بنفسج

تحديات مزدوجة: قراءة في حياة أم عازبة [2]

الثلاثاء 13 سبتمبر

_
_

في الجزء الأول من مقال الأم العازبة تحدثنا عن تعريف الأم العازبة ودراسات عالمية حول الموضوع، وأسباب وجود أم عازبة تتحمل مسؤولية الصغار وحدها دون معيل يشاركها تفاصيل الحياة ومشاكلها وتحدياتها. نتحدث هنا عن العوامل المؤثرة على نوعية حياة الأم العازبة. وعن الطفل الذي يعيش في عائلة مشتتة وأثر ذلك عليه. وسنوضح كيف ندعم الأم العازبة أيضًا.

| العوامل المؤثرة على نوعية حياة الأم العازبة

 
تتأثر حياة المرأة بمتطلّبات المنزل وتربية الأطفال (التي تقع على عاتق الطرفين، ولكن نرى كيف أن الأم ملزمة بشكل أو بآخر أكثر من الرجل)، تجهيز الطعام والغسيل والتدريس وغيرها من المتطلبات.
 
 عندما تضطر إلى العمل بشكل مكثّف كون أحد الأطراف قد كفّ يده عن أولاده، يصبح الحمل ثقيلًا على ظهرها، خاصةً وأننا نعرف كيف يسري التمييز بين الجنسين، من فجوة الأجور وحتى التقييم غير العادل على المستوى المهنيّ.

لا يمكن الحُكم على حياة تخلو من الأب، على أنها سيئة تمامًا أو ناقصة كثيرًا، فعندما يشهد الأطفال عُنف أبيهم، خلله النفسي الذي يؤثر عليهم سلبًا في مختلف مجالات حياتهم، ولا يشهدون قطرة حنان أبوّة منه، هنا تنقلب موازين برّ الوالدين، وتُصبح التربية صالحة بلا أب. شهدت حالاتٍ عاشت فيها الأسرة مكوّنة من أمٍ تقوم بدور الأب والأم، وأولادًا قد تربّوا على يديها أفضل تربية، لم يكن الأمر بالسهل، ولكنها فعلتها!

ولكن، لنكُن واقعيين أيضًا، أن تقوم بدور شخصيتين في مسلسل الحياة، هذا أمرٌ صعب. أن تكون مسؤولًا عن الحنان والحزم، عن مسؤوليات البيت من الداخل، ومسؤوليات تأمين حياة كريمة خارج المنزل، هو أمرٌ صعب ومُجهد. بحسب إحصائيات شملت مجموعة معينة من النساء هنّ نساء أمريكا، تبيّن أن الأم العازبة تخوض صراعات في نوعية حياتها، فالأمر لا يتوقف عند حدود التربية، ترى الأم العازبة نفسها أمام تحدّيات حياتية مزدوجة، فقد كان هناك كتفٌ تتكئ عليه، والآن، هي لوحدها.

| الوظيفة والتوظيف

عازبة 6.webp
العوامل المؤثرة في حياة الأم العازبة كثيرة لذلك عليها الصمود في وجه التحديات وترتيب الأولويات

قد تعمل الأمهات العازبات خارج المنزل لتأمين القوت اليومي، وفي أيّ زمان ومكان، تشير الإحصائيات إلى زيادة أعداد الأمهات العازبات اللواتي يعملن خارج المنزل، ولكن الفكرة هنا، مهما عملت المرأة الأم العازبة، ومهما كانت لديها القدرة للعمل، فلن تستطيع سدّ فجوة المصروف كما يفعل معظم الرّجال.

تتأثر حياة المرأة بمتطلّبات المنزل وتربية الأطفال (التي تقع على عاتق الطرفين، ولكن نرى كيف أن الأم ملزمة بشكل أو بآخر أكثر من الرجل)، تجهيز الطعام والغسيل والتدريس وغيرها من المتطلبات، فعندما تضطر إلى العمل بشكل مكثّف كون أحد الأطراف قد كفّ يده عن أولاده، يصبح الحمل ثقيلًا على ظهرها، خاصةً وأننا نعرف كيف يسري التمييز بين الجنسين، من فجوة الأجور وحتى التقييم غير العادل على المستوى المهنيّ. بينما لو قارنّا بين وضعها كأم عازبة ووضعها مع وجود الزوج، نرى أن يمكنها مع وجود الزوج ألّا تعمل ببساطة، أو أن تعمل بما يناسب وقتها، وأنها مرتاحة بنسبة معيّنة من قضية المصروف الذي يدفع الأم العازبة إلى العمل بلا توقف، لأن الزوج مسؤول تمامًا عن تلبية متطلباتها وأولادها، وعن المصروف كاملًا.

| الفقر

إن مستوى الفقر بين صفوف الأمهات العازبات أكثر بكثير من العائلات التي يعيلها الطرفان، وهو ما يضعهنّ في حالة نفسية محطمة صراحةً. في استطلاعٍ أجري مؤخرًا، بلغ معدل الفقر في صفوف الأسر التي ترأسها أم عزباء – بغض النظر عن سبب كونها عزباء - حوالي 31%، بينما كانت النسبة في صفوف الأزواج 5% فقط.


