بنفسج

"لا تحزني وليطمئنَّ قلبكِ": ما يجوزُ للحائضِ من عبادات

الأربعاء 08 مارس

ما يجوز للحائض من عبادات
ما يجوز للحائض من عبادات

كثيراتٌ من تحزنُ قلوبهن، ويبتئسن لابتعادهن عن الصلاة وعبادة الله في أيام الحيض، وما يشابهها من أيام تحول بينهنّ وبين تقربهنّ لله تعالى، وهن لا يعلمن ما يجوز للحائض من عبادات، لكنه أمر الله الذي كتبه على بنات آدم جميعًا كما أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - السيدة عائشة، يوم أصابها الحيض وهي في الحج: (دخل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بِسَرِفَ وأنا أبكي، فقال: (ما لك أنَفِسْتِ).

قلت: نعم، قال: (هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم) رواه البخاري وغيره. وكثيرات من يتساءلن: هل يجوز قراءة القرآن وأنت حائض، وما هو حكم قراءة القرآن للمرأة الحائض؟ وما يجوز للحائض من عبادات بشكل عام؟

 أجاز الله سبحانه وتعالى للمرأة الحائض الذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، فلا حرج عليها فعل ذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لما حاضت وهي محرمة بالحج في حجة الوداع: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري). رواه البخاري ومسلم. ومن المعلوم أن الحاج يقوم بكثير من الأذكار مثل؛ التلبية، والذكر، والدعاء في عرفة، والذكر في أيام منى، والدعاء بعد رمي الجمار، والذكر والدعاء في المشعر الحرام.

 "الحيض" ليس إجازة مرضية

ما يجوز للحائض من عبادات
هناك من النساء، إذا أصابهن الحيض، يغفلن كليًا عن ذكر الله وعبادته، فينشغلن بأمور أخرى، ويلتهين عن عبادته تعالى، ممّا يفضي بهن بعد الطهر من الحيض إصابتهن بالفتور، فيتقاعسن ويبتعدن عن بعض العبادات التي كُنّ يمارسنها قبل الحيض.
 
على كلّ واحدة منّا أن تعلم أن فترة الحيض ليست بإجازة مرضية- وإن كانت بعض النساء تصب بآلام شديدة في أول أيام الحيض- تصرفها عن العبادات، فتلازم الفراش، البعض الآخر يُصاب بضيق نفسي.
 
ولكن علينا أن نعي أن هذه أيام نُمتحنُ فيها نحن النّساء، وتحتاجُ منَّا مجاهدة للنّفس حتّى لا نستسلِم للشيطان، ونتقرّب من الله عزّ وجل.

لكن هناك من النساء، إذا أصابهن الحيض، يغفلن كليًا عن ذكر الله وعبادته، فينشغلن بأمور أخرى، ويلتهين عن عبادته تعالى، ممّا يفضي بهن بعد الطهر من الحيض إصابتهن بالفتور، فيتقاعسن ويبتعدن عن بعض العبادات التي كُنّ يمارسنها قبل الحيض، فيتمكن منهنّ الفتور لمدة ليست بقليلة حتى يسترجعن همتهن، ويعدن لممارسة تلك العبادات.

لذلك، على كلّ واحدة منّا أن تعلم أن فترة الحيض ليست بإجازة مرضية-وإن كانت بعض النساء تصب بآلام شديدة في أول أيام الحيض- تصرفها عن العبادات، فتلازم الفراش، البعض الآخر يُصاب بضيق نفسي، ولكن علينا أن نعي أن هذه أيام نُمتحنُ فيها نحن النّساء، وتحتاجُ منَّا مجاهدة للنّفس حتّى لا نستسلِم للشيطان، ونتقرّب من الله عزّ وجل، وهناك عبادات يمكننا ممارستها بشكلٍ طبيعي، بحيث نبقى قريبات من الله عزّ وجل حتى لا يصيبنا الفتور.


اقرأ أيضًا: لسن جوارٍ فحسب: عن مجالس علم أدارتها النساء


فلنا أن نذكر الله صباحًا ومساءً، نسبّح بحمده، ونستغفر له، ومن هدي نساء المسلمين أن يتوضآن عند كلّ صلاة، ويذكُرن الله، ويستقبلن القبلة، ويتوجهن له بالدعاء بين الأذان والإقامة، وكذا قراءة القرآن وحفظه، ومن كانت تقيم الليل لها أن تبقى على ذلك، فليس الأمر مقتصرًا على الصلاة فحسب، بل يشرَّع الدعاء والاستغفار والذكر.

