تُعتبر الغيرة من المشاعر الطبيعية والشائعة بين الأطفال جميعهم، ولا بدّ أن يمروّا بمواقف وتجارب تجعلهم يختبرون هذا الشعور. قبل أن نفكّر في علاج الغيرة عند الأطفال، علينا كمربّين أن نعرف من أين تأتي الغيرة، ومن أين يتولّد هذا الشعور؟ تتولّد الغيرة من الخسارة، وفقد الشخص، أو الشيء، أو فقد المكانة، كذلك، تتولّد من الشعور بالمنافسة، وأحيانًا من الشعور بالنقص "أنا لست كافيًا أو لست قادرًا"، ويمكن أن تتولد نتيجة التمييز والتفريق في التعامل.
والغيرة، رغم كونها شعورًا طبيعيًا، إلا أنها من المشاعر غير المريحة للطفل، والتي يصعب ترجمتها ووصفها، وقد تظهر لنا من خلال ملاحظة ممارسات وسلوكيات الأطفال وتكرارها، وأحيانًا من خلال نظراتهم للشخص أو الشيء.
أحيانًا يمكن أن يشعر الأطفال بالغيرة لأسباب خارجة عن إرادتهم وسيطرتهم مثل: انعدام استقرار الأسرة، أو غياب أو وفاة أحد الوالدين، وأيضًا الطلاق، وزواج أحد الوالدين بعد ذلك. وكما ذكرت، إن الغيرة شعور طبيعي، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يصاحب هذا الشعور سلوك مؤذٍ، أو مشاعر سيئة تجاه الآخرين؛ كالكره والحقد والحسد وغيرها.
علاج الغيرة عند الأطفال
وهنا، لا بدّ أن نتوقف ونفكّر بالأسباب والدوافع التي من الممكن أن تفاقم هذا الشعور، وعلينا أن نهتم بـ علاج الغيرة عند الأطفال قبل أن تزداد، فهذا يساهم في الشعور بالراحة والتحسّن، كما وسيُساعدهم على التعايش بشكل أفضل مع الآخرين. إليكم بعض الإرشادات التي تساعدكم في ذلك:
| لمَ يغار طفلك ومن مَنّ؟
حاول أن تعرف الأسباب والدوافع وراء غيرة طفلك، فهذه أول خطوة على الطريق لحلّ المشكلات. يمكنك أن تقول: "أنا أعرف أنك تغار من سامي، فهل سألت نفسك إذا كان يشعر هو بالغيرة منك أيضًا؟". معرفة الأسباب تساعد طفلك على تقبّل الشعور، والغيرة المتبادلة تمنح طفلك الراحة بأن هذا الشعور طبيعيّ.
| احترم مشاعر طفلك
احترام مشاعر طفلك والاعتراف بها يساعده أكثر على تنظيم مشاعره وتهذيبها، وعندما يمرّ طفلك بمواقف تجعله يشعر بالغيرة، عليك أن تتعاطف معه وتحتويه بدلًا من إنكار مشاعره التي توصل لطفلك رسالة بأنك لن تساعده.
وبالتالي، يصبح الطفل محبطًا. يمكنك أن تقول: (أنتِ حزينة لأننا نهتم بأختك الصغرى أكثر؟ لكن هل فكّرت كم نحبّك أنا ووالدك؟ الثلاثاء القادم سنخرج معًا في وقتنا الخاص كما نفعل كل ثلاثاء).
| راقب نفسك وانتبه لتصرّفاتك كمربٍّ
من الممكن أن تنتقل مشاعر الغيرة تجاه شخص/شيء ما لأطفالك، وبهذا أنت تشجّعهم على فعل ذلك بشكل غير مباشر. "الآباء الذين ينظرون لما في يد الآخرين يشجّعون أطفالهم على الشعور بالغيرة".