اقرأ أيضًا: هل تُدفن الأمهات؟ آراء وحلول


إذا لم تكن الأنثى تملك دخلًا فرديًا خاصًا قبل أن تتزوج، فهذه كارثة، وإذا لم تكن ذات دخل فردي "قوي"، فتلك كارثة أكبر بوجود الأطفال. قد تجد من يشفق على حالها ويساعدها، وقد تتلقى إعانات من بعض المنظمات الخيرية، ولكن ذلك ليس كفيلًا بنشلها من حالة الفقر.

| التشرّد: أقسى أنواع المعيشة للأم العازبة

الام العازبة 7.jpg
الأم العازبة تتحمل مسؤولية كبرى تجاه نفسها وأطفالها

كون الأُسر التي تعيلها أمهات عازبات هي من أفقر الأُسر، فهي منطقيًا معرّضة للتشرّد. نعني بالتشرّد هنا عدم تمكّن الأم من إدارة الأمور المنزلية، من عبء تكلفة السّكن إذا كانت مستأجرة ولا تعيش في بيتٍ ملكٍ لها، إلى عبء تأمين الطعام والطبابة واللباس. تعاني حوالي 28.8% من الأُسر التي تعولها أم وحيدة من انعدام الأمن الغذائي.

خلّفت الحروب على نطاقٍ أوسع الكثير من الأسر المشرّدة، منها ما كان بوجود الوالدين، ومنها بوجود أم وحيدة فُقد زوجها في الحرب أو ذهب ولم يعد، أو توفاه الله. والتشرّد وضع اجتماعي سيئ سواء كانت الأسرة كاملة أو بأمٍ عازبة فقط.
شهدنا في بلدي سوريا الكثير من الأمهات اللواتي ترمّلنَ على إثر استشهاد أزواجهنّ في الحرب التي لم تتركنا وشأننا بعد. يعتمدن في قوتهنّ على ما تركه أزواجهنّ لهنّ، وعلى المساعدات من المتبرعين حقيقةً ومساعدات أهلهنّ. ليس في سوريا فقط، هذه هي الحال في الحروب، تتشرّد مئات العائلات، ويتيتّم الكثير من الأطفال.

| الرّفاهية: عنصرٌ مفقود تقريبًا في حياة الأمهات العازبات

بالنسبة للأم العازبة، التي يقع على عاتقها كل شيء، لا أعتقد أنها تجد مكانًا للرفاهية في حياتها، لا للرفاهية الشخصية ولا الأسرية. الرّفاهية مصطلح بسيط، يمكن ترجمته إلى الحياة السعيدة، الهانئة نفسيًا وماديًا، وبالنسبة للأمهات العازبات، فيصبّ تركيزهنّ على كسب القوت اليومي لأطفالهنّ، وتعليمهم والحفاظ عليهم من المجتمع الشرس. لا يوجد وقت – ولا مال – بالنسبة للأم العازبة لتترفّه! قد يوجد "سنغل موذرز" مرتاحات ماديًا، وربما نفسيًا، سيدات مجتمع ولديهن القدرة على النهوض وإكمال حياتهنّ بقوة، ولكن نسبة هؤلاء قليلة، قليلة جدًا.

| ضياع الفرصة في تحقيق الأحلام المستقبلية
 
بشكل عام، تُعتبر الأمهات العازبات مجموعة مستضعفة اجتماعيًا واقتصاديًا، معرّضة لخطر الإصابة بمشكلات صحية وعقلية وبدنية مختلفة، حيث تُظهر الأمهات العازبات "جودة حياة" أقل بكثير من الأمهات اللواتي لديهن أزواج.
 
 تأخذ سنون الشّقاء عُمر الأم، تراها أكبر من عمرها الحقيقي، تقع في مستوى تعليمي محدود، هذا لو استطاعت تعليم أطفالها حتى النهاية، قد يخيم عليها الاكتئاب بسبب ارتفاع مستويات الإجهاد، وتصل بعضهنّ إلى الانتحار بسبب سوء واقعها.


ربما إكمال الدراسة، وربما مشروع كبير، يمكن لأي أم التخطيط لأي حلم مستقبلي، تدرسه جيدًا وتبدأ بتنفيذه سواء كان أطفالها صغارًا أو كبارًا. بوجود الأب، يُزاح نصف الحِمل تقريبًا عن ظهر الأم، ويتقاسم الاثنان المهمات الأسرية بما يخدم أحلام الطرفين. ولكن بغيابه، فإن الحمل ثقيلٌ غالبًا، وسيتوقف الأمر على العيش في الحاضر، والعمل من أجل تلبية مستقبل الأولاد، وغضّ النظر عن مستقبل الأم.

