لكل منا قصته الفريدة التي كتبها بحروف من ذهب، قصة هو وحده فقط من يعرف خباياها وما بذله من جهد وليالٍ حتى يجني ثمار عمله ماثلة أمام عينيه، كل منا قد جاءت من مكان مختلف وبدأت من محطة تميزها، فلا أحد يعرف ما يدور في الكواليس، ولكننا جميعًا ننبهر بالنتائج الأخيرة، نقف أمامها تحت سطوة الدهشة والإعجاب بمن سبقونا ومن وصلوا إلى أحلامهم، نأمل ونتمنى لو أن هناك وصفة سحرية يستطيع أحدهم أن يمليها علينا لنتبع كل خطوة، وكل حرف فيها لعلنا نصل لذلك الهدف المنشود.

 وبالأخص نحن معشر النساء لدينا أمثلة كثيرة تشهد على نجاح المرأة، وقدرتها على تحقيق نجاحات خاصة وبازرة في الوصول إلى أماكن لم يبلغها أحد من قبل، ولكن في هذه اللحظة السؤال الأهم يكون: ما هي الصفات الجوهرية التي جمعت بين كل منهن؟ إنه شيء شديد الوضوح، يستطيع أن يدركه أي شخص عاقل، وهو أن النجاح نتيجة حتمية لمعادلة لها عدة معطيات ومقدمات، تلك المقدمات التي غالبًا ما تتجمع في شخصيات النوابغ، وسير الشخصيات الملهمة، وهذا ما سيكون محور حديثنا، لعله يكون مرجعًا مفيدًا ودليل يتبع أثره كل من يمر عليه.

| تقدم يد العون وتساعد الآخرين على النجاح

كثيرًا ما نسمع الإشاعات الخاطئة التي تظهر الشخصية الناجحة على أنها شخصية أنانية تسعى إلى إيقاع الآخرين في المشكلات وإفساد مخططاتهم لكي تصل إلى أهدافها الشخصية، ولكن على عكس ذلك تقول "هيلين كيلر": "عندما نقوم بأفضل ما في وسعنا، فلن نتخيل أبدًا ما هي المعجزة التي يمكن أن تتحقق في حياتنا، أو في حياة الآخرين". هذا ما يُظهره لنا الواقع أن تقديم النصائح والوقوف بجانب الآخرين مما كانوا في نفس المجال، أو غيره، لا يعود إلا بالفائدة على صاحبه، وهو الذي يجعله يحظى بالسمعة الطيبة والعلاقات الاجتماعية التي تعينه وتؤهله في ما بعد إلى الوصول إلى هدفه.

من أجل تمكين رائدات الأعمال، نجحت سيدة الأعمال السعودية "مها شيرة" صاحبة المشروع الأول من نوعه في المملكة السعودية تحت عنوان "She works" من أجل دعم احتياجات صاحبات المشاريع الصغيرة حيث تتحدث عن فكرة المشروع التي نبعت من عملها في مجال التصوير الحر، والذي جعلها تتلمس حاجة الكثير من النساء إلى مكان مناسب للقيام بأعمالهن خاصة أن معظمهن أمهات، وكان أكبر نجاح لهذا المشروع هو زيادة مساحات العمل المشتركة وانتشار ثقافة ريادة الأعمال، وما زلن مستمرات في طريقهن نحو تمكين النساء وتوفير الفرص لهن.

| تستغل جميع الأوقات وتتعامل مع الوقت بحرص

واحدة من أهم الصفات هي تقدير قيمة الوقت، فمهما قصر أو طال الوقت يظل قيمًا إذا ما تراكمت المهمات التي تم إنجازها فيه، ولكي تُحسن استغلاله يجب أن يكون لديك أهداف واضحة لما تريد أن تفعله بوقتك، أن تخصص وقتًا خاصًا بتطوير بنفسك لا أن تضيعه أو تترك الأمر للصدفة والظروف فكما تقول لويز أوتو بيترس: "التاريخ يعلمنا أن المرأة يتم نسيانها إذا نسيت النساء التفكير في أنفسهن"، وواقع الحياة يثبت صحة ذلك لأن كثيرًا من النجاحات تتحقق من خلال استغلال الأوقات الضائعة بين مهمة وأخرى، وأن تدرك جيدًا قيمة الخمس دقائق التي قد تصل في أهميتها إلى ساعة أو أكثر إذا استمر الإنسان في استغلال كل خمسة دقائق ضائعة من وقته.

