بنفسج

الكتابة باسم مستعار: التستر تحت عباءة الجنس الآخر!

الأربعاء 09 مارس

لطالما كانت الكتابة باسم مستعار كالاستجارة من الهوية بغيابها، أو بتعبير أكثر وضوحًا لإخفاء الهوية لحمايتها من السخرية، أو التقليل من شأن إنتاجها، أو من السلطة الاجتماعية الأبوية، أو من السلطة الدينية، أو حتى للاحتماء باسم الرجل الذي كان في وقت من الأوقات يمنح الكاتب شكلًا من أشكال الجدّية. يروم هذا المقال إلى التأصيل التاريخي لبعض نماذج النساء اللاتي اضطررن إلى الكتابة بأسماء مستعارة لرجال من أجل أغراض تعلّقت بسلامتهن الشخصية، أو حمايتهن من الوصم المجتمعي بسبب آرائهن، أو لأسباب تتعلق بحياتهن الشخصية.

 ويدقق المقال في أسباب هذه الاختيارات، كما يعرض حالات معاكسة اختار فيها رجال أن يكتبوا بأسماء نساء، وصولًا إلى العصر الحديث. والحالة المثيرة للجدل للكاتبة الإسبانية الأكثر مبيعًا، كارمن مولا التي تبيّن أنها عبارة عن ثلاثة رجال مجتمعين يكتبون معًا قصص التشويق والإثارة، ويحصل ثلاثتهم على جائزة بلانيتا المرموقة ويقسمونها بينهم. يقارن المقال بين الغرض من الاستعارة في الحالتين، ومدى الاضطرار والاستفادة معًا، ويجيب عن سؤال مدى الاضطرار والحاجة للاستعارة بين الفريقين.

| فرجينيا وولف: حرب مع المرأة الملاك !

تذكر فرجينيا وولف، الكاتبة النسوية المعروفة في مقالها "مهن للنساء"، أن كل كاتبة – على الأقل في جيلها – كان عليها أن تخوض معركة مع الصورة الخيالية للمرأة الملائكية التي تعيش في المنزل، تلك المرأة التي "تتمتع بعاطفة جياشة، ونكران مهيب للذات، يُرى في حياتها اليومية الصعبة، حيث تؤثر على نفسها ولو حُرمت من طيب العيش".
 
تقول فريجينيا عن نفسها إنها كان عليها أن تقتل فكرة الاستشهاد الذاتي تلك التي تبدو بلا معنى مرات ومرات، لكنها ترى في الوقت أن نسوة كثر وقعن ضحية صورة المرأة الذهنية الفاضلة، خاصة في الكتابة، منذ أن قررن الكتابة بأسماء رجال مستعارة.

تذكر فرجينيا وولف، الكاتبة النسوية المعروفة في مقالها "مهن للنساء"، أن كل كاتبة – على الأقل في جيلها – كان عليها أن تخوض معركة مع الصورة الخيالية للمرأة الملائكية التي تعيش في المنزل، تلك المرأة التي "تتمتع بعاطفة جياشة، ونكران مهيب للذات، يُرى في حياتها اليومية الصعبة، حيث تؤثر على نفسها ولو حُرمت من طيب العيش، فنصيبها من الدجاجة القدم اليابسة، ونصيبها من الخبز أقدمه، تُنكر رغبتها في كل شيء وتؤثر عائلتها على نفسها". تقول فريجينيا عن نفسها إنها كان عليها أن تقتل فكرة الاستشهاد الذاتي تلك التي تبدو بلا معنى مرات ومرات، لكنها ترى في الوقت أن نسوة كثر وقعن ضحية صورة المرأة الذهنية الفاضلة، خاصة في الكتابة، منذ أن قررن الكتابة بأسماء رجال مستعارة.

