بنفسج

لأول مرة: [3] فتيات في حرم الجامعة المصرية

الثلاثاء 21 سبتمبر

في رحلتنا للتعرف على تاريخ الحركة النسوية، وما حدث للرائدات في رحلة التعليم والجامعة، بحثنا عن أول طالبات دخلن الجامعة المصرية، ورحلتهن في الحياة والعمل، فكان الآتي: بعد الإعلان عن إنشاء الجامعة المصرية، طالب مصطفى لطفي المنفلوطي ومجموعة كبيرة من الصحفيين الشوام بإتاحة الفرصة للنساء بالالتحاق بالجامعة، جاءت هذه الدعوات قبل مطالبة قاسم أمين بتعليم النساء. هذه الدعوات ودعم الشيخ محمد عبده شجعت مجموعة من النساء على الالتحاق بالجامعة في بداية تأسيسها عام 1908، وقد شهد العام الدراسي الأول في الجامعة حضور واحد وثلاثين طالبة مع الطلاب، منهن ثلاثة مصريات.

 ولم تنتهِ سنة (1909) إلا وكان هناك 35 سيدة مصرية قد خرجن لحضور عدد من المحاضرات التي جاءت تحت عنوان «سيكولوجيا وأخلاق المرأة» التي ألقتها الأستاذة «لوكر كوفرير» بترشيح من السيدة «هدى شعراوي»، كما حاضرت «ملك حفني ناصف» عددًا من المحاضرات، ومن ثم تم تكليف السيدة «كوفرير» بتأسيس قسم خاص بالطالبات، ساعدتها فيه سيدتان سوريتان هما السيدة «رحمة صروف» ومن بعدها السيدة «لبيبة هاشم» اللتان أسستا عددًا من الصحف المصرية[1].

| اعتراضات ومضايقات

الامير فاطمة.jpeg
الأميرة فاطمة بنت إسماعيل باشا

أثار تأسيس قسم خاص بالطالبات ضجة كبيرة، ما بين مؤيد ومعارض، حتى خرج علينا مجموعة من المتزمتين، كانوا يتجمعون أمام الجامعة ويمنعون الطالبات من الحضور لأنهم يرون أن ذلك يخالف الآداب العامة، وتم تهديد سكرتير الجامعة –آنذاك- عبد العزيز فهمي بالقتل لإرساله خطابات لدعوة النساء للالتحاق بالجامعة، ومع تصاعد حركة الاعتراض تم إيقاف القسم عام 1912. مع نهاية 1913 توقف مشروع الجامعة بسبب العجز المالي وتخلي الأمير فؤاد عنها، ومن ثم قررت الأميرة فاطمة بنت إسماعيل باشا تخصيص عدد من الأفدنة «كوقف» للإنفاق على الجامعة وإعادة إحياء المشروع عام 1914.

بعد إصدار دستور 1923 والذي ينص على "أهمية تعليم المرأة"، دعم الدكتور طه حسين هذا القرار ،وساعد مجموعة من الطالبات على الالتحاق بالجامعة، ورغم ذلك، قبلت كليات الحقوق والعلوم والمدرسة العليا للتجارة التحاق الفتيات بصفوفها، أما كليات الهندسة والزراعة والطب البيطري، فلم تلتحق الفتيات بها حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أعقاب ثورة يوليو (1952) بالتحديد في (1953) سقط آخر معقل كان مقتصرًا على تعليم الذكور فقط «بجامعة القاهرة»، حين التحقت الفتيات بكلية دار العلوم، وهو ما قد مثل تحديًا أمام جامعة الأزهر التي أضطرت بضغط من الرئيس «جمال عبد الناصر» في (1962) أن تفتح أبوابها أمام تعليم الفتيات.

| أول محامية

نعيمة الأيوبي1.jpg
نعيمة الأيوبي

تقول نعيمة الأيوبي عن مساعدة طه حسين لها ولصديقاتها: "كنا خمس فتيات، ظمئت نفوسنا إلى ارتياد مناهل العلم في الجامعة.. غير أننا خشينا إثارة الرجعيين.. أولئك الذين نصبوا أنفسهم حماة التقاليد المزعومة، ورأينا أن نلجأ إلى أستاذنا الدكتور طه حسين بك.. فما أن وقف على رغبتنا حتى وعد بتحقيقها، ونصح إلينا أن نلتزم الصمت ونتجنب إذاعة الخبر حتى لا تخوض فيه الصحف، فيتعذر علينا المسعى.. عملنا بنصيحة أستاذنا.. وفوجىء الرأى العام بنبأ قبولنا في الجامعة.. كان الجو الجامعي غريبًا علينا، وكنا غرباء فيه.. كان الجميع يرقبون حركاتنا وسكناتنا، وأينما اتجهنا أحاطت بنا الأنظار، كأننا مخلوقات عجيبة تظهر على الأرض للمرة الأولى"[2].

