بنفسج

احذري لا تستشيري... إلا!

السبت 01 أكتوبر

كثيرًا ما نردد في موروثنا الشعبيّ والاجتماعيّ "ما خابَ مَن استشار"، ولكني هنا لأقول لكِ أنتِ بالذات لا تستشيري!
في الآونةِ الأخيرة، كنوعٍ من التأمل بالواقع الحالي، كنتُ أراقب بصمت المجموعات النسائية على الفيس بوك بشكلٍّ خاص، والتي أصبحت منتشرةً بكثيرة اليوم لأغراضٍ مختلفة، خصوصًا للمغتربين، أوحتى المختصة بمراجعات الكتب، أو مشاركة الإنجازات الشخصية تلك التي تعطي حافزًا للمتلقي والعديد من الأفكار الجديدة.

غير أنَّ بعض السيدات ولأسبابٍ شخصيّة بحتّة ينشرن بعض مشكلاتهنّ الخاصة على هذه المجموعات، وهنا أراقب سيل الاقتراحات التي تنهال عليهنَّ، والملفتُ بالأمر أنَّ هذه الاقتراحات مختلفةٌ اختلاف شديد، لا يتفق أصحابها على رأيٍّ واحد.
فمثلًا قد تكتشتفً سيدةٌ ما بأنَّ زوجها يخونها، تتراوح التعليقات على هذه المشكلة بما يلي: "حسبي الله فيه، الرجال كلهم هيك!، ولسه معه؟ اخلعيه! اتركي له البيت وروحي، ارمي الأولاد بوجهه تطلقي وتزوجي، اعمليله فضيحة، اصبري معلش مشان أولادك!".

تختلف الظروف الفرديّة والبيئة المحيطة بكل سيدة اختلافًا شديدًا، ولا يعني ذلك بأيّ حالٍ من الأحوال أن تقبل النساء في أيّ مكان الظلم أوالإهانة أوالتجريح، ولكن ما يراهُ البعض بديهيّ وطبيعيّ من مكانهم قد يكون صعبًا ومستحيلًا في حالاتٍ أخرى، بل تشجيع بعض النساء على ما يظنه البعض الآخر خيرًا ومناسبًا، قد يكون له نتائج خطيرة.

أتخيلُ على الجانب صاحبة السؤال وهي تقرأ كل ذلك التناقض، وتُشحن انفعالاتها وعواطفها للحدِّ الأقصى، وهل تفكر بالانقضاض على الزوج، أو تجاهله، أو التفكير بأسلوبٍ مناسب ليشعرَ بالأسف على نفسهّ. هل تحل مشكلة صاحبة السؤال بهذه الطريقة؟ تنوع الموارد والمصادر لكل المشاركات، وتنوع المستوى الثقافي والاجتماعي، بل والديني، وتعتمدّ إجاباتهن بشكلٍ أساسيّ على تجاربهنَ الشخصية، وبذلك قد يكون بعضهنّ مصدوماتٌ عاطفيًّا أو مررن بتجارب مؤلمة، لا زلنّ لم يتعافينّ من آثارها عليهنَّ. وحسب خبرتي في العمل في العلاج النفسيّ يستحيلُ أن يكون ذلك أسلوبًا مجديًّا، فما يناسب فاطمة وبيئتها وظروفها، قد لا يتوافق بالمرة مع ماتعيشه سحر!

تختلف الظروف الفرديّة والبيئة المحيطة بكل سيدة اختلافًا شديدًا، ولا يعني ذلك بأيّ حالٍ من الأحوال أن تقبل النساء في أيّ مكان الظلم أوالإهانة أوالتجريح، ولكن ما يراهُ البعض بديهيّ وطبيعيّ من مكانهم قد يكون صعبًا ومستحيلًا في حالاتٍ أخرى، بل تشجيع بعض النساء على ما يظنه البعض الآخر خيرًا ومناسبًا، قد يكون له نتائج خطيرة.


اقرأ أيضًا: الجروبات النسائية": أنتِ تسألين والمفتي/يات يجبن!


في العلاج النفسي، أرى العديد من النماذج اللاتي ترضى بالكثير من الظروف المعيشيّة الصعبة، أشعرُ في قرارة نفسي حينًا في الألم ولكني احترم أيّ قرارٍ تقرره السيدات لأنها هي الأعرف بظروفها، وهي الأدرى بما ينتظرها بعد كل قرار، ما أفعله بجهدٍّ وجدّ، دعم قرارها واحترامه وقبل ذلك تبصريها بنقاط قوتها وضعفها، والبحث عن مصادر قوتها لتقرر هي بذاتها وحسب ما يناسبها القرار المناسب لحياتها هي، وإلا فلو افترضتُ ما أراه من وجهة نظري وطبقته ربما لن تجدخ مجدي، لأنه لاينسجم مع محيطها، ولا ينسجم مع المقومات الموجودة لديها في بيئتها, ولا ينسجم مع ذاتها فتراها قد تندم أشد الندم بعد قرارٍ أخذته بالتوجيه غير المدروس من خارج ما تعيشه.

لذلك، كلما واجهتكِ مشكلة سأشجعك طبعًا على الاستشارة، ولكن احرصي على معرفة الشخص الذي تستشيرينه، وتحريّ أن يكون شخصًا متوازنًا وثقة بالنسبة لك، أو صديقًا تثقين به ويخبرك بالحقيقة دون مجاملة دومًا. تخيّري دومًا من تأخذين رأيهم بحياتك الشخصيّة، واحذري الاستماع لمصادرة عديدة، وتذكري أنّ المشاكل الشخصيّة لن تحلَّ من غريبٍ بتعليقٍ على فيس بوك، أو نصيحة عابرٍ، على العكس تمامًا أنَّ النصيحة العابرة قد تكون هدامةً وأذاها أكثر من نفعها. وقد تساءل البعض، ألا نوجه النساء لينجونًّ بأنفسهنّ في حال كنَّ يتعرضن للتعنيف مثلًا؟ 

في هذه الحالة بالطبع يتوجب علينا التوجيه والإرشاد والنصح، ولكن حتى هذا يجب أن نكون متأكدين من أنَّ مانوجه إليه هذه المرأة سيعود عليها بالنفع، لا أن يزيد واقعها مأساة، بعد النظر بظروفها عن قرب وإجراءات الحماية في الجهة الموجه لها.