بنفسج

في مديح "لحوم الأضاحي": أكلات شعبية بطابع ديني

الأحد 10 يوليو

على المائدة العربية، في صبيحة يوم عيد الأضحى، تتربع الأكلات المطهوة باللحوم، ويصطف الدجاج بعيدًا ليترك السيادة لقطع اللحم لتكون لها الكلمة العليا، ففي كل دولة عربية أكلة لا يسير العيد بدونها، تعيد رائحتها للإنسان طفولته وأعياده الماضية، حتى باتت عادة وجزءًا لا يتجزأ من العيد، وبالرغم من أنها تطبخ في باقي أيام العام إلا أنها في العيد لها نكهة خاصة، فمثلًا، في مصر، تفوز فتة اللحم على وجهها المكسرات، وبجانبها دقة الفلفل مع الليمون والثوم الشهيرة، وتتناثر فوقها قطع لحم العجل أو الضأن. وفي الأردن، يسطو المنسف على كل الموائد في البيوت الأردنية. أما فلسطين، فصبيحة العيد تشم رائحة الكبدة المقلية وبجانبها "قلاية" البندورة من على بعد أمتار، فيغمر محبيها شعور بالانتعاش فيرددون "الله الله". كل دولة عربية لها طقوسها وأكلاتها الشعبية الخاصة التي تنفرد بها، مجلة بنفسج تقدم لكم أبرز الأكلات في بعض الدول العربية في عيد الأضحى المبارك.

| السعودية

المفطح.jpg
المفلطح السعودي

طبق الحميس أو المحشوش؛ من الأطباق المعروفة في عيد الأضحى في السعودية، وتشتهر به بعض المناطق دون مناطق أخرى. بعد ذبح الأضحية، تبدأ العائلة بالتشارك والعمل على قدم وساق لفصل الشحوم واللحم والعظام إلى قطع صغيرة، ثم وضع العظام في القدر الحجري أو المعدني لطهوها وإذابة الشحوم "الدهن"، ونهاية، يتم وضع اللحم وإضافة التوابل له من فلفل أسود وملح وهال، ويُترك حتى ينضج. بعد نضوجه، يتم وضعه في إناء من الفخار، وأخذ "الصليل"، أي الدهن لاستخدامه في تحضير بعض الأكلات الأخرى.

كما تشتهر السعودية بأكلة المفطح التي تتكون من خروف مطبوخ دون أن يقسم، ويُقدم مع الأرز، ويُزين بالبهارات والكبدة والبيض المسلوق، إضافة إلى طبق المقلقل المكون من لحم الغنم المطهو مع البهارات وصلصلة الطماطم، مُضاف له فلفل مما يعطيه مذاقًا حارًا للغاية، ولا ننسى طبق الكبسة الموجود على مدار العام المكون من الأرز واللحم الضأن أو حتى لحم العجل وذلك حسب الرغبة.

| المغرب والجزائر وتونس

البولفاف.jpg
البولفاف المغربي

تقف أكلة البولفاف في عيد الأضحى، في المغرب، شامخة تنتظر أن يتم طبخها لتزين أول يوم عيد، كما جرت العادة. وهي عبارة عن كبد وقلب الضأن وقليل من الرئة، حيث يتم شويه على الفحم، ثم يُتبل جيدًا ويُلف بالدهن ويُشوى من جديد، وسُمى بولفاف لأنه مكون من قطع من الكبد والرئة المغطية بالشحم "الدهن"، ويُسمى في أنحاء العالم العربي بالكباب.

الدوارة.jpg
الدوارة الجزائرية

إضافة إلى أكلة الدوارة التي لها جماهيرية واسعة في دول المغرب العربي وتحديدًا الجزائر، حيث تُقدّم على العشاء، وهي عبارة عن رئة الخروف وأمعائه، يتم تتبيلها جيدًا وشيها، كما يمكن حشيها بالأرز. وتجدر الإشارة إلى أن طريقة التحضير تختلف من دولة لأخرى، تُسمى في بلاد الشام بالكرشة، وفي تونس والمغرب وليبيا تُسمى عصبان، وتعد الأكلة الرسمية في أول وثاني وثالث أيام عيد الأضحى، أما في غرب مصر تُسمى مُمبار.