بشكل عام، تُعتبر الأمهات العازبات مجموعة مستضعفة اجتماعيًا واقتصاديًا، معرّضة لخطر الإصابة بمشكلات صحية وعقلية وبدنية مختلفة، حيث تُظهر الأمهات العازبات "جودة حياة" أقل بكثير من الأمهات اللواتي لديهن أزواج: تأخذ سنون الشّقاء عُمر الأم، تراها أكبر من عمرها الحقيقي، تقع في مستوى تعليمي محدود، هذا لو استطاعت تعليم أطفالها حتى النهاية، قد يخيم عليها الاكتئاب بسبب ارتفاع مستويات الإجهاد، وتصل بعضهنّ إلى الانتحار بسبب سوء واقعها.

| هل تختلف نوعية حياة الطفل عندما يعيش في كنف أحد الوالدين؟
عازبة 3.jpg
الأطفال الذين يعيشون في كنف أم عازبة يعانون من مشاكل عاطفية غالبًا

طفلٌ ذو تربية سليمة = أم سليمة + أب سليم.. بالتأكيد، عندما يعيش الطفل في كنف أحدهما، سيفقد أحد العوامل في طرف المعادلة، فهو يحتاج حضن الأب والأم معًا، وقد يكون نقص أحدهما كفيلًا بالتسبب باضطرابات عاطفية أولًا، وحياتية أيضًا. يتعرّض بعض الأطفال إلى مواقف سيئة في حياتهم أو مدارسهم أو حتى في سنّ المراهقة، يحتاجون فيها قوّة الأب، السّند، وفي وضعهم ذاك، بعدم وجود الأب، سيعانون من ضعف الشخصية، أو الاضطهاد أو الاكتئاب.

من الجيد التحدّث إلى الطفل في مثل هذه العلاقات التي يتم يفصل فيها عن أبيه، يجب أن تجيب الأم عن كل أسئلته بقلبٍ مفتوح، وبصدق، تتفهّم مشاعره المتكسّرة، وتحاول ترميم النقص، يجب ألا تكرّهه بالطرف الآخر فيكره في المستقبل أن يغدو أبًا. إذا كنتِ سنغل موذر، حاولي التحدث إلى طفلك حول التغييرات على مدى الأيام بلا أبيه. أظهري حبّك للطفل، امدحيه، شاركيه نشاطاته، وحاولي تعويض الألم والتعب الذين يستنزفانه، بضحكة طفلك.

تختار بعض الإناث احتضان الأطفال الذين ليس لديهم أب أو أم لأي سببٍ كان؛ سواء هُجروا صغارًا من الطرفين، أو خلّفتهم الحروب وراءها بدون والدين، أو اقتضى الرحمن أن يكون الطفل يتيمًا، فتجد بعض الإناث في قرار أن تكون أمًا عازبة، رحمةً لطفلٍ يتيم بدون ذنب، وشعورًا بالعطف والرضى عن الذات لاحتضان طفلٍ ومنحه الاستقرار العاطفي والنفسي والمعيشي.

الأم العازبة كـ خيار (Single Mothers by Choice) على الرغم من صعوبة هكذا خيار، لأنه ينبني على تحمّل مسؤولية بكامل القوى الجسدية والعقلية، إلا أن البعض تتّخذنه. تختار بعض الإناث اللواتي لم يحالفهنّ الحظ في الزواج، أو ربما لا يردن الزواج، أو ربما تطلّقن بسبب العارض الصحي الذي يمنعهنّ من الإنجاب، احتضان طفل وتولّي مسؤوليته في الرعاية كاملةً، إلى أن يكبر، وكأنها أمه.


اقرأ أيضًا: أم وأب في آن: كيف ولماذا تكون الأم عازبة؟


تختار بعض الإناث احتضان الأطفال الذين ليس لديهم أب أو أم لأي سببٍ كان؛ سواء هُجروا صغارًا من الطرفين، أو خلّفتهم الحروب وراءها بدون والدين، أو اقتضى الرحمن أن يكون الطفل يتيمًا، فتجد بعض الإناث في قرار أن تكون أمًا عازبة، رحمةً لطفلٍ يتيم بدون ذنب، وشعورًا بالعطف والرضى عن الذات لاحتضان طفلٍ ومنحه الاستقرار العاطفي والنفسي والمعيشي.


| كيف ندعم الـ Single Mother؟
 
 
أن تكوني Single Mother أمرٌ أجدهُ صعبًا جدًا، ربما شخصيًا أجده صعبًا، ولكن ما تشير إليه الاستطلاعات والتقييمات كفيلٌ بإصدار قانون يجوب العالم، ينصُّ على عدم ترك الأم وحيدةً وعازبة، أبدًا، ومهما كلّف الأمر، ربما يمكن الانفصال والطلاق، ولكن أتمنى لو يُلزم الأب – في حال وجوده – بتفاصيل الأبوّة كاملةً، ماديًا ومعنويًا، وفي حال عدم وجوده، يجب أن تلتزم الدولة بتأمين حياة كريمة لهؤلاء.


نظرًا للأسباب السابقة، وبعيدًا عن خيار بعض النساء يكنّ أمهات عازبات من دون شريك، أعتقد أن الحلّ الأول لتلافي الوقوع في مطبّ الوحدة الزوجية هو الوعي أولًا، التفكير مليًّا وعدم التