بنفسج

حماية الأطفال من "المشكلات العائلية": الاعتذار لهم أول الطريق

الخميس 27 ابريل

تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء
تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء

ابدأ حديثي مباشرة بالسؤال إذا كانت النزاعات العائلية حتمية فما تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء؟ وما هي حقيقة علاقة الآباء بالأبناء في تلك الحالات؟ سنتعرف على هذا خلال المقال التالي، ولكن دعوني أخبركم هذه الحكاية:  يصل السيد حسام إلى بيته بعد يومٍ طويل، متعبًا وجائعًا. يستلقي على الأريكة ويبدأ بتقليب قنوات التلفاز، بينما تكون زوجته السيدة هبة في المطبخ، منهمكة في تجهيز العشاء قبل اجتماع عليها حضوره في المساء.

تغضب هبة من زوجها الجالس باسترخاء بدل أن يقوم بمساعدتها، فتطلب منه أن يفعل شيئًا مفيدًا، ويأخذ ابنهم إلى تدريب كرة القدم، يقلب الزوج عينيه ويبقى ساكنًا. تتزايد حدة الكلام شيئًا فشيئًا حتى يبدأ الزوجان بالصراخ على بعضهما من طرفي الغرفة مخرجين كل الغضب الذي سبّبه يومٌ متعب. في هذه الأثناء يجلس طفلهم ذو الثمانية أعوام صامتًا على طاولة المطبخ مراقبًا مشاحنتهم.

يؤكد غالبية الناس أن الزواج ليس مليئًا بالرومانسية مثل الحكايات الخيالية التي اعتدنا عليها، فحالما تنشغل بالأطفال والعمل، لا بد لهذه المشاحنات أن تحدث بشكل أو بآخر. ولكن السؤال، 

تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء

تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء
 
من المرجح أن يكون لدى الأطفال الناشئين في المنازل التي تشهد نزاعًا كبيرًا مهارات شخصية ضعيفة، وقد تؤثر هذه المشاكل لاحقًا على علاقاتهم العاطفية في مرحلة المراهقة والبلوغ، حيث تؤدي النزاعات إلى تكوين تصورات سلبية عند الأطفال حول أنفسهم وعوالمهم الاجتماعية.
 
إضافة لاكتساب نظرة سوداوية وتمثيلات داخلية باهتة عن العلاقات الأسرية. وبالتالي، يمكن أن تؤدي علاقة الصراع بين الزوجين إلى إنتاج علاقات سلبية أخرى في الجيل اللاحق.

 

يقول بعض الباحثين، عن تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء، أن الأطفال يشعرون بالضيق عندما يتشاجر آباؤهم، منذ سن مبكرة جدًا، لا تزيد عن ستة أشهر، ويمكن أن تكون ردة فعلهم تعبر عن الخوف، والغضب، والقلق، والحزن. كما أنهم يصبحون أكثر عرضة لخطر الإصابة بالعديد من المشاكل الصحية، واضطراب النوم، وصعوبة التركيز والنجاح في المدرسة. وقد يظهر تأثرهم بهذه المشاكل في بعض التصرفات العدائية، أو قد يتحول إلى اكتئاب، أو قلق، أو انسحاب وانطواء.

بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يكون لدى الأطفال الناشئين في المنازل التي تشهد نزاعًا كبيرًا مهارات شخصية ضعيفة، وقد تؤثر هذه المشاكل لاحقًا على علاقاتهم العاطفية في مرحلة المراهقة والبلوغ، حيث تؤدي النزاعات إلى تكوين تصورات سلبية عند الأطفال حول أنفسهم وعوالمهم الاجتماعية، واكتساب نظرة سوداوية وتمثيلات داخلية باهتة عن العلاقات الأسرية. وبالتالي، يمكن أن تؤدي علاقة الصراع بين الزوجين إلى إنتاج علاقات سلبية أخرى في الجيل اللاحق.


اقرأ أيضًا: التشاركية الزواجية: أيمكن أن تكون ذراعي الثالثة؟


يضر الخلاف بين الوالدين بالأطفال بشكل جزئي بسبب التأثير غير المباشر، حيث يميل الآباء في العلاقات الأسرية كثيرة المشاكل والصراعات إلى سلوكيات سيئة، كالنقد والعدوان والتهديد والصراخ والضرب، ويمكن أن تؤدي هذه العلاقات أيضًا إلى عدم اهتمام الآباء بأبنائهم. في كلتا الحالتين، يفشل الأطفال في تكوين ارتباط آمن بالوالدين نتيجة لذلك.

ماهي نتائج تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء؟

تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء
تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء

لكن يبدو أيضًا أن صراع الوالدين يؤذي الأطفال بصرف النظر عن آثاره على الأبوة والأمومة. قدّم الباحثون مجموعة متنوعة من الأطر والآليات التي قد تفسر هذه العملية، فيمكن مثلًا أن يلقي الأطفال اللوم على أنفسهم، أثناء محاولتهم فهم علاقة الصراع بين والديهم وسببه. أو قد يلجؤون إلى طرق ضارة للتأقلم مع هذا الصراع. بالإضافة إلى هذه المشاعر السلبية، يعاني الأطفال من ردود فعل فسيولوجية مرتبطة بالتوتر، يمكن أن تضر نمو دماغهم.

لماذا يؤثر نزاع الوالدين على بعض الأطفال بشكل مختلف عن أطفال آخرين؟ هناك عدد كبير من المتغيرات التي تحدد تأثير النزاع: العمر، والجنس، ومزاج الطفل، واستراتيجيات التكيف لدى الطفل، وردة فعله الفسيولوجية للتوتر. كما أن خصائص الأسرة تلعب دورًا مهمًا أيضًا مثل: علاقات الأخوة، والتعلق بالوالدين، والصحة النفسية للوالدين، والضغط الاجتماعي والاقتصادي، كلها تؤثر على كيفية تفاعل الأطفال مع الصراع.


اقرأ أيضًا: ميثاقًا غليظًا: كيف يكون الزواج مودة ورحمة؟


بالرغم من أن الضغط الاجتماعي والاقتصادي له آثار سيئة على الصحة النفسية للوالدين، ويزيد من حدة النزاع، إلا أن الأطفال يظلون معرضين لتأثير النزاعات العائلية الشديد، بغض النظر عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية لوالديهم. علاوة على ذلك، يمكن أن تكون الجينات مهمة لفهم بعض جوانب الصراع وردود فعل الأطفال تجاهها مثل تشكيل طباع الأطفال، وصحتهم العقلية، وردة فعلهم الفسيولوجية للتوتر. لكن تشير بعض الدراسات إلى أن صراع الوالدين مرتبط بنتائج سلبية على الطفل حتى بالنسبة للأطفال الذين تم تبنيهم، والذين لا تربطهم صلة جينية بوالديهم.

 النزاع الإيجابي والسلبي

تأثير المشاكل الزوجية على الأبناء

حل النزاعات العائلية مهم للأطفال، سواء حدث ذلك بحضور الطفل أو بغيابه، إليك بعض النصائح لمساعدة الأطفال لبناء علاقات مستقبلية جيدة وأمان عاطفي: 

| تحكم بنفسك: كن/كوني واعيًا/واعية بمكان حدوث النزاع، وحاول/حاولي إمساك لسانك حتى تكون/تكونين في مكانٍ خاص.

| حل المشاكل: اختر/اختاري حل المشاكل والتسوية على العدوانية والانسحاب.

| حقق الحلول الوسطية: التزم/ي بتحقيق حلول التسوية التي تم الاتفاق عليها.

 

وهنا يأتي السؤال: هل يجب حماية الأطفال من النزاعات العائلية التي تحصل في العائلة؟ النزاع جانب طبيعي من تفاعل الإنسان مع محيطه. لكن هنالك النزاع الإيجابي والنزاع السلبي؛ أي نزاع بناء وآخر هدّامالنزاع الهدّام أو المدمر ينطوي على العدوان الجسدي واللفظي، ومماطلة وانسحاب، وعدائية وانعدام الحلول، فيكون نزاعًا سامًا لبيئة الأسرة. أما النزاع البنّاء، فيتضمن الاعتذار والتواصل المباشر لحل المشكلة، والبحث عن تسوية بين الطرفين، وتقديم حلول واضحة، فيؤثر تأثيرًا إيجابيًا على تطور الطفل.