وحين تذكر أكلات الجزائر ينبغي أن نعرج على طبق البوزلوف الذي يُحضر من رأس الشاة وأرجلها، حيث يُقدم في اليوم الثاني من عيد الأضحى مع أصابع البطاطا المقلية أو مع طبق الكسكسي الشهير.

كمونية.jpg
الكمونية التونسية

أما تونس، فتشتهر بأكلة "المحمر" أو "المصلي" المكونة من لحم الضأن والبصل والبطاطا، وتُعد بشكل سريع وسهل، لذلك تفضلها السيدة التونسية، ويحبها الأطفال، إضافة إلى طبق "الفتات مع اللحم بالإكليل"، وهو طبق تقليدي تشتهر به مدينة باجة في عيد الأضحى، ولا يمر العيد على مدينة صفاقس بدون أن تشتم رائحة "الكمونية" أو المرقة الحلوة"، وهي عبارة عن كتف لحم الضأن والمشمش الجاف والزبيب واللوز الأبيض، كما تعد أكلة البناطج، وهي أكلة أندلسية مكونة من السميد المحشو باللحم المفروم، من أكلات أيام العيد.

| مصر

فتة مصرية.jpeg
الفتة المصرية

حين تذكر مصر وأكلات عيد الاضحى فيها، سرعان ما يتبادر للذهن طبق الفتة اللذيذ الذي يخطف قلب كل من تذوقه، ويا له من طبق شهي حين تسكب عليه الصوص الخاص به المكون من صلصة الطماطم والثوم والخل مما يعطيه نكهة فوق نكهته الجذابة، يتم تقطيع الرقاق في أسفل الصينية، ثم سكب المرق عليها، ويا حبذا لو كان مرق اللحم الضأن بدلًا من البقري، ثم وضع الصوص والمكسرات، وبجانبهم طبق الليمون والفلفل.

الممبار.jpg
الممبار المصري

الفتة عادة متوارثة لدى المصريين في أول يوم عيد، ولم تسقط بمرور الزمان. وفي اليوم الثاني، تفوح رائحة المشاوي في البيوت المصرية، ليفوز الكباب ويقف في الصدارة، وفي حضرة الأضحية لا ننسى الممبار المصري، وهو عبارة عن أحشاء الذبيحة، وقيل فيه "اللي ياكل ممبار ميطلعش من الدار"، كناية عن دسامة الطبق، يُحشى الممبار بالأرز المضاف له الطماطم والبصل والثوم والبهارات. كما تطبخ السيدات المصريات طاجن العكاوي وطواجن اللحوم بعدة طرق، ويقمن بإعداد الرقاق وطبخ لحمة الرأس.

| فلسطين

الكبدة.jpg
الكبدة

في صبيحة يوم العيد في فلسطين جرت العادة أن يكون الإفطار الصباحي طبق الكبدة، حيث يتميز بسهولة إعداده، يتم تشويح شرائح البصل بالسمن حتى يذبل ويُضاف له الفلفل الأخضر، ثم إسقاط الكبدة فيه وتقديمه بجانب "قلاية" البندورة الحارة والبطاطا المقلية والخبز. أما وجبة الغذاء، فتختلف رغبات البيوت الفلسطينية؛ فمنهم من يقوم بإعداد الفتة المسقاة بمرق اللحم، ومنهم من يقوم بإعداد المقلوبة أو المنسف الأردني. أما في اليوم الثاني؛ فتفوح رائحة الكبار المشوي على الفحم في الأنحاء. كما يتم طهو طبق "اليخني" المكون من اللحم المطبوخ بالطماطم والبصل. وأيضًا الحضور الكبير لمحبوبة الجماهير والجيل الكبير الكرشة والفوراغ، وبالرغم من الجهد الكبير في تنظيفها وطبخها إلا أنها حاضرة وبقوة على المائدة الفلسطينية.

