بنفسج

تجاوز منطقة الراحة... لماذا تخاف النساء من التجربة؟

الأحد 25 أكتوبر

لكل امرأة فينا بوصلتها المتمثلة في مساحتها الداخلية الناظمة لكل سلوكياتها وأفكارها عن الحياة، ومرد هذه البوصلة في مجتمعنا الفلسطينيّ إلى النمط الناظم للحياة الاجتماعية من عادات وتقاليد وتجارب النساء المقربات منّا، وأيّ محاولة لخروج المرأة عن مساحتها لأي سبب كان، تجعلها في مواجهة مع ذاتها التي اعتادت الأمان والراحة، ومع المحيط الذي اعتاد أيضًا نمطًا ثابتًا في السلوكيات وأنماط الحياة.

يشكّل الخوف أو الفشل من المجهول جزءًا كبيرًا من تكوين ذواتنا، كما ويعد أحد أهم الأسباب التي تمنع النساء من التعبير الحر عن ذواتهم لفظيًا أو حتى سلوكيًا، ففي إحدى الجلسات التي تطرقت إلى تجارب النساء مع السفر وقيم التعلم المكتسبة من خلاله لدى كل منهنّ، أشارت إحداهن إلى رغبتها الملحة في خوض هذه التجربة؛ غير أن خوفها من السفر لوحدها كونها أنثى بالمقام الأول.

كما أن عدم تقبل مجتمعها المحيط لفكرة سفر البنت للخارج من دون محرم بالأساس، جعلها تعدل عن الخطوة وتبقيها حبيسة ذهنها. أكدَت على فكرتها فتاة أخرى كانت قد رأت في وهلة التجربة الأولى سببًا كافيًا للعدول عن الفكرة، إلا إذا قررت اصطحاب أخيها أو حد محارمها معها، والغريب في الأمر بالنسبة لي كان رأي الأخيرة لكونها معروفة بأنها هاوية وممارسة للسفر، فأين أثر التجربة فيها!

المهم هنا، أن صوتًا ثالثًا كان قد قطع الأصوات السابقة، لتشير من خلاله فتاة في أواخر العشرينيات من عمرها بأنّ الخوف من التجربة بحد ذاته هو ما يجعلنا حبيسات أفكارنا، عاجزات حتى عن إدراك مكامن القوة فينا، وأضافت بأنّ تجربتها الأولى في السفر لوحدها كانت لدولة أوروبية، بهدف حضور ورشة عمل في إحدى الجامعات هناك، لم يكن ذلك بالسهل عليها لأنها أيضا ابنة المجتمع الذي يرى في المرأة ضلعًا قاصرًا لا يكمله سوى الرجل، تحدثت عن العديد من المصاعب التي واجهتها ابتداء من التفشتيش المتكرر الذي تعرضت له في المطار بسبب لباسها.

وعن الخلل الذي أصاب حقبة السفر الخاصة بها، ضياعها في محطات الباصات الحكومية لحين استقلالها سيارة خاصة للوصول إلى الفندق المخصص لها، اندهاشها من اقتياد امرأة لتلك السيارة، قضاءها  لأكثر من نصف يوم في أحد المستشفيات الحكومية بسبب إلتهابٍ أصاب قدمها، واستخدامها للعكازات طوال فترة الرحلة ... وصولًا الى سرقة محفظتها  أثناء التجول في المدينة، وأنهت حديثها بأن كُلَ ما سبق وأكثر، ساعدها على إدراك مكامن القوة فيها، كما وحررها من ذاتها ومخاوفها.

الخروج عن البوصلة الذاتية لدى كل منّا لا يعني أبدًا ضرب كل الرواسخ بالحائط، أي الانفلات منها كليًا؛ إنما هي مساحة للتعلم والاكتشاف، التعلم الذي يحتاجنا كفاعلين وليس مفعولًا بهم، كنساء متهيئات عقلا كلما حاصرتنا الأسئلة وقلبًا كلما آلمتنا التجارب.

تختلف مكونات البوصلة أو المساحة الخاصة لدىّ كل منا كما تختلف طرق الخروج عنها، فهناك من حدثتني مرة تفكيرها مرارًا قبيل تركها لوظيفتها المستقرة والثابتة بهدف السعي وراء شغفها في العمل المجتمعي، وهو ما جعلها محط لوم الكثيرين، وخصوصًا أقاربها الذين رأوا في ذلك تمردًا على الصورة المعتادة لعمل المرأة، فهي في نهايةالمطاف ولكي تكون زوجة وأم مثالية عليها أن تكون محدودة بساعات عمل معينة.

الحديث عن تجارب النساء في محاولة الخروج عن مساحة الأمان المحددة لهنّ لا يلغي أبدًا امتلاك الرجال لبوصلة-مساحة أمان- خاصة بهم أيضًا، مردها إلى ذات المكونات، ربما، من المجتمع والتقاليد والصور النمطية، وتجاربهم في الخروج عنها، غير أنّهم أكثر قدرة على الخروج عنها، وذلك على عكس النساء اللواتي تبقى عادة فكرة الخروج عن المألوف حبيسة أفكارهن، وإن حدث ذلك، تكون مرهونة بقدرتهن على المواجهة.

ما أريده في نصي هذا هو الإشارة إلى أن الخروج عن البوصلة الذاتية لدى كل منّا لا يعني أبدًا ضرب كل الرواسخ بالحائط، أي الانفلات منها كليًا؛ إنما هي مساحة للتعلم والاكتشاف، التعلم الذي يحتاجنا كفاعلين وليس مفعولًا بهم، كنساء متهيئات عقلا كلما حاصرتنا الأسئلة وقلبًا كلما آلمتنا التجارب.