| تعبر عن نفسها بوضوح

النجاح يعتمد على ركن أساسي، وهو قدرة الإنسان على التعبير عن نفسه بوضوح أمام الجميع، فلا يتخذ لنفسه ركنًا من الحياة، ويظل حبيسًا لأفكاره، ولا أن يهاجم الأفكار المضادة له بكل حدّة، تقول كوكو شانيل: "الأمر الأكثر شجاعة هو أن يكون لك فكرك الخاص، والتحدث به بصوت عالٍ". هذا ما يتفق مع أن تكون في نقطة متوازنة بين الجهتين، محافظًا على حقك من أن يهدر، أو يستغل ومعبرًا عن كيانك الخاص بكل ما يميزه من صفات ورؤى فريدة.

| تختار معاركها بعناية

 الشخص الناجح يعرف أهمية وجوده في هذه الحياة، وأن الدقيقة التي تمر لن تعود مرة أخرى إذا لم يحسن استغلالها، وهذا ما يجعل منه شخصًا حكيمًا في اختياراته، لأنه يعرف جيدًا أنه ليس كل قضية تحتاج منه رأيًا، ولا يتطلب كل جدال منه دفاعًا أو هجومًا على الطرف الآخر، فهو يتحرك بعد أن يفكر جيدًا في النتيجة التي ستعود عليه في النهاية وبناء على ذلك يقرر ردة فعله.

| تتعلم باستمرار

التعليم هو الفارق الجوهري بين شخص يعرف قيمة نفسه، وماذا يريد، وكيف يصل إليه وبين شخص آخر يكتفي بأن يحلم فقط بدون خطة واضحة تساعده على بلوغ هدفه، ولكي يستمر الإنسان في التعليم مدى الحياة يحتاج لأن يدرك قيمة مُهمة، وهي ما تحدثت عنه الملكة رانيا، ملكة الأردن: "علّم امرأة فستتعلم عائلة، علّم فتاة فستغير المستقبل". ذلك ما يشغل الرغبة في داخل كل فتاة وكل امراة لكي تظل دائمًا في حاجة لأن تعرف أكثر، وأنه دائمًا يوجد شيء جديد تحتاج لأن تتعلمه وتتقنه، فهي لن تصل أبدًا إلى القمة وإنما تظل في بحث دائم نحو الأفضل.

بعد نجاح الدكتورة المصرية هدى المراغي في أن تصبح أول سيدة في تاريخ كندا تتولى منصب عميد كلية الهندسة، تقول في لقاء خاص: "علينا أن نعمل حتى يصبح عدد النساء في المجتمع مماثلًا للعدد الذي تمثله النساء في مجال العمل، فعلى الرغم من أن نسبة النساء في المجتمع تتراوح ما بين 40 في المئة إلى 50 في المئة، إلا أن نسبة من يعملن في مجال الهندسة لم تتعدى 17 في المئة، وهذا يعود في الأساس إلى وصف مهنة المندسة وكأنها مهنة خاصة بالرجال فقط".

| تتعلم من كل خطأ ولكنها لا تنسحب

الشخصية الناجحة تعرف جيدًا أن الفشل هو الوجه الآخر للنجاح، وعن النهوض من جديد بعد الفشل تقول غادة السمان: "كل الذين ظنوا أنهم دفنوني واستراحوا، يجهلون أنني أنهض دومًا من رمادي". ما من شخص قد نجح في شيء قبل أن يفشل فيه، فالفشل والأخطاء في حد ذاتها هي تجارب توصلنا إلى النجاح، والإصرار والمحاولة على تغيير المعادلة لكل تصل إلى النتائج السليمة هو أمر يحتاج إلى قوة إرادة تجبر صاحبها على ألا ينسحب أبدًا، وأن يحفر في رأسه صورة لنفسه بعد أن قد وصل أخيرًا إلى أحلامه.

| تتحلى بالكرامة والثقة بالنفس

النجاح يتطلب شخصًا يتحلى بقدر من الثقة بالنفس، ثقة تجعله يدرك جيدًا من يكون وتعينه على أن يصدق بكل كيانه أنه يستحق شيئًا أفضل من ذلك، وهذا يتفق مع ما قالته الروائية الأمريكية سارة ديسن: "عليك ألا تشعري بالمفاجأة عندما يعاملك رجل باحترام، بل عليك أن تتوقعي ذلك طوال الوقت". إنك تستطيعين أن تحققي أهدافك، أما من يبيع نفسه وكرامته، فهو يضل طريقه منذ البداية، ولا يصل أبدًا وكأنما النجاح يرفض أن يكون مقترنًا بأي شيء غير عزة نفس صاحبه.

