بنفسج

"بنت وبتلعب كاراتيه؟": ضحى بشارات وإرث الفنون القتالية

الثلاثاء 03 نوفمبر

ليلة المباراة، تتجهز وكأنه صباح العيد لطفل لم يبلغ السابعة بعد، الملابس جاهزة، والحذاء أيضًا، وكل شيء على أتم الجهوزية. في طريقها للمباراة تبدأ ضربات قلبها بالضجيج من فرط حماسها، تهدئ من روعها بالاستماع إلى موسيقاها المفضلة، وتسرح بخيالها نحو لحظة النصر والنجاح. على أرض الملعب الممتلئ بالمشجعين، أخوها ومدربها خليل يقفان في زاوية، يعدلان لها هندامها ويشدان حزامها الملون، ويهمس مدربها في أذنها: "ضحى بدي أشوفك وحشة على البساط".

ضحى بشارات لاعبة كاراتيه فلسطينية منذ صغرها، حين كان أقرانها يحفظون أغاني الكرتون الشهيرة، كانت هي مشغولة بفهم مصطلحات الكاراتيه، والتمييز بين ألوان الأحزمة، تتناقش مع أخوتها الكبار في كل ما يخص رياضتها المفضلة، تلعب الكاراتيه منذ ثمانية عشر عامًا، وكلما تكبر عامًا تتعلق بها أكثر، حتى أصبحت من طفلة بضفيرة، إلى شابة ترتدي حجابًا ورديًا، وتقاتل على أرض الملعب لتنال الميدالية الذهبية.

| "شو بنت وبتلعبي كاراتيه"

10.png
لاعبة الكاراتيه ضحى بشارات أثناء ممارستها للكاراتيه

لم تأبه لنظرات الاستغراب، وضربت بعرض الحائط حديث كل من قال لها في بداياتها، "شو بنت وبتلعب كاراتيه". تقول ضحى: "قبل سنوات كنت أرى الدهشة في عيون من عرف أنني لاعبة كاراتيه، ولكن فيما بعد، أصبح الأمر عاديًا ولا يثير الدهشة وتغيرت النظرة المجتمعية، أما أنا، فكنت أرى نفسي مميزة عن باقي الفتيات بممارستي للهواية التي أحب".

وتضيف: "أنا أعيش وسط عائلة رياضية، وعلى رأسها والدي رحمة الله عليه، وأخي أمين الذي أخذ كل العائلة للكاراتيه. أول بطولة شاركت فيها كانت بتنظيم من الاتحاد الفلسطيني للكاراتيه، وكنت طفلة عمر الثالثة عشر، وكان معي الحزام الأسود، وحصلت فيها على المركز الأول، وكان أول انتصاراتي".

يتفق الأخوة في طقوسهم العائلية حين المشاركة في أي بطولة؛ يقلبون البيت رأسًا على عقب، حملة لغسل الزي الرياضي وكيه جيدًا، تكمل ضحى: "يوم البطولة نستيقظ مبكرًا، ونجهز أغراضنا ونأخذ الدعوات من والدينا، وننطلق في طريقنا. تعترضنا مشكلة وجود حواجز الاحتلال التي كانت تنغص علينا حياتنا، ولكن لم يكن يهمنا، كل ما يهمنا الوصول لساحة البطولة، وحين أصل البساط وأبدأ باللعب يعتريني الهدوء، وأحاول أن أقدم أفضل ما عندي لأنني أطمح للمدالية الذهبية فقط".

ضحى.jpg
لاعبة الكارايته ضحى بشارات وأشقائها وفي نفس الوقت مدربيها

المسابقات والبطولات التي شاركت بها عديدة. وتختلف المسابقات الدولية عن المحلية بالنسبة لضحى؛ البطولة الدولية تحملها عبئًا أكبر، أن تلعب وتمثل اسم وطنك فلسطين، يعني أنك ستجتهد وتقدم أفضل ما عندك، لأن النظرات تكون عليك، ينتظرون أن يفخروا بك، فشعور الفخر لا يضاهيه أي شعور. تقول: "أجمل البطولات التي شاركت فيها كانت بطولة العرب حين تأهلت للنهائي في الكاتا الفردي مع لاعبة مصرية، وقتها كنت أول فلسطينية تلعب على النهائي في هذه البطولة، حصلت على المركز الثاني، لكني لم أنس الفرحة ونظرات الفخر التي كانت في عيون أخي أمين لي وأنا على أرض الملعب".