يسعى الدكتور مارك كامينغز من جامعة نوتردام إلى فهم إمكانية تفريق الآباء بين أنواع الصراع، وتوضيح كيفية تفاعل الأطفال مع المشكلات بشكل بنّاء وكيف تدار علاقة الآباء بالأبناء، لنتيجة التربية السليمة. وكانت نتيجة الدراسات أن جميع النزاعات العائلية التي يشهدها الأطفال أو يشعرون بها، تحرض لديهم ردة فعل سلبية، لكن مستوى الحلول التي يتوصل إليها الآباء بخصوص المشكلة هو ما يخلق ردة الفعل النهائية لدى الطفل.

هذا يعني أنه عندما قام الآباء بحل المشاكل بطريقة بناءة، لم يطور الأطفال ردة فعل سلبية، بل إن الخلاف الزوجي البناء كان له تأثيرًا إيجابيًا على الأطفال، مثل زيادة الأمن العاطفي وتقليل العدوانية. كما وأظهرت دراسات مطولة آثارًا إيجابية طويلة المدى على هؤلاء الأطفال، كالاستقرار العاطفي، والسلوك الاجتماعي الإيجابي.

أظهر البحث أن الأطفال وإن كانوا صغارًا، بعمر 5 سنوات، يدركون طبيعة العلاقة بين والديهم، ويمكنهم ملاحظة ما إذا ما تم حل النزاع حتى لو كانوا غائبين حينذاك.

إضافةً لذلك، وجدت الدراسات فرقًا بين ما يراه الآباء والأطفال "سلبيًا". إذ اعتبر العديد من الآباء رد الفعل الاستسلامي وخضوع طرف لآخر حلًا فعالًا، مثل الحلول الأخرى، كالتوصل إلى تفاهم بين الطرفين، بينما أن الأطفال لا يستفيدون من المشكلة إلا عندما يتم حل النزاع بصدق وجدية.


اقرأ أيضًا: هل تُدفن الأمهات؟ آراء وحلول


لذلك، فإن حل النزاعات العائلية مهم للأطفال، سواء حدث ذلك بحضور الطفل أو بغيابه، حيث أظهر البحث أن الأطفال وإن كانوا صغارًا، بعمر 5 سنوات، يدركون طبيعة العلاقة بين والديهم، ويمكنهم ملاحظة ما إذا ما تم حل النزاع حتى لو كانوا غائبين حينذاك. لا يوجد عائلة مثالية، والقدرة على حل المشاكل بشكلٍ كامل ليس سهلًا كما يبدو. ومع ذلك، إليك بعض النصائح لمساعدة الأطفال لبناء علاقات مستقبلية جيدة وأمان عاطفي:

| تحكم بنفسك: كن/كوني واعيًا/واعية بمكان حدوث النزاع، وحاول/حاولي إمساك لسانك حتى تكون/تكونين في مكانٍ خاص وتستطيع/تستطيعين التحكم بكلمات.

| حل المشاكل: اختر/اختاري حل المشاكل والتسوية على العدوانية والانسحاب.

| اعتذر بصدق: احرص/ي أن يكون اعتذارك صادقًا.

| حقق الحلول الوسطية: التزم/ي بتحقيق حلول التسوية التي تم الاتفاق عليها.

| تذكر الأطفال: تذكر/ي أهمية التمييز بين النزاعات البناءة والهدامة، وكيف يحتاج الأطفال إلى رؤية الحل ليستفيدوا من هذه المشاكل العائلية.

إن إدراك تأثير المشاكل الزوجية على الأطفال، والنزاعات العائلية، للوالدين، وإدراكة حقيقة علاقة الآباء بالأبناء للخروج بعلاقة سوية وتربية سليمة، لهو الخطوة الأولى لمحاولة حصرها وعلاجها للحفاظ على العلاقات الأسرية الصحية، كما ينبغي أن تكون، ولضمان توقف استمرارها وتفاقمها مع الوقت.