| تحدد أهدافًا واضحة وتسعى للوصول إليها

كيف ستصل إلى مكان ما وأنت لا تعرف أصلًا إلى أين تريد أن تذهب؟ يقول الكاتب آر إتش سين: "المرأة الأقوى هي من ترفض أن تعتمد على سيفك من أجل حمايتها، فهي تحمل سيفها الخاص". هكذا يكون الأمر عندما تملك هدفًا محددًا وحلمًا واضحًا، بل إن الحلم وحده لا يكفي إذا لم تعرف ماذا ستفعل لكي تصل إليه، أن يكون لديك خطة من خطوات كبيرة وأخرى صغيرة تأخذك أخيرًا في غايتك المنشودة دون أن تنتظر من يدفعك دفعًا نحو تحقيق أحلامك، أن تملك ذاتًا وإرادة داخلية تعينك على التخطيط والوصول لكل شيء.

من أجمل الأمثلة على النجاح في التخطيط واتخاذ رؤية واضحة للوصول إلى الهدف هي قصة نجود منصور، وهي إحدى النساء الناجحات اللواتي شاركن في مشروع المنح الصغيرة الذي بدا في الشمال السوري عام 2017، حيث استهدف المشروع عشرين امرأة، تم دعم كل منهن بمنحة مالية، وعن تجربتها تخبرنا نجود: "تعلمت في هذا المشروع كيف أحدد هدفي وما هو الغرض من المشروع وما هي المخرجات الخاصة به، وما هي الخطط التي سأتبعها حتى أصل إلى هدفي"، وبعد نجاحها في هذه التجربة توجه رسالة ونصيحة لكل امرأة قائلة: "لا يجب على الإنسان أن يتوقف أو يستسلم لأن الحياة بدون عمل هي لاشيء، ويجب على الإنسان أن يعمل بجد ويبحث جيدًا حتى يحقق هدفه، وأن يخوض التجربة دون أن يخشى المغامرة ويعتمد على نفسه حتى يصل إلى النتيجة التي يتمناها".

| لديها من القيم والمبادئ ما يدفعها نحو ما تسعى إليه

ماذا بعد؟ ولماذا بدأت من الأساس؟ "ليس السؤال هو من سيدعني، وإنما هو من سيجرؤ على إيقافي"، هذا ما قالتله "آين راند" وهو أن السؤال هو المعضلة التي يقف عندها الإنسان عندما يواجه صعوبات الطريق وتشتد عليه العقبات، وعندها يحتاج لسبب حقيقي يدفعه للاستمرار في تحقيق حلمه، فهو يملك من الإجابات والأسباب المقنعة ما يدفعه للاستمرار، أن يكون هناك شي بداخله يخبره أنه من أجل هذا السبب يحتاج أن يسعى لكي يحقق حلمه.

| لديها عقل قوي

النجاح يعتمد في الأصل على تحكم الإنسان في عقله وقدرته على قيادة نفسه، فهو لا يستسلم للظروف الراهنة، وإنما يمتلك من المرونة ما يعينه على تعديل مساره إذا لزم الأمر، ويحتفظ بقدر من الإيجابية التي تجعله يصدق قدرته على الوصول، تقول الملكة إليزابيث الأولى، ملكة إنجلترا: "أعرف أن جسدي ما هو إلا جسد امراة ضعيفة، أما قلبي فهو قلب ملك، بل هو قلب ملك إنجلترا أيضًا"، ذلك هو العقل الذي يعين صاحبه، العقل الذي لا يمثل عقبة أخرى في طريق النجاح."

| تستطيع أن تحقق التوازن بين جميع جوانب الحياة

من أهم ما قيل على لسان لوسيل ديزيرية بول: "أحبي نفسكِ أولًا وسيصطف كل شيء آخر من أجلك"، فالعمل وحده ليس الطريق الوحيد الذي يصل بنا نحو النجاح، فالإنسان الحكيم يعرف أننا نملك روحَ وعقلَ جسد، وقلبًا يحتاج كل منها لغذاء خاص، فلا يمكن أن تعتمد على العمل وحده في حياتك وتتجاهل بقية الجوانب الحياتية، فالحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن يجعل صاحبه قادرًا على الاستمرار والعودة للبدء من جديد بكل نشاط واستعداد.