اقرأ أيضًا: المخاوف عند الأطفال: كيف نفهمها ونتجاوزها معًا؟
| ركّز على نقاط القوة
بدلًا من أن يركّز طفلك على ما لا يملكه وما لا يعرفه، فلنركّز على ما يملكه ويعرفه ويتقنه، وهذا يمنحه الشعور بالاكتفاء (أنا كافٍ)، وقدّر أفعال طفلك وجهوده وأثنِ عليها. يمكنك أن تقول: "قد لا يحبّك بعض أصدقائك أو قد يظلمك أحدهم، لكن انظر حولك وتذكّر كم يحبّك بقية أصدقائك، وكم لديك من الصفات المحبوبة التي تجعلهم يحبّونك ويتمنون الخير لك".
| أحضر ماضيك لطفلك
وشاركه بعضًا من قصصك ومواقفك التي شعرت بها في الغيرة في طفولتك أو في المدرسة، وكنْ صادقًا بذلك، لأن هذا سيساعد طفلك على فهم مشاعره والتعامل معها، إضافة إلى أن الأطفال يحبّون أن نشاركهم قصصنا وتجاربنا ويجدون المتعة في ذلك. يمكنك أن تقول: (أنا مررت بموقف مشابه يمكنني أن أذكره لك).
| تجنّب المقارنات
المقارنات لا تأتي بخير بل تزيد من الغيرة والتشاحن إذا تجنّب التعليقات المقارِنة مثل: (انظر إلى ما فعله صديقك. لماذا أنتَ لست مثله؟".
| اضبط السلوك لا الشعور
من المهم أن يعرف طفلك بأن الغيرة شعور طبيعي لا بأس به ما لم ينتج عنه سلوك مؤذٍ للآخرين. يمكنك أن تقول: "ما هو شعورك تجاه ما حدث؟ كيف يمكننا التعامل معه بطريقة صحّية وصحيحة؟". "أنا أعرف أنك مستاء من أختك.. لكن لا يمكنك إيذاؤها".
اقرأ أيضًا: ابني يحرجني في المطعم .. دليلك لتعليم طفلك آداب المائدة
| قدّر قيمة طفلك!
في زمن اختلفت فيه معايير النجاح ومعايير الأخلاق، نحن بحاجة ماسّة لنقدّر أطفالنا ونُشعرهم بأهمّيتهم ونعزّز قيمتهم الذاتية ونظرتهم لأنفسهم. حتى لو لم يكن طفلك الأول في تحصيله الدراسيّ أشعرت بأهميته حتى لو لم يكن طفلك (يوتيوبر)، أو مشهور، قدّر من قيمته، لأن طفلك في بعض الأحيان سيكون موجودًا في بيئات أو مجتمعات تعترف بالتفوّق والشهرة والمال كمعايير للنجاح، مما قد يولد الغيرة عند طفلك وينظر إلى نفسه نظرة الدون والمحروم عندها لن يحميه إلا الشعور بالأهمية والتقدير.
| درّب طفلك على تقدير الآخرين
تقدير أفعال الآخرين وإنجازاتهم حتى لو كانوا منافسين، يمنح طفلك مرونة في التفكير ويعزّز من حصانته النفسية، فهو يعترف بنقاط قوة الآخرين كما يعترف بنقاط قوته وإن اختلفت. يمكنك أن تقول: "أنت حزين لأن الفريق المنافس فاز بالبطولة، لكن فريقكم فاز بالبطولة ذاتها مرتيّن من قبل".
ومن هذه الجملة يمكننا أن نتناقش بنقاط القوة ونقاط الضعف لدى كل فريق، ومن هنا يمكننا أن نقدّر جهود الآخرين حتى في حالة لم نفز فيها أو نكسب، وهنا يتعلّم طفلك بأن الحياة لا تستقر على حال، فهناك فوز وهناك خسارة في بعض الأحيان.
| ذكّر طفلك بأننا بشر
أهم خطوة في علاج الغيرة عند الأطفال أن تشرح لطفلك أن جميعنا مختلفون، وكلّ منا فريد من نوعه ومميز بطريقته، ولا أحد فينا يملك الكمال؛ بعضهم لديه أم وأب وليس لديه من المال الكثير، وبالمقابل، بعضهم لديه من المال الكثير لكنه لا يملك عائلة مستقرة. يمكنك أن تقول: "إذا أعجبك شيء عنده الآخرين تمنّى لهم دوامه وتمنّى لهم الخير، واشكر الله على ما أعطانا من أشياء كثيرة قد لا تكون عند آخرين غيرنا".
