في مجتمعنا، والمجتمع الفلسطيني يقول: "الشب ما بعيبه إلا جيبته" أما الفتاة فيجب أن تكون أمّاً بكامل صفاتها.

أكبر تحد واجهته هو أنني يجب أن أرضى بمن يرضى بي! فكثيرا ما قالوا لي: "احمدي ربك إن حدا قبل يرتبط فيك". وأخرى تقول: "اعتذر، ما بقدر أزوج ابني ببنت مريضة". يأتي أشخاص يقولون لي: "ما تقولي أنه معك سكري وبكرا بس تحملي بتقولي صار سكري حمل!"

يااااه كم سمعت هذه العبارة، وكم وقفت عندها. فتاة أعرفها لم تخبر زوجها بأنها مريضة سكري وقام أهلها بتشجيعها على ذلك، وعندما علم زوجها بأنها لم تخبره، قام برفع دعوى طلاق عليها.  فتاة أخرى أعرفها، حينما حملت أخبرت زوجها أنها أصيبت بالسكري خلال فترة الحمل. ولكن طوال فترة عدم بوحها، كانت تعيش بخوف ورعب وقلق، وكانت تخبئ علبة الأنسولين في أغراض الخضرة في التلاجة لكي لا يراها أحد.

أنا شخصيا كفتاة مصابه بمرض السكري، أرغب بتأسيس حياة أسرية بطريقة صحيحة، أرغب بالزواج لأجل الاستقرار، لأجل أن أسند شريكي وأسنده في هذه الحياة. لذا أريد أن أختار شريكي الذي أراه مناسبا لي ومناسبا لعقلي، وروحي، وشخصيتي. وقبل ذلك، أن يكون أباً جيدا لأطفالي. ولا أشعر أنني مضطرة للموافقة على شخص يختلف عما أريده. فقط، لأنه وافق علي وأنا مريضة سكري، فسكري الأطفال سببه فيروسيّ وليس وراثيا، كما أنه لا يؤثر نهائيا على الزواج والإنجاب، ولا أتوقع بأن هناك فتاة تريد أن يكون لديها طفل يعاني مشاكل صحيّة بسببها.

 وهنا، أريد الحديث عن قصة صديقة لي، ولدت وهي مصابة بالسكري، والآن يبلغ عمرها ستة وعشرون عاما، حققت صديقتي أحلاماً كبيرة، درست وتخرجت وعملت. وعندما تقدم لها شاب للزواج، أخبره والدها بأن ابنته مصابة بالسكري، فلم يعترض الشاب، ولكن عندما علمت أمه اتصلت بالفتاة، وأخبرتها أنها لا تريد لابنها أن يتزوج من فتاة مريضة، وقالت: "شو رح يحكو الناس هو ابني ناقص ليتزوج وحدة معها سكري، ثم أخبرتها أن ترفض الزواج به من تلقاء نفسها لان ابنها يريد راغب في الارتباط بها".

ورسالتي الخاصة لكل فتاة مصابه بالسكري، بأنّ الحياة جميلة جدا وفيها الكثير. اختاري الشريك المناسب فأنت بذلك تختارين من يقف معك في مرضك، وفي عافيتك. ابنِ حياتك الأسرية على الصدق والصراحة، كوني صادقة مع شريكك، لا تصغ إلى من يدعونك للكذب.

منذ أن كان عمري ثمانية عشر عاما وحتى الآن، وأنا أواجه هذه الفئة من المجتمع، يقولون: علّمنا الرسول  صلى الله عليه وسلم: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك). ولكن عندما أكون صادقة معهم، وأخبرهم بالسكري، يذهب كلام الرسول سرابا أمام رأي المجتمع. فتيات كثيرات، يحققن إنجازات ضخمة، يدرسن ويتفوقن ويجتهدن، وعند مرحلة الارتباط يواجهن تحديات صعبة، وخصوصا في إيجاد الشريك الذي يقبلهنّ كما هنّ.

وقد ارتأيت أن أكتب تجربتي على منصة بنفسج، لكي أوصل رسالتي، وأسمع صوت هؤلاء الفتيات. رسالتي  للمجتمع كافة، وللشباب خاصة، حتى وإن كنّا مصابين بالسكري، هذا لا يعني بتاتا أننا غير مقبلين على الحياة، وأننا لا نستطيع تحقيق الإنجازات، فمرض السكري ليس وباء معديا، إنما هو تغيير على نمط الحياة الذي نعيشه.

ورسالتي الخاصة لكل فتاة مصابه بالسكري، بأنّ الحياة جميلة جدا وفيها الكثير. اختاري الشريك المناسب فأنت بذلك تختارين من يقف معك في مرضك، وفي عافيتك. ابنِ حياتك الأسرية على الصدق والصراحة، كوني صادقة مع شريكك، لا تصغ إلى من يدعونك للكذب. لا تسجني نفسك بسجن الزواج، لا تجعلي الحياة تقف عند محطة الزواج فقط.

 الزواج مرحلة مهمة في الحياة، ولكنه ليس غاية فيها، وإن لم تجدي الشريك المناسب، استمري في حياتك؛ أنجزي، واتركي بصمة وأثرا. كوني كالفراشة "لا تعيش سوى وقت قصير، ولكنا تترك أثرا جميلا في الطبيعة، كوني أنت كذلك، فالمجتمع بحاجة لهذا الأثر .