بنفسج

على عتبة التخرج: أصافح مهنتي وألقي قبعتي!

الأربعاء 13 أكتوبر

هذه العتبة مختلفة، عتبة التخرج لحلمٍ يوسُفيّ الطموح يعقوبي المَشقة، أُودع أربع سنوات من عمري كأنها سويعات، أخذت مني ما أخذت وأعطتني الكثير الذي لم أدركه إلا الآن، وأنا على هذه العتبة أودع كل جميل فيها، ولا أريد منها سوى الجميل الآن، من حكايا النبض ووجود الأصدقاء ورفقاء الدرب والمحاضرات، وزوايا جامعتنا شاهدة على جميع أحاديثنا وفرحنا وحزننا وضحكنا ودمعنا ومغامراتنا ومشاكساتنا الجميلة، وهربنا من المحاضرات من أجل أن نحظى على فرصة إفطار جماعي.

تبادلنا المعرفة والكتب والعلم، ونضجنا بشكل استثنائي، تغيرت أفكارنا وتبدلت آرائنا، وتعلمنا أن نحترم وجهات النظر، والاختلاف بيننا لا يفسد للود قضية. في الجامعة تعلمنا كيف نفكر خارج الصندوق، وكيف نحب ما نعمل لنبدع فيه، وتعلمنا بأن رحلة الوصول إلى الهدف تتطلب طريقًا شاقًا حافل بالصعوبات والتحديات، تعلمنا بأن نمد أرجلنا خارج اللحاف وأن نصنع بعزيمتنا لحافاً أطول، وكسرنا القاعدة التي قالوها لنا "ع قد لحافك مد رجليك"!

اليوم أنثر الأيام الصعبة بالهواء واستنشق النجاح، وقد عشت دهراً أعد الليالي لليوم الذي يرافق اسمي "لقب الصحفية"، لم يكن اختياري عبثيًا أو بمحض الصدفة أو حتى لحاجة سوق، كانت الصحافة السماء التي لطالما حلمت أن أحلق فيها، كنت أعلم أن المطبات لم تكن سهلة وأنها تستحق المخاطرة والمغامرة.

في هذه اللحظة، أودع أساتذتي الذين اهتديت بنورهم، والنهر الذي ارتويت من فيضه، كل منهم ترك بداخلي أثرًا عظيمًا، ودعوات أهلي التي كانت الحصن الواقي بيني وبين تعثر قدماي بمشاق ومتاعب الأيام، وأيديهم التي مدت لي لتنتشلني، وتشجعني لمواصلة الطريق، وأكواب القهوة التي كانت طوق النجاة لمستقبلي العلمي والعملي، كانت سندي بسهر الليالي لإنجاز أوراقي كي تظهر إلى النور.

اليوم أنثر الأيام الصعبة بالهواء واستنشق النجاح، وقد عشت دهراً أعد الليالي لليوم الذي يرافق اسمي "لقب الصحفية"، لم يكن اختياري عبثيًا أو بمحض الصدفة أو حتى لحاجة سوق، كانت الصحافة السماء التي لطالما حلمت أن أحلق فيها، كنت أعلم أن المطبات لم تكن سهلة وأنها تستحق المخاطرة والمغامرة، منذ القدم قيل عنها "مهنة المتاعب" كنت أعلم ذلك جيداً منذ كنت طفلة تعشق قراءة الأخبار، وما يستجد لأصدقائها على منصة المدرسة، وكان لي جمال الحظ ان انعطفت بي الأقدار نحوها؛ لأعيش معها متاعب لا يمل منها.

ولكنني اسميتها "مهنة البحث عن القصص"، وبدأت أوثق حكايات الحب في زمن الحرب، وشخوصها العاشقين وذكريات الباقين مع الحب، وقصص الأحياء قبل أن يخطفهم الموت. أحببتها؛ فاخترتها لي حياة رغم علمي أنني سأكتب أعنف الأفعال (قتل، فجر، هدد، ندد، شدد، حاصر، مات، غرق)، وقلما سألتقي بعملي اليومي بشكل من أشكال السعادة والفرح، فنحن شعب يعيش الحب بين طيات الحرب. أقسمنا اليوم "باسم الله أن نخلص لديننا ولوطننا ولجامعتنا، وأن نحافظ على شرف المهنة"، وجعلنا الله شهيد على هذا القسم، ونلقي قبعة التخرج، وبيني وبين نفسي أقسمتُ بأن لا أكون مجرد رقمٍ على كاهل الوطن ونفسي، وألا أجعل لأحلامي سقفًا وأن أجعل لنفسي جناحين أحلق بهما بعيدًا حتى أصل لما أريد، وأن لا أدع اليأس والاحباط يعرفوا طريقهم إلى قلبي.

في هذه اللحظة لا أستطيع أن أعبر عن مشاعري مختلفة الفرح والسعادة والأمل والخوف من الغد والمستقبل، عتبة التخرج ليس لبس ثوب وإلقاء قبعة، بل هي نهاية البداية، وبداية النهاية الجديدة لمعركتنا مع مفاتيح الأقفال المغلقة بحياتنا، إن الله لا يضعك في طريقٍ، إلا وخلق فيك القدرة على اجتيازه، علينا أن نجعل المثابرة صديق حميم، والتجربة مستشار حكيم، والحذر أخ كبير، الدعاء عبقرية حارسة لرحلتنا التي تحتاج منا السعي والاجتهاد بعد التوفيق، ولا ننسي أن أثناء سيرنا بفتح الأقفال لا بد من لحظات التعب والفشل، ولكن علينا مصاحبة الإرادة القوية كي لا نطيل الوقوف على هذه اللحظات.