أكثر شيء كان يضايقها حين يقولون لها " كيف بتلعبي كاراتيه مهي للشباب وبتخليكي رجولية"، لكن كلما تقدم الزمن اختلفت العقليات القديمة للأهالي، وأصبح شيئًا عاديًا لحد ما عند الغالبية، وهناك أعداد كبيرة من الفتيات يلتحقن بالنوادي الرياضية في السنوات الأخيرة لتعلم فنون القتال، وبتشجيع من العائلة.

| من اللعب إلى التدريب

9.png
لاعبة الكاراتيه ضجة بشارات أثناء تسلمها لميداليات في مسابقات محلية ودولية

الإصابات في جولات الكاراتيه طبيعية وواردة، لم تسلم ضحى من إصابة في وجهها، تعرضت في كثير من المرات للكدمات الخفيفة، أما عن الإصابة الأصعب فلم تكن في الملاعب بل كانت وهي تشاكس في منزلها، فتعرضت لقطع في الرباط الصليبي، ولم تجر عمليتها حتى اللحظة، ومع إصابتها لم تتوقف عن اللعب وما زالت موجودة وبقوة.

ترى ضحى أنها كفتاة فلسطينية تعيش في دولة محتلة، من الضروري أن تعرف أسس الدفاع عن النفس في حال تعرضت لشيء ما واضطرت لاستخدام مهاراتها القتالية. تكمل بضحكة رقيقة: "لم استخدم قواي على أحد بعد، وأتمنى أن لا استخدمها، فمن يعرفني يعرف أنني لاعبة كاراتيه، يعني كما يقول المثل بلعبوش مع القط بلاش يتخرمشوا".

أن تنتقل من لاعب إلى مدرب يحتاج إلى جهد أكبر، الطفلة التي كانت بعمر الثالثة عشر حين بدأت وشربت حب هذه اللعبة مع كأس الحليب الصباحي، أصبحت مدربة تريد أن تُنشأ جيلًا محبًا منتميًا بقوة لرياضة الكاراتيه.

ماذا منحتك لعبة الكاراتيه كفتاة؟ تجيب ضحى: "أهم شيء أعطتني إياه الكاراتيه الثقة بنفس بدرجة كبيرة جدًا، وقوة الشخصية، وردة الفعل السريعة واتخاذ القرار بشكل مفاجئ، وأيضًا علمتني أن أراعي ظروف غيري".

أن تنتقل من لاعب إلى مدرب يحتاج إلى جهد أكبر، الطفلة التي كانت بعمر الثالثة عشر حين بدأت وشربت حب هذه اللعبة مع كأس الحليب الصباحي، أصبحت مدربة تريد أن تُنشأ جيلًا محبًا منتميًا بقوة لرياضة الكاراتيه، تسأل طلابها في أول لقاء لها معهم، ما هدفكم من الكاراتيه، وما حلمكم، هل تريدون أن تشاركوا في بطولات دولية، أم تلعبونها بغاية الدفاع عن النفس فقط، تخبرهم أن من يريد أن يصل لحلمه سيتعب كثيرًا، وحين يصل سيشعر بلذة النجاح، لذلك يجب أن تُعاش كل لحظة بلحظتها".

7.png
ضحى بشارات في الملاعب

"دربت العديد من الفتيات، كل منهن لها هدف معين، ويوجد عدد كبير بدأن في عمر كبير، العمر لا يهم في هذه الرياضة الأهم أن تحبها وتحبك، أذكر فتاة كانت طالبة طب، وبالرغم من انشغالها الشديد بالدراسة إلا أنها جاءت ومارست الكاراتيه وأتقنته ووصلت إلى الحزام البرتقالي، ببساطة لا شيء مستحيل من يريد سيفعل"، تقول ضحى.

أما عن المعيق الذي يواجه الرياضات في فلسطين بشكل عام فهو نقص المعسكرات الخارجية للاعبين، والمشاركات أيضًا، إضافة إلى ضعف الدعم المادي، وفي كثير من الأحيان يضطر بعض اللاعبين السفر على حسابهم الشخصي لتمثيل فلسطين في البطولات الدولية.

ضحى صعدت سلم الحياة خطوة خطوة، بدأت كلاعبة طفلة، ثم تدرجت حتى أصبحت مدربة لها حضورها وسط طلابها، وتطمح إلى أن تصبح مدربة دولية لها بصمتها، ثم ستحول مسارها إلى التحكيم وتصبح حكمًا دوليًا.

سندها وخط الدفاع الأول عنها هم أخوتها، تقول: "مدربي أخي الكبير أمين يدربني الكاتا، وهو حكم دولي، أما أخي خليل فهو مدرب المنتخب الوطني، ويدربني على القتال والإعداد البدني. هم أول المهنئين لي بعد كل جولة، ولا أنسى والدي الذي كان فخورًا بنا جميعًا ويغمرنا بدعواته".

ضحى صعدت سلم الحياة خطوة خطوة، بدأت كلاعبة طفلة، ثم تدرجت حتى أصبحت مدربة لها حضورها وسط طلابها، وتطمح إلى أن تصبح مدربة دولية لها بصمتها، ثم ستحول مسارها إلى التحكيم وتصبح حكمًا دوليًا.