| الأردن

منسف.jpg
المنسف

لا يختلف الأردن كثيرًا في أكلات عيد الأضحى عن فلسطين، ففي صباح العيد يتم إعداد طبق الذبيحة المحمرة والكبدة المتبلة، إضافة للمشاوي في أيام العيد الأخرى، والكرشة والفوارغ، ولكن الغلبة في اليوم الأول في كل البيوت الأردنية تقريبًا تكون لطبق المنسف الشهير المكوّن من خبز الشراك والأرز الأصفر اللذان يذوبان في الجميد، وتتناثر قطع اللحم عليه وجبات الصنوبر في صورة فنية جميلة، تجذب كل من رآه وتذوقه.

| السودان

الكمونية السودانية.jpg
الكمونية السودانية

المطبخ السوداني غني بالأكلات التي تُطبخ باللحوم، ومن أغرب الأطباق لديهم المرارة، فبعد ذبح الأضحية تُقطع الكبد والرئة والطحال والكلى وتُتبل جيدًا وتؤكل نيئة، ولكن إن تم طهيها تُسمى "كمونية"، إضافة إلى طبق الباسم المكون من رأس الأضحية، وسُمي بهذا الاسم لأن الحيوان بعد سلخه يبدو وكأنه يبتسم، وأيضًا طبق النيفة المكون من الرأس بعد قطع الأذنين، حيث يتم وضعه في حفرة لطهيه وسط نيران الحطب ثم سلخه وتقديمه بعد ذلك للأكل.

| العراق

الدولمة.jpg
الدولما العراقية

حتى في عيد اللحم لا تغيب عن المائدة العراقية زينة أكلاتها ألا وهي الدولمة العراقية، وهي عبارة عن طبق ورق عنب أو الدوالي كما يُسمى في بلاد الشام، ويُقدم مع لحم الضأن. إضافة إلى أكلة الباجة المكونة من أرجل ورأس ولسان الخروف، حيث تُحشى بالأرز وقطع اللحم الصغيرة. والكباب العراقي له مكانته وسط الموائد العربية، وأيضًا القوزي يعتبر من الأطعمة الدسمة جدًا، ويتكون من فخد الأضحية التي يتم تتبيلها جيدًا، ويُقدم وبجانبه الأرز والشعيرية وعليهما المكسرات.

| سلطنة عُمان

التنور.jpg
التنور العماني أثناء الاستعداد لوضعه في باطن الأرض

من أشهر الأكلات التراثية في الخليج عامة، التي لا تُعد إلا في أيام عيد الأضحى المبارك، وذلك نظرًا لصعوبة إعدادها، إذ تمر الذبيحة بمراحل متعددة حتى تصل لمرحلة "الدفن" تحت الأرض، لتترك مدة يومين كاملين وهي تطبخ على الجمر. وفي تفاصيل إعداد التنور، يجتمع العُمانيون في أول أيام عيد الأضحى، في ساحات كبيرة، تحفر تحتها حفر واسعة وتوقد فيها النار لتصبح جمرا، أما الأضاحي فتتبل بالبهارات العُمانية العريقة، ويُضاف إليها كل ما يُرغب به من منكهات، ثم تغطى بطبقات من أوراق القصدير، ثم بأوراق الموز الكبيرة، وتوضع في كياس من "الخيش"، وتوضح مقابل النار في حرف في باطن الأرض. توضع هذه اللحوم من بعد ظهر أول ايام العيد، وتستخرج في ثالث أيامه، وقد تكون من ألذ ما قد تتذوقه في حياتك! 

وأخيرًا، وبعد استعراض عدة أكلات عربية تشتهر بها بعض الدول العربية، لاحظنا أن مكون الطعام واحد، ولكن الاسم وطريقة التحضير تختلف من دولة لدولة أو حتى من مدينة لمدينة، وتبقى المائدة العربية غنية ومليئة بأشهى الأطعمة التي ورثناها عن الأجداد، ومهما تواجد الطعام الغربي على موائدنا تبقى السيادة لطعامنا الأصيل، ويظل الطعام هو تاريخنا وذاكرتنا.