بدايةً من جين أوستن التي تكتب روايتها على قطع صغيرة من الورق، وتخفيها في غرفة الجلوس حتى لا يراها أحد، مرورًا بجورج إليوت التي استخدمت الاسم الأول لعشيقها بدلًا من اسمها خوفًا من الفضيحة، وحتى الأخوات برونتي الثلاثة اللائي اضطررن لنشر كتاباتهن بأسماء "رجال"، خوفًا من ألا يؤخذن على محمل الجد كونهن نساء. وفي الحقيقة، أن الحالات الأربع لتلك النسوة اللاتي تعرضت لهن فرجينيا وولف، كن من مستويات اجتماعية وأوضاع متباينة، إلا أنهن اضطررن جميعًا لخوض ذات التجربة، واللجوء إلى ذات الاختيار، وهو الكتابة باسم رجل.

| جين أوستن: الآنسة التي لا تحب أن يعرف أحد أنها كاتبة

تذكر الباحثة في جامعة ديبو الأمريكية، نايتي فين، في بحثها التاريخي حول ظاهرة كتابة النسوة بأسماء مستعارة لرجال، أن جين أوستن كانت واحدة من اللاتي استطعن التخلص من "هوياتهن المجهلة"، وكان ذلك من خلال روايتها "حب وكبرياء"، الرواية التي استطاعت أن تخرج بها أوستن من نطاقها العائلي إلى نطاق اجتماعي أوسع حين نشرت عام 1811، بهويتها الجندرية بدلًا من اسمها.
 
 فجاءت ممهورة ب "توقيع الآنسة"، غير أن الأمر اختلف تمامًا بعد نجاح روايتها، وحظيت بدعم والدها جورج أوستن. إلا أنها، بعد ذلك كله، ولظروف اجتماعية محيطة بها، لم تكن مرتاحة لفكرة عملها في مجال النشر، فحافظت دومًا على تغطية مسودات رواياتها.

تذكر الباحثة في جامعة ديبو الأمريكية، نايتي فين، في بحثها التاريخي حول ظاهرة كتابة النسوة بأسماء مستعارة لرجال، أن جين أوستن كانت واحدة من اللاتي استطعن التخلص من "هوياتهن المجهلة"، وكان ذلك من خلال روايتها "حب وكبرياء"، الرواية التي استطاعت أن تخرج بها أوستن من نطاقها العائلي إلى نطاق اجتماعي أوسع حين نشرت عام 1811، بهويتها الجندرية بدلًا من اسمها، فجاءت ممهورة ب "توقيع الآنسة"، غير أن الأمر اختلف تمامًا بعد نجاح روايتها، وحظيت بدعم والدها جورج أوستن. إلا أنها، بعد ذلك كله، ولظروف اجتماعية محيطة بها، لم تكن مرتاحة لفكرة عملها في مجال النشر، فحافظت دومًا على تغطية مسودات رواياتها، وعدم إفشاء سر هذه الكتابات حتى للخدم في منزلها.

" إن معرفتها كامرأة بالأعمال المنزلية العادية جعلها تستثمر ذلك في الكتابة"، وأضاف يقول: "إن لكتاباتها جودة تُظهر الأعمال المنزلية بشكل لا يحتاج إلى عبقرية أو خيال فريدين".

وتشير الباحثة فين أنه فريجينا وولف، وصفت روايات أوستن على أنها "أكثر الكاتبات اكتمالًا في الأدب الإنجليزي، حيث إن رسمها للشخصيات كان شديد الواقعية، سخريتها كانت قوية ومعرفتها ببواطن أمور الطبقة الوسطى العليا في المجتمع الإنجليزي آنذاك، كان لا مثيل له، كما أنها أكثر امرأة حظيت بردود أفعال إيجابية على كتاباتها التي غالبًا ما حظي أبطالها بالنهايات السعيدة الأبدّية، على حد وصف وولف، حيث تستفيض وولف في وصفها لروايات أوستن التي ركّزت على الحياة اليومية للنسوة الإنجليزيات بلا بوادر لجريمة ما، أو تورط سياسي من أي نوع لأبطالها.

وعلى الرغم من كل تلك الإيجابية لم يتسن لجورج لويس، أحد النقاد الذين عاصروها، أن يركز على كونها امرأة تنجح في مجال الكتابة حين قال ما أوردته الباحثة، وجاء على لسان جورج لويس: " إن معرفتها كامرأة بالأعمال المنزلية العادية جعلها تستثمر ذلك في الكتابة"، وأضاف يقول: "إن لكتاباتها جودة تُظهر الأعمال المنزلية بشكل لا يحتاج إلى عبقرية أو خيال فريدين".

| جين ماري إيفانز أو السيدة جورج إليوت!

inbound50261627275576418.jpg
الكاتبة ماري إيفانز من اللواتي غيرن أسمائهن لاسم مستعار فحولته لاسم رجل وسمت نفسها جورج إليوت