 كما قال - صلى الله عليه وسلم-: "ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: "من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له". رواه البخاري ومسلم.ومن خلال قوله -صلى الله عليه وسلم- نجد أن لا حرج علينا نحن النساء أن نقوم الثلث الأخير من الليل، ندعو الله ونذكره، ونسبّح بحمده.

 رأي المذاهب الفقهية: حكم قراءة القرآن للمرأة الحائض

ما يجوز للحائض من عبادات
أجاز المذهب المالكي للحائض بأن تقرأ القرآن وتتدبّر في آياته، روي عن مالك: "للحائض القراءة دون الجنب لأن أيامها تطول، فإن منعناها من القراءة نسيت". وقال شيخ الإسلام، ابن تيمية (مجموع الفتاوى ج21 ص410): "لا يجوز للجنب قراءة القرآن ويجوز للحائض، إما مطلقًا أو إن خافت النسيان". وهو مذهب مالك، وقول في مذهب أحمد وغيره.
 
بينما نصَّ جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة على تحريم القرآن باللسان وجوزاه بالقلب أو العين: “أنه لا يجوز للمرأة الحائض قراءة -باللسان، وليس بالقلب أو العين- شيء من القرآن الكريم. وأجازات المذاهب الأربعة قراءة المرأة لوردها القرآني كسورة الملك وآية الكرسي وسورة الإخلاص والفلق والناس.

                                                                                                                            

أما فيما يتعلق بالقضية الأكثر إثارة للجدل في هذا الموضوع، وهي قراءة الحائض للقرآن الكريم، فـ هل يجوز للحائض قراءة القرآن؟ والتي تكثر فيها الأقوال والخلافات، واختلفت عليها مذاهبنا الفقهية الأربع، فلابد من التنويه أنّ هذه الإشكالية تتجزأ إلى عدة مستويات فقهيه هي محط اختلاف أيضا، تحكمها أسئلة عديدة أهمها، هل التحريم في قراءة الحائض للقرآن؟ وهل التحريم يشمل القراءة باللسان والعين؟ أم باللسان فقط؟ أم في مس المصحف؟ وهل يجوز لها مسه بشكل مباشر؟ أو غير مباشر بما يُعرف فقهيا بالحائل؟ أي مسه وضعه بقطعة قماش أو لبس القفازات مثلا؟ وإن كان المس محرما فهل يجوز القراءة للمرأة الحائض بالعين مثلًا؟ أو بالأجهزة الذكية المنتشرة هذه الأيام؟

بداية، لا بد من التأكيد على أن قراءة القرآن بشكل عام – سواء باللسان أو العين- للحائض لم يثبت أي شيء في منعها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فمعلوم أن النساء كن يحضن في عصر النبوة، ولم ينهين عن قراءة القرآن، فعُلم أن الحائض يرخص لها ما لا يرخص للجنب، "فما منعنا الله عن ذكره والتوجه له، إنما مُنِعنا من الصلاة، والصيام، ومسّ المصحف دون حائل، والطواف بالبيت، ودخول المساجد فحسب".

أما فيما يتعلق بالمذاهب الفقهية، فقد أجاز المذهب المالكي للحائض بأن تقرأ القرآن وتتدبّر في آياته، روي عن مالك: "للحائض القراءة دون الجنب لأن أيامها تطول، فإن منعناها من القراءة نسيت". وقال شيخ الإسلام، ابن تيمية (مجموع الفتاوى ج 21 ص410): "لا يجوز للجنب قراءة القرآن ويجوز للحائض، إما مطلقًا أو إن خافت النسيان". وهو مذهب مالك، وقول في مذهب أحمد وغيره.

بينما نصَّ جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة على تحريم القرآن باللسان وجوزاه بالقلب أو العين: “أنه لا يجوز للمرأة الحائض قراءة -باللسان، وليس بالقلب أو العين- شيء من القرآن الكريم. وأجازات المذاهب الأربعة قراءة المرأة لوردها القرآني كسورة الملك وآية الكرسي وسورة الإخلاص والفلق والناس، أو دعاء {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أو {بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ} فقط أو غيرها: فقد نصَّ فقهاء الشافعيَّة على أنه إذا قرأت الحائض أو النفساء أو الجُنُبُ شيئًا من القرآن الكريم بنيَّة الذِّكر والوِرد اليومي فلا حرج فيه، وإلا حَرُم. انتهى ملخَّصًا من حاشية العلَّامة البيجوري عل شرح ابن قاسم (1/114.) وحاشية الجرهزي على المنهج القويم ص (164-165).


