بنفسج

ما لا نريده في رمضان

الثلاثاء 22 مارس

خيرُ الشهور قد أقبل، وفي أعماق النفس له حبٌ، وفي حنايا القلب له مكانة، ننتظره كل عام بشوقِ المحبّين، ونستقبله بدموع التائبين وصلوات الخاشعين. "أيام معدودات"، هكذا وصف الله سبحانه وتعالى شهر رمضان، والمتأمّل في هذه الآية يعلم بأن هذا الشهر الفضيل سُرعان ما تنقضي أيامه، فيحثّه ذلك على عمل المزيد من الطاعات والقُرُبات، ويسعى كي لا يضيّعه في غمرة انشغاله ولهوه.

لذلك في موضوع اليوم سنتحدث عن ما لا نريده في رمضان، لنُلقي الضوء على سلوكيات سلبية قد تضيّع علينا الشهر الفضيل لنخرج منه صِفر اليدين، ومن هذه السلوكيات السلبية:

| أولا: الإسراف في الإنفاق على موائد الإفطار

رمضان2.jpg

 أي زيادة الاستهلاك والشراء بما يفوق حاجة الفرد والأسرة الواحدة، فنجد موائد العائلات والعزومات في رمضان تمتد وتتّسع وتتسابق في تقديم ألوان الأطعمة والحلويات والعصائر بصورة تصل للمبالغة، وقد تصل حدّ المفاخرة والمنافسة في بعض الأحيان لنخرج بهذا السلوك السلبي عن المقصد العظيم للصيام، وعن الثواب الكبير وراء إفطار الصائم، فلهذا السلوك عدّة آثار سلبية:

| هدر الطعام:  الإسراف في إعداد الموائد، وتنوّع أصنافها يؤدي إلى هدر الطعام، ورمي كميات كبيرة منه في القمامة، كميات تكفي لإطعام أسرة كاملة، بل وعدّة أُسر! وهذا معلوم أنّه منهيّ عنه شرعًا، فقد قال الله تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".

| انشغال ربّة المنزل: لساعات وساعات في إعداد ألوان الطعام والحلويات للإفطار، والانشغال بعد الإفطار لساعات في غسيل الأواني وترتيب المطبخ، وبهذا تُجهد نفسها وتضيّع وقتًا طويلًا من المفروض أن يُقضى بالعبادة. ولا شك أن ربّة المنزل مُثابة على إعدادها للطعام وتحمّلها لمشقّة الصيام لكن المبالغة في الإعداد ستُفقدها اغتنام الشهر الفضيل وتصل لآخر النهار وقد انهارت قواها، فلا تقوى على العبادة والقيام، بل وبالكاد تقوى على الصيام.

| العبء المالي في الولائم: والمبالغة والمفاخرة في إعداد موائد الإفطار حمّلت كثير من الناس ما لا يطيقون، نحن لسنا بحالة مادية متساوية، ومبالغتك بإعداد مائدة الإفطار قد تحمّل الطرف الآخر همًّا ثقيلًا لمجاراتك وردّ العزومة لك بمثلها وأفضل منها، وهذا ما يجعل البعض يمتنعون عن الذهاب إلى العزومات الرمضانية لعجزهم عن ردّها بمثلها، فنخسر من وراء هذا السلوك السلبي ثواب الزيارة وصلة الرحم وثواب إفطار الصائم ونخسر تجمّع الأقارب والأصحاب وودهم وتراحمهم. صدق من قال بأن الكِلفة تُزيل الألفة!

رمضان3.jpg

| التخمة بعد الأكل: الإسراف في تناول الطعام على الإفطار وبعده تناول ألوان الحلويات سيصيبك بالسمنة على المدى البعيد، فلا ينتهي الشهر الفضيل إلا ووزنك قد زاد الضعف. وكما أن الإسراف في الإفطار سيصيبك بالتخمة وستقوم إلى صلاة التراويح مُثقل الخُطى، بليد البدن ولربما تُصاب بالخمول والتكاسل عن صلاة التراويح، فلا تذهب إليها وتفوت عليك أجر الجماعة! وقد قال رسول الله صلى: "ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".

| ثانيا: النوم طوال ساعات الصيام:  فنجد الواحد منّا لا يقوم من نومه إلا ليصلى الصلاة المفروضة، ومن ثم يعود إلى ثباته منتظرًا أذان المغرب، والبعض لا يستيقظ أصلًا لأداء الصلاة المفروضة، وبهذا يكون قد أضاع فرضًا لا يقلّ أهميّة عن فرض الصيام. ما وجد رمضان لمثل هذا والله، بل ينبغي للصائم أن لا يفوّت على نفسه الخير الكثير والثواب المضاعف، فيشغل نهار صومه بعمله وبالصلاة والأذكار وتلاوة القرآن والدعاء.