حتى قبل أن تغيّر اسمها، لم تكن ماري إيفانز مرتاحة لاسمها، حيث غيّرته من جين ماري إلى ماريان، ثم غيّرته ليظل اسمها حتى وفاتها ماري آن. أرسلت ماري آن إلى مدرسة داخلية وهي في عمر الخامسة، ثم إلى بيت أسرتها بعد وفاة والدتها، ثم رفضت ماري آن ديانة والدها، أو حتى مسؤولية المنزل وتركته، أما علاقتها بالمجال الأدبي والفكري، بدأ حين شرعت في مراسلة مجلة "لندن وستمينيستر ريفيو". لاحقًا اختارت اسم جورج إليوت، كاسم مستعار لتكتب به، لتبعد الأنظار عنها والألسنة أيضًا، ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب، فالناقد الذي أثنى على أعمال أوستن، وهو جورج لويس، لعب دورًا مختلفًا في حياة ماري آن، فقد كان رجلًا متزوجًا، ولكنهما عاشا معًا عاشقان يلتقيان لمدة عام.

inbound6454598439654126107.jpg
ماري آن أو جورج إليوت مع الناقد جورج لويس الذي كان يُثني على أعمالها وهذا بسبب علاقتهم السرية التي دامت لعام

وتذكر الباحثة "فين" على لسان المؤرخة الأدبية كارميلا سيروراو: "من العدل القول إنه لولا تضحيات جورج ودعمه، ووقوفه إلى جوار ماري آن لم تكن أسطورة الكاتبة لتولد". كما أرادت ماري آن التي عبرت عن احتجاجها الصاخب ضد بعض الأفكار الدينية والسيطرة البطريركية على المؤسسة الدينية، من خلال كتاباتها، أن تفصل عن أذهان الجمهور ماري آن التي تعيش في الخطيئة مع رجل متزوج عن الكاتبة ماري آن التي تمتعت كتاباتها، باستقبال ممتاز من الجمهور الذي أقبل على إنتاجها الأدبي بحرارة كبيرة.

| الحالة المثيرة للجدل لكاتبة هاري بوتر!

جي كي رولينج.jpg
الكاتبة جي كي رولينج التي كتبت هاري بوتر

لم تكن الكتابة من أولويات رولينج، حتى قررت أن "تتوقف عن عمل كل شيء وتركز في الكتابة"، بدأ الأمر باهتمامها بالكتابة في مهرجان إيستفود (وهو مهرجان يُحتفل به في ويلز حيث به في الأدب والموسيقى والعروض التمثيلية المباشرة)، حتى أنها حصلت فيه على بعض الجوائز. اختارت "جوان"، وهو اسم الكاتبة الحقيقية لهاري بوتر، اسمًا مستعارًا بشكل جزئي، وهو جي كي رولينج، بعد أن نصحها أن الناشرين أن أحدًا لن يقرأ كتبًا عن الخيال والساحرات لكاتبة تسمى "جوان"، لذا اختارت جوان أن تتقنع بشكل جزئي بإخفاء اسمها خلف حروف مختصرة، ليقع جمهور قرائها في شك ما حول الهوية الجندرية لصاحب العمل.

ولكن اليوم يمكن القول إنه وبعد النجاح الذي حققنه النسوة في مجال الكتابة، فقد اختلف المشهد بشكل كامل، بل يمكن القول إنه إذا كانت النسوة قد لجأن في الماضي لاستعارة أسماء الرجال لحمايتهن من ردود أفعال المجتمع والسلطة الدينية، واستخدام جنسهن في الوصم المجتمعي ككاتبات لهن صوت، حين كان التعبير عن الرأي بالكتابة بدعًا من الفعل، أصبح هناك استخدام من الرجال لأسماء النساء الأمر الذي يثير جدلًا حول أغراض هذا الاستخدام ونواياه.