وتضيف نعيمة الأيوبي "لن أترافع إلا فى قضايا المظلومين لأنتصف لهم من الظالمين، وسأخصص حياتى لخدمة المهنة التى شغفت بها منذ كنت طفلة، ومنذ رأيت عمي محاميًا يفخر برداء المحاماة على أي شيء آخر في الحياة". التحقت نعيمة الأيوبي بالجماعة المصرية عام 1929، كانت نعيمة الأيوبي هي أول من ارتدت الروب الأسود من النساء، فهي أول محامية مصرية. تُعد نعيمة هي أول طالبة مصرية تنجح في امتحان مدرسة الحقوق منذ إنشائها، وقد حصلت على المركز الأول، ومرتبة الشرف الأولى التي لم يحصل أي طالب عليها.

كافحت لنيل حقها في عضوية نقابة المحاميين، فكانت أول محامية في تاريخ النقابة. وعملت في مكتب محمد علي علوية. كانت تدافع عن القضايا الوطنية؛ فذهبت إلى المحكمة أول مرة لتدافع عن ثلاثة من رموز الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي، وهم فتحي رضوان، وأحمد حسين (رئيس حركة مصر الفتاة)، وحافظ محمود (نقيب الصحفيين آنذاك).
قامت بزيارة المجلس الحسبي، والمحكمة الشرعية، بعدها أصبحت متخصصة في قضايا الأحوال الشخصية، واستمرت في الدفاع عن المظلومين حتى نهاية حياتها.

| الحاصلة الأولى على الدكتوراه في الخليج

فاطمة سالم.jpg
فاطمة بين سالم بن المعمري

أما الآنسة فاطمة سالم (1911-2002) تقول: "سيوجد من يدون سيرتي، ولو بعد قرن من وفاتي". الآنسة فاطمة سالم أو فاطمة بنت سالم بن سيف بن المعمري، حصلت على الشهادة الثانوية من المدرسة السنية عام 1929. وحصلت على درجة الليسانس في قسم الدراسات القديمة من كلية الآداب عام 1933. وعلى دبلوم التربية للبنات عام 1937. ومُنحت درجة الماجستير برتبة الشرف الثانية من كلية الآداب، جامعة فؤاد الأول، قسم الدراسات القديمة سنة 1943.

تقدمت بطلب إلى الجامعة للحصول على وظيفة مدرس، ولكن طلبها قُوبِل بالرفض لأنها غير مصرية، وقد اعترض طه حسين على موقف الجامعة، ومن ثم تقدم بطلب إلى مجلس الوزراء المصري يطلب فيه بالجنسية المصرية لفاطمة سالم، وبالفعل مُنحت الجنسية عام 1942. صدر أمر تثبيتها بوظيفة مدرس بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول 1943، ثم أُرسلت في بعثة دراسية إلى جامعة لندن للحصول على درجة الدكتوراه عام 1955.

كرمت أ.د. فاطمة سالم بميدالية ذهبية تذكارية، من قبل الزعيم الراحل محمد أنور السادات، 1978 لدورها الفعال في جيل الرواد. قدمت العديد من الدراسات في مجال البحث العلمي. تعد أول شخص يحصل على الدكتوراه في الخليج العربي. تركت مصر عام 1974 لتعود إلى عُمان، عملت هناك كأستاذ للغة الإنجليزية في وزارة الدفاع والقوات المسلحة.

| أول امرأة تدرس الأدب العربي

سهير القلماوي.jpg
سهير القلماوي

أما السيدة سهير القلماوي (1911-1997) كان حلمها أن تكون طبيبة مثل والدها، حين تقدمت إلى الجامعة ولم تكن تعرف أن الجامعة لا تقبل بنات. رُفضت أورقها بسبب أنها بنت وأنها خريجة جامعة أمريكية غير معترف بها؛ تقدمت بأورقها مرة ثانية وقبلت في قسم اللغة العربية. وبذلك أصبحت أول فتاة شابة ترتاد جامعة القاهرة وأول امرأة بين أربعين رجل تدرس الأدب العربي. كانت أول امرأة تحمل رخصة الصحافة، وكانت أول من تحدث في الإذاعة. وكانت لأربع سنوات هي الطالبة الوحيدة في قسم اللغة العربية، ثم تعينت معيدة في الكلية. وقد أتمت رسالة الماجستير في 8 شهور، وبعدها انتقلت إلى باريس لدراسة الدكتوراه وعادت بعد عامين حين قامت الحرب.