ثالثا: التنبؤ بليلة القدر وملاحقة شمسها

رمضان1.jpg

 هذا من السلوكيات السلبية التي انتشرت مؤخّرًا في السوشيال ميديا، مع بدء العشر الأخير يتسابق روّاد مواقع التواصل الاجتماعي لتصوير شروق شمس كل يوم من العشر، وكل واحد يزعُم بأنها كانت ليلة القدر لطالما أن الشمس لا شعاع لها بما أنه هذا من العلامات التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم "أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها".

وهذا السلوك آثاره السلبية من عدة جوانب:  إن هذا السلوك مُنافٍ لمقاصد الشريعة، فالله سبحانه وتعالى لو شاء لأظهر لنا ميعادها، لكن أخفى الله سبحانه وتعالى هذه الليلة ولم يحدّدها لكي نجتهد بالعبادة والقيام والدعاء طيلة أيام وليالي العشر الأخير داعين الله أن يبلّغنا ليلة القدر بفضله وكرمه.

فيه قتل الهمم في النفوس ليجعلها تتقاعس عن العبادة، فحين تنشر صورة لإشراق الشمس وتأكّد بأن ليلة القدر كانت الليلة السابقة فمستقِبِل هذه الصورة أمره سيكون في حالتين: إما أنّه قد اجتهد في ليلته السابقة وأحسن قيامها فيطمئن قلبه ويتكاسل فيما بقي من ليالي رمضان ظنًّا منه بأنه قد أدركها. أو سيستقبل الصورة شخص قد قصّر في قيام الليلة لأي سبب كان، وبهذا ستجعله يفقد الأمل ويعتقد بأن ليلة القدر قد فاتته وتفتر همّته على القيام والعبادة ويزهد فيما بقي من ليالي رمضان. وفي الحالتين تصرّفك هذا سوف يتسبّب بإهمال ما بقي من أيام العشر الأخير وما فيها من خير عظيم.

كما أن تصوير شروق الشمس ونشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي يتبعه مناقشات ما بين مُنكر وموافِق لهذا الادعاء، مناقشات قد تصل حدّ الخلاف والجدل الذي نحن بغنى عنه..! إنه لحريّ بنا أن نبحث عن إشراق نور الله في قلوبنا وأثر هذه الليلة في أنفسنا عوضًا عن الانشغال في البحث عنها وتتبع شروق شمسها وتصويره.

| رابعا:  إضاعة الكثير من الوقت أمام شاشة التلفاز

رمضان4.jpg

 فلا يخفى على أحد استعدادات القنوات قبل رمضان بأشهر لتتفنّن في تقديم المسلسلات والبرامج والمسابقات التي يغلُب عليها عدم الفائدة، بل والكثير منها يدخل في دائرة ما يحرُم مشاهدته لما تحويه من محظورات شرعيّة من عورات النساء ومشاهد تقديم الخمور وغيرها مما يُخالف لقيمنا وتعاليم ديننا الحنيف، مشاهد نحن بغنى عن مشاهدتها في هذا الشهر الفضيل بل وفي كل وقت، ولا بأس من الترويح عن النفس ومشاهد بعض البرامج شرط عدم إضاعة الوقت عليها وشرط أن نتخيّر بعناية ما نشاهده.

في الختام، أعلم أن هذه السلوكيات قد يقع بها أغلبنا عن جهلٍ أو دون قصد لكن دعونا هذا العام نجتهد لنجعل شهر رمضان مختلف ونتجنّب هذه السلبيات وغيرها، دعونا نُحسن استقبال الشهر الفضيل لنودعه وقد ترك في قلوبنا أثرًا لا يرحل ويكون قد غيّر فينا الكثير، ابحث عن أثر رمضان في قلبك بعد انتهائه، واحذر أن لا يكون له أثرًا في نفسك سوى الجوع والعطش.