فإذا كان الرجل حظي، ولا يزال يحظى في كثير من المجتمعات بمزايا التعبير الحر بالكلمة أو الكتابة عن آرائه، فلماذا قد يستخدم اسم امرأة لإخفاء هويته؟ هل للأمر علاقة بالتجارة، أو البيع، أو استغلال اتجاه العالم المعاصر لمناصرة حقوق النساء في الكتابة والنشر والتعبير عن أرائهن؟

| كيف تبدو؟ السؤال الذي غير اسم كاتب العمل

رايلي ساجر، كاتبة مبتدئة حظيت بدعم كبير لكتابها "البنات الأخيرات". يقول ستيفن كينج عن الرواية إنها مثيرة للاهتمام، لكن هذا العمل "البنات الأخيرات"، هو عمل كتبه رجل يُدعى تود رايتر. والحقيقة أن رايتر ليس أول رجل – لا يرى مشكلة في أن تظنه امرأة على حد تعبير وول ستريت جورنال الأمريكية، أو الكاتب الذي استخدم حروفًا مختصرة للتعبير عن اسمه، وهو آي كي آي دانيل مولروي، لروايته قبل الذهاب إلى النوم، حيث كان القرار بإخفاء هوية الكاتب قرار الناشر بالأساس، وذلك حين سأله أحد المحررين في رسالة إلكترونية "كيف تبدو الكاتبة؟". وجد الناشر أن إخفاء الهوية الحقيقية، وعدم نفي أو إثبات كونها أنثى، يعني أن الصوت قد ينجح أكثر في عالم الروايات الرومانسية لو كان صوت امرأة.


اقرأ أيضًا: شهرزاد تكتب: الأدب النسائي في النضال والانتصار ودورة الحياة


وقد استُغل هذا الصوت على نحو واسع، حيث إن الكاتب البريطاني إيان بلير كتب 29 قصيدة رومانسية باسم إيما بلير. أما المثير للاهتمام في الأمر، ما تذكره الجارديان نفسها، عن أن قصة استعارة أسماء النساء للترويج والدعاية، ودغدغة مشاعر الجمهور، اسُتخدمت في الزمن الماضي، منها تقديم الكاتب سامويل جونسون نفسه كعاملة للجنس تسمى ميسيلا.

| كارمن مولا: أو كيف تحتال باسم امرأة!
كارمن مولو.jpg
هؤلاء الثلاثة هم : خورخي دياز، وأوجستين مارتينز، وأنطونيو ميرثيرو، وهم الذين لطالما نشروا أعمالًا تحت اسم امرأة مستعار وهو كارمن مولا

في إسبانيا، العام الماضي، صعد إلى منصة الاحتفال بجائزة "بلانيتا" الإسبانية ذات المليون يورو، ثلاثة رجال هم: خورخي دياز، وأوجستين مارتينز، وأنطونيو ميرثيرو، وهم الذين لطالما نشروا أعمالًا تحت اسم امرأة مستعار وهو كارمن مولا.

وتورد وكالة الأنباء الإسبانية في خبرها عن الجائزة، أنها تُعطى للأعمال الفردية، ويرد أوجستين مارتينز على ذلك بقوله: "إن فنونًا أخرى تحظى بالتقدير الجماعي مثل الموسيقى والرسم، فلماذا لا يكون للأدب ذات الإمكانية؟". يقول الكتّاب الثلاثة عن كارمن مولا المتخيلة، إنهم لن يتوقفوا عن استخدام هويتها الخيالية، وأن الفارق الوحيد الآن هو أنهم لن يضطروا "للكذب" على أصدقائهم.

يرصد الكاتب نيكولاس كايسي في جريدة نيويورك تايمز، حالة الإحباط التي اجتاحت المجتمعات الثقافية في إسبانيا، منهن الشاعرة الإسبانية لورا كاسياليس التي عبّرت عن إحباطها من أنها لم ترَ دعمًا حقيقيًا لأعمال أدبية أنتجتها نساء في إسبانيا، وأنه حين لاح في الأفق نور، كان الأمر مجرد احتيال من ثلاث رجال لا أكثر. وأضافت: "أن نرى رجالًا يحاولون استغلال هذا النجاح تجاريًا، فإن ذلك ولا شك سيترك آثاره على المدى البعيد".

وبالمقارنة بين الحالين، فإن هناك جانبين أحدهما مضيء في قصة الاحتيال تلك، والآخر مظلم، أما الجانب المضيء، فيعكس أن أصوات النساء اللاتي حاولن على مدى عقود الخروج من بوتقة البطريركية، والإشراف الأبوي على ما تكتبه النساء نجحن بالفعل في الحصول على الاهتمام لما يكتبن، وحققن نجاحات ساحقة في كثير من المحطات، أما الجانب المظلم، فهو الاستغلال التجاري لهذه النجاحات، إما لخداع الجمهور لتحقيق مزيد من النجاحات التجارية، أو للفت الانتباه لا أكثر.