كانت إحدى العديد من أوائل بنات جنسها وابتدأت مشوارها المهني كأول مُحاضرة في جامعة القاهرة عام 1936. وسرعان ما شقت طريقها لتصبح أستاذة جامعية، ولاحقًا رئيسة قسم اللغة العربية بين عامي 1958-1967 وكانت أول امرأة تقوم بذلك. كما عملت رئيسة الاتحاد النسوي المصري، وفي عام 1959 أصبحت رئيسة رابطة خريجات جامعة المرأة العربية حيث أسست التعاون بين الاتحاد المصري والاتحاد العالمي للجامعات. وأصبحت لاحقًا رئيسة الهيئة المصرية العامة للسينما والمسرح والموسيقى عام 1967 ورئيسة مجتمع ثقافة الطفل عام 1968.

الخريجات.png
خريجات الدفعة الأولى من طالبات الجامعة

ساهمت القلماوي في النضال لأجل حقوق المرأة ليس فقط عبر عملها الأدبي، ولكن أيضًا عبر مشاركتها في مؤتمرات المرأة العربية حيث نادت بمساوة الحقوق. عام 1960 كانت رئيسة المؤتمر الدولي للمرأة؛ وفي عام 1961 أصبحت رئيسة أول اجتماع للفنون الشعبية. وهي من شكلت لجنة للإشراف على جامعة الفتيات الفلسطينيات للحديث عن اهتمامها بالقضية الفلسطينية وكان ذلك عام 1962. بدأ عملها السياسي عندما دخلت مجال السياسة عضوة في البرلمان عام 1958 ومجددًا في 1979 حتى 1984.

كانت أيضًا رئيسة الإدارة التابعة للهيئة المصرية للنشر والتوزيع حيث عملت على توسيع نطاق القراء وتشجيع الكتاب الشباب والنهوض بصناعة الكتب. وفي عام 1967، أسست أول معرض كتاب في الشرق الأوسط: معرض القاهرة الدولي للكتاب. وخلال سنوات عمرها الأخيرة، عملت كرئيسة الهيئة العامة للكتاب من 1967 إلى 1971 وكرئيسة هيئة الرقابة من 1982 إلى 1985.

كان لها السبق الأول في إنشاء مكتبة في صالة مسرح الأزبكية لبيع الكتب بنصف ثمنها، وأيضا كانت الأولى في تقديم دراسة عن الأدب المصري المعاصر إلى التعليم الجامعي. كما أعطت الفرصة لأكثر من 60 أديبًا لتقديم مؤلفاتهم عندما قامت بإصدار سلاسل أدبية سُميت "مؤلفات جديدة.

في بداية عام 1935، نشرت مجموعة واسعة من الأعمال الأدبية تحتوي قصصًا قصيرة ودراسات نقدية ومجلات ثقافية وتراجم. من أهمها: أحاديث جدتي 1935، الطبعة الحديثة بالهيئة المصرية العامة للكتاب 2010. ألف ليلة وليلة 1943، والطبعتان الحديثتان الأولى بالهيئة المصرية العامة للكتاب2010، والثانية بالهيئة العامة لقصور الثقافة 2010 ضمن سلسلة ذاكرة الكتابة. أدب الخوارج 1945، والطبعة الحديثة بالهيئة المصرية العامة للكتاب 2010. في النقد الأدبي 1955. الشياطين تلهو 1964. ثم غربت الشمس 1965. المحاكاة في الأدب 1955. العالم بين دفتي كتاب 1985، الطبعة الحديثة بالهيئة المصرية العامة للكتاب 2010م، ذكرى طه حسين 1974، دار المعارف، سلسلة اقرأ، عدد رقم 388.

كما ترجمت العديد من الكتب والقصص منها: قصص صينية لبيرل بك، عزيزتي اللويتا، رسالة أبون لأفلاطون، وأيضًا عشر مسرحيات لشكسبير وأكثر من 20 كتابًا في مشروع الألف كتاب. ومن أبحاثها: المرأة عند الطهطاوي، أزمة الشعر. علاوة على ما سبق، كان لها السبق الأول في إنشاء مكتبة في صالة مسرح الأزبكية لبيع الكتب بنصف ثمنها، وأيضا كانت الأولى في تقديم دراسة عن الأدب المصري المعاصر إلى التعليم الجامعي. كما أعطت الفرصة لأكثر من 60 أديبًا لتقديم مؤلفاتهم عندما قامت بإصدار سلاسل أدبية سُميت "مؤلفات جديدة"، ومن ناحية أخرى وضعت أسسًا للطرق الأكاديمية في تحليل الأدب والفن.

