بنفسج

لسن بعجاف: سبع سنوات في صحبة لغة الضاد

السبت 20 فبراير

يقول فرانك سميت: "لغة واحدة تحدد لك ممرًا في الحياة، أما لغتين؛ فتفتحان لك بابًا على طول الطريق، هو طريق أسير فيه منذ سبع سنوات تحت ضوء التاريخ الذي يمتد من خيال الحكايات الشرقية إلى بلاغة سطور الشعراء، متخطية بذلك جسرًا بين الماضي والحاضر، نقلني فوق بحور الشعر ورصانة الخطابة وبلاغة النثر، جعلني ألتقي بروح نجيب محفوظ، وأعايش ولَه قيس وليلى، وأبكي مع الخنساء تندب صخرًا.

كل شيء أصبح له طعم آخر، فنجان القهوة أصبح مميزًا، فقد أدمن سماع فيروز. أما حقيبتي، فلا تستطيع فراق روايات الطيب صالح في موسم هجرته للشمال. رفوف المكتبة الصغيرة في زاوية المنزل تفتح ذراعيها لكتب النحو والصرف، والتي صرفتني عن كثير من كل شيء يعكر صفو مزاجي. أتبادل أطراف الحديث كثيرًا مع المعاجم الصحاح، أو الوسيط، وأحيانا لسان العرب.

هل وقعت حقًا في عشق جميل لبثينة، أم في فروسية عنترة، أصبحت لا أستطيع النوم، أريد أن أعرف (لماذا لم يدقوا الخزان؟). أنا حائرة في بستان لا تنتهي وروده، من أي زهرة أشتم، تحت ظل أي شجرة أجلس، من أي جهة أستنشق ذلك النسيم العليل.
معان لا تنتهي، جمال لا يوصف، هكذا أستطيع أن أقول عن الجزء البسيط الذي استطعت أن أتعرف عليه خلال رحلتي المستمرة في تعلم اللغة العربية.

"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"، هي الرغبة التي أخذتني إلى طريق طويل وممر لا نهاية له، نعم، كل شخص لديه من هذه الدنيا نصيب، هكذا قالت لي النجوم عندما حدثتني عن قرب في قرية ما في أفريقيا زرتها. عندما زرت هذه القرية، سبحان الله العظيم، تترائى لك النجوم كبيرة ساطعة أكثر من أي مكان آخر، كانت ليلة بين النجوم، كل شيء جميل وهادئ، أكاد أجزم أن شعرًا تنزل في تلك الليلة على أحدهم بالجوار.

سنواتي التي قضيتها مع اللغة العربية، راكمت عندي بعض الخبرة في كيفيه تعلم اللغات، لا شك أن التطور التكنولوجي الذي نعاصره اليوم، والمتسارع بشكل كبير، وفرّ كثيرًا من التطبيقات المختلفة والتقنيات المتنوعة في تعلم اللغات، والتي ساهمت بشكل كبير في تذليل الكثير من العقبات النمطية في تعلم اللغة؛ دعونا نضع السرعة جانبًا، إن أفضل شيء لتعلمك اللغة هو إدارة الوقت، والدراسة المنظمة المبنية على منهجية واضحة متدرجة، وقت طويل في تعلم اللغة مع إدارة الوقت هو مفتاح النجاح.

مواجهة الأخطاء التي نرتكبها أثناء تعلمنا للغة، الأخطاء التي نقع فيها هي التي تقوي بشكل أساسي، رغبتنا في مواصلة سيرنا في درب طلب العلم إذا لم نستسلم طبعًا، إذ كانت مشكلتي الأساسية هروبي من أخطائي وعدم مواجهتها، الهروب قد يدفعك إلى الأمام، ولكنه لن يحل المشكلة.

ونقطة أخرى أود الإشارة إليها، وهي مواجهة الأخطاء التي نرتكبها أثناء تعلمنا للغة، الأخطاء التي نقع فيها هي التي تقوي بشكل أساسي، رغبتنا في مواصلة سيرنا في درب طلب العلم إذا لم نستسلم طبعًا، إذ كانت مشكلتي الأساسية هروبي من أخطائي وعدم مواجهتها، الهروب قد يدفعك إلى الأمام، ولكنه لن يحل المشكلة، وربما تتراكم فيما بعد. أخطاؤنا التي كنا نرتكبها في بداية تعلمنا اللغة، ستصبح مثل النكات التي نستحضرها تدفعنا محملة بالأمل إلى الأمام، وتزيل لنا عقبات أكبر يمكن أن نقع فيها، ستصبح مقياس لمدى تقدمنا في حلبة السباق الساعين فيه للفوز بتلك الكنوز المترامية في قصور اللغة العربية. وتذكّر: لا ينجح من لا يخطئ.

ستجدون أنفسكم في هجرة روحية بين ثقافات مختلفة هي أكبر من كونها تجربة تعليمية بسيطة. اصنع تجربة قوية في خطواتك الأولى، بالتأكيد، ستحصد نتائج أكبر في النهاية. اللغة مثل البناء؛ تترابط أجزاؤه الصغيرة منها والكبيرة، ليشكّل ذلك المنظر المهيب الذي تراه، كل جزء صغير يشكّل ممرًا ينقلك إلى خبايا جمال اللغة، وكلما زادت اللغة جمالًا زادت تفاصيلها، لذلك قد يتسلل إليك الملل أحيانًا وأنت تتعلم كيف تنتقل بين كل تلك التفاصيل، اللغة العربية لغة متينة ومليئة بالتفاصيل، لا داعي للقلق إذا اصابك بعض الملل وأنت تتعلمها.

إذًا، ماذا يجب أن نفعل إذا شعرنا ببعض الملل؟ يجب أن نعتبر اللغة مثل الإنسان، نبادلها مشاعر حبنا ورغبتنا، باكتشافها فهمها وحفظها، إن أحببناها ستصبح تلك التعقديات شغف، ودافع لاكتشاف ما وراءها من تفاصيل الجمال. أحببت اللغة العربية، مثل مدينة في الشرق الأوسط، كانت بعض شوارعها ضيقة، وبعضها واسع للغاية، أجول في أزقتها وحاراتها، ولكني آمنت أنه لا يوجد نهاية لها. أحببت هذا الضياع، علمني أنني في كل مرة أتوه، أقترب أكثر من العنوان المنشود،لذلك نصيحتي لكم؛ لا تخافوا من الضياع.