اقرأ أيضًا: للصحابيات صوت يُسمع: كيف ولماذا جادلت النساء؟


أما فيما يتعلق بقضية مس المصحف، بحائل أم بغير حائل، فقد أجائز المالكية مس المصحف للمعلمة أو المتعلمة فقط، وحرموه لغير ذلك.” انتهى باختصار من الموسوعة الفقهية الكويتية (18/321_ 322). فالشافعيَّة يقولون بالتحريم مطلقًا ولو كان بحائل، بينما أجاز المالكية للحائض مس المصحف بحائل لمن كانت غايتها الدراسة أو أن تكون معلمة قرآن فقط.

 والصحيح عند الحنابلة جواز مسِّ المصحف للمُحْدِثِ بحائل مما لا يتبعه في البيع ككيس وكُمٍّ؛ لأن النهي إنما ورد عن مسِّه، ومع الحائل إنما يكون المسُّ للحائل دون المصحف، ومثله ما عند الحنفيَّة؛ حيث فرقوا بين الحائل المنفصل والمتصل، فقالوا: يَحْرُمُ مسُّ المصحف للمُحْدِثِ إلا بغلاف متجافٍ -أي غير مخيط- أو بصُرَّة. والمراد بالغلاف ما كان منفصلًا كالخريطة ونحوها؛ لأن المتصل بالمصحف منه.

وجب علينا ألا نحزن في مثل هذه الفترات، وأن نواظب على عبادتنا لله تعالى، وكذا لا نجعل مرضنا هذا حجة للابتعاد والتغافل عن ذكره حتى لا يصيبنا الفتور بعدها.

ومن كانت تحزن وتبتئس ظنًا منها أن عدم قدرتها على عبادة الله، كما كانت تفعل قبل الحيض، يحرمها من جنيِ الحسنات، فليطمئن قلبها، فعن أبي موسى - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"، رواه البخاري.

ومضمون الحديث ومعناه ﺃﻥ الإﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﺗﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻼً ﺻﺎﻟﺤًﺎ، ﺛﻢ ﻣﺮﺽ، ﻓلم ﻳﻘدﺭ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳكتب ﻟﻪ الأﺟﺮ ﻛﺎﻣﻼً، ﻭفي هذه الحالة يعتبر الحيض والنفاس حالتان تحولان بين المرأة وأدائها لما كانت تقوم به من عبادات وهي سليمة، ومن كرم الله تعالى أن جعل للمريض أجرًا مثلما كان يعمل وهو بصحته وعافيته.


اقرأ أيضًا: في سير وتراجم النساء: بعض ما أوردته حضارتنا "1"


فما تمر به المرأة في فترة الحيض من آلام ومشقة وتقلبات نفسية وهذا ما سُمي عند الأطباء بمتلازمة ما قبل الحيض "بي أم سي"، لما لها من أعراض عدة تشبه أعراض الحمل، وهذا عائد لما تحدثه من نفس التقلبات الهرمونية التي تحدث فترة الحمل لكنها أقل شدة، وهذا يسبب في أغلب الأحيان خلافات بين الزوجين في هذه الفترة بالذات بسبب حالة النساء النفسية من عصبية وإحباط وإرهاق، وكذلك نوبات غضب هستيرية وميل للوحدة، كلها أسباب قد تؤدي إلى قرارات مصيرية بين الشريكين إن لم يتحل الزوج بالحكمة في هذه الفترة، بالإضافة إلى الأعراض الجسدية، فهي كذلك ليست بالهينة مطلقًا، فهناك من تعاني من الغثيان والقيء، وآلام شديدة على مستوى الحوض وكذا إرتفاع في الحرارة، ممّا قد يفضي ببعضهن إلى المستشفى لأخذ مسكنات.

أخيرًا وجب علينا ألا نحزن في مثل هذه الفترات، وأن نواظب على عبادتنا لله تعالى، وكذا لا نجعل مرضنا هذا حجة للابتعاد والتغافل عن ذكره حتى لا يصيبنا الفتور بعدها، وأن نتعلم ونقرأ ونتفه بـ ما يجوز للحائض من عبادات.