في بداية عام 1935، نشرت مجموعة واسعة من الأعمال الأدبية تحتوي قصصًا قصيرة ودراسات نقدية ومجلات ثقافية وتراجم. من أهمها: أحاديث جدتي 1935، الطبعة الحديثة بالهيئة المصرية العامة للكتاب 2010. ألف ليلة وليلة 1943.
 
كما ترجمت العديد من الكتب والقصص منها: قصص صينية لبيرل بك، عزيزتي اللويتا، رسالة أبون، وأيضًا عشر مسرحيات لشكسبير وأكثر من 20 كتابًا في مشروع الألف كتاب. ومن أبحاثها: المرأة عند الطهطاوي، أزمة الشعر.
 
كان لها السبق الأول في إنشاء مكتبة في صالة مسرح الأزبكية لبيع الكتب بنصف ثمنها، وأيضا كانت الأولى في تقديم دراسة عن الأدب المصري المعاصر إلى التعليم الجامعي.
 
تلقت القلماوي عددًا من الجوائز، وهي: جائزة مجمع اللغة العربية، لموضوع رسالة الدكتوراه عن (ألف ليلة وليلة)، عام 1954. جائزة الدولة التقديرية في أدب الشباب، وكانت أول امرأة تحصل عليها عام 1955.

تلقت القلماوي عددًا من الجوائز، وهي: جائزة مجمع اللغة العربية، لموضوع رسالة الدكتوراه عن (ألف ليلة وليلة)، عام 1954. جائزة الدولة التقديرية في أدب الشباب، وكانت أول امرأة تحصل عليها عام 1955. جائزة الدولة التشجيعية لعام 1955. جائزة الدولة التقديرية في الآداب، تشاركتها مع د. شوقي ضيف عام 1963. جائزة ناصر، المهداة من الاتحاد السوفياتي السابق عام 1976. جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1977. ميدالية التقدير عام 1977. وسام الجمهورية من الدرجة الأولى عام 1978. وسام الإنجاز عام 1978. جائزة الدولة التقديرية للآداب. الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1987. إضافة إلى ذلك، كرمها معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1993 للقيام برئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب. عام 1955، وكرمتها محافظة القاهرة في يوم المرأة.

الجامعة.png
الجامعة المصرية

تقول عن تجربة التدريس في الجامعة، بدأت التدريس وهي معيدة، أخذت مواعيد المحاضرات المتأخرة، كانت المرات الأولى لها مرعبة كان الطلاب يأتون للمحاضرة لمشاهدتها كأنها حيوان في السيرك، تبذل مجهود كبير للسيطرة على المحاضرة وبدأت المحاضرات تسير بالشكل الذي تتمناه بعد عدت مرات. كان لها دور مختلف تصفه بالبسيط في الحياة العامة مع الطالبات من أجل التغيير لأنفسهن، تساعدهن على تغيير بعض المفاهيم الخاطئة. وترأست قسم اللغة العربية لعشرة سنوات. خارج الحياة الجامعية انقسمت حياة القلماوي بين إدارة النشر والحياة السياسية. وقد تمخضت تجربتها في العمل الخاص بالكتب إلى فكرة معرض الكتاب، وهي من أعادت الصحوة لكتب الأطفال لإتاحة الكتب بسعر مناسب للأطفال.

 تناول  المقال رحلة الرائدات، وتتبعنا الإنجازات التي قمن بها في الحياة العامة وحيواتهن الخاصة، في خلال بحثنا لم نجد أي معلومات تخص الفتاتان زهيرة عبد العزيز وفاطمة فهمي، ولم يأتِ أي مرجع على ذكر أي معلومة عنهما وما حدث لهما بعد التخرج من الجامعة. من يعرف أي معلومة تخصهما يمكن أن يراسلنا بها.


| المراجع

[1] (دونالد مالكوم ريد، دور جامعة القاهرة وبناء مصر الحديثة، تر: إكرام يوسف، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر، القاهرة، 1997).

[2] حوار مع نعيمة الأيوبي في مجلة الإثنين والدنيا، نشر بتاريخ 13 مارس 1945