بنفسج

كيف ساعدتني الكتابة على تخطي الأوقات الصعبة؟

الأربعاء 16 مارس

ربما لم يعد هناك متسع من الوقت لكي يقرأ أحد ما تخطه أقلام الكاتبين؛ فمواقع التواصل التي تبثّ الكثير من المحتوى الجذّاب السريع الذي بدأ يسرق منّا، ليس فقط أوقاتنا، بل أحلامنا وإنجازاتنا أيضًا، لم تعد تعطينا الرغبة في قراءة المقالات الطويلة والكلمات الثقيلة، لكنني قررت أن أكتب لنفسي، لأنني أحمل الكثير من الافكار والمشاعر في قلبي وفي عقلي، وأسعى من خلال الكتابة أن أرتب أفكاري وأفهم مشاعري، وأحب أن أنقل لكم تجربتي مع الكتابة لحل بعض المشاكل والأزمات التي مررت بها .

فلم تعد لدي الكتابة وسيلة لإخبار الآخرين عن أمر ما، بل أصبحت وسيلة لإخبار نفسي عن نفسي! لسماع صوتي الذي قلّ صداه بسبب كثرة الأصوات المتداخلة عليه، ولفهم مشاعري التي تخبطت مع ما يمليه عليّ الآخرون من فهمهم لمشاعرهم ونظرتهم للأمور. أن تمسك ورقة وقلمًا وتسترسل في الكتابة نهرًا متدفقًا من أعماق فكرك إلى الورقة البيضاء، لهو شيء له من الفائدة ما وجدته بنفسي علاجًا ناجعًا للكثير من المشاعر السلبية من القلق والغضب والحزن، بل إنه أيضًا يساعدك على حل المشاكل التي تعتريك ويعينك على اتخاذ القرار السليم حين يكون التردد والحيرة سيّدا الموقف.

سرّ الكتابة في علاج مشاكلنا يكمن في أنك حين تمسك القلم، فإنك ضمنيًا تحث عقلك على ترتيب أفكارك، ومن ثم تترتب كلماتك، وتحث قلبك على توضيح مشاعرك، ثم يسهل التعبير عنها بكلمات مفهومة، بالتالي تصبح مشكلتك أوضح بالنسبة لك وتفكيرك أكثر صفاءً، فتبدأ بالبحث عن الحل بطريقة سليمة.

لقد مررت بأوقات يعلم الله أنها كانت عصيبة، كدت فيها أن أفقد السيطرة على مشاعر الحزن أحيانًا، أو مشاعر الغضب أحيانًا أخرى، كنت على وشك اتخاذ قرارات متسرعة تخلو من الحكمة والحيرة، فقط لأن المشاعر السلبية تسيطر عليّ. لكن ألهمني الله في تلك الأوقات أن أمسك ورقة وقلمًا وأكتب ما يجول في عقلي وقلبي، وذلك لكثرة ما كنت أسمع عن أثر الكتابة في ترتيب الأفكار. سرّ الكتابة في علاج مشاكلنا يكمن في أنك حين تمسك القلم، فإنك ضمنيًا تحث عقلك على ترتيب أفكارك، ومن ثم تترتب كلماتك، وتحث قلبك على توضيح مشاعرك، ثم يسهل التعبير عنها بكلمات مفهومة، بالتالي تصبح مشكلتك أوضح بالنسبة لك وتفكيرك أكثر صفاءً، فتبدأ بالبحث عن الحل بطريقة سليمة.

أحيانًا لا يكون هدفي من الكتابة لنفسي هو البحث عن الحل، بل يكون فقط لترتيب الأفكار وإخراج هذا العبء القابع على عقلي الذي يربكني ويربك تفكيري؛ فبمجرد وضعه على الورقة أشعر وكأنني فضفضت عن مشاعري وخواطري وأحزاني لشخص آخر؛ فأشعر براحة كبيرة، وكأن عبئًا ثقيلًا أُزيح عني. لا تستهن بالكتابة أبدًا وإن كنت غير مقتنع فجرب! لن تخسر شيئًا بل ستكسب الكثير بإذن الله.

قال الله تعالى في القرآن الكريم "علّم بالقلم"، أي علّم بالكتابة صنوف العلم والمعرفة والحكمة، فحري بهذا القلم أن يعلّمنا عن أنفسنا ويعرّفنا على نقاط قوتنا وضعفنا، ويساعدنا على إيجاد حلول لمشاكلنا . ونرى الآن الكثير من مختصي فنون الإدارة وتنظيم الوقت وتحديد الأهداف، يدعون إلى استخدام الكتابة بشكل كبير لإدارة أمور حياتنا المختلفة، ومن طرق الكتابة التي ينادون إليها هي العصف الذهني وكتابة قائمة المهمات، وأيضًا ما يعرف بالـ brain dump وهو أسلوب للتفريغ العقلي وغيرها، وذلك لما للكتابة من أثر على ترتيب الأفكار وتنظيمها.


اقرأ أيضًا: "صديقتي المذهلة": رواية تحكي صراح الحب والحلم


إن كبَّلتك الهموم من كل صوب وناحية وتشتَّتَ في أمرك واحترت في قرارك، فعليك بورقة وقلم، واجعل القلم لسان عقلك. من خلاله أخبر الورقة بالخيارات المتاحة أمامك وبتوابع اتخاذ كل خيار. أخبرها أنك تميل إلى قرار كذا لأجل كذا، وأنك تخشى من كذا بسبب كذا. أخبرها بكل ما يدور في عقلك وما يختلج كيانك.  لا يهمّ بأي لغة تكتب، ولا يهم إن كانت الكتابة صحيحة لغويًا أم لا، فلن يقرأ أحد سواك، المهم أن تكتب كل ما تشعر أنك بحاجة للبوح به.

وصدقني بعد ممارستك للكتابة ستشعر أنك لم تعد تحتاج لصديق تخبره دائمًا بكل مشاكلك وأهدافك ورغباتك وهمومك. بالتالي، ستكون فكرة جيدة لتستعين على قضاء حوائجك بالسر والكتمان! فما أكثرها من أهداف نطقنا بها لأحد فأحبطنا وخذلنا، وكم من هموم حدثنا بها غيرنا فلم نستفد منهم سوى نشر مشاكلنا الخاصة التي لو سترنا بها أنفسنا لكان خيرًا لنا؛ فاجعل من الكتابة طريقًا للتنفيس عن دوامات التفكير المسيطرة عليك، واجعل من دفترك صندوق سرك الذي لا يفشي سرك ولا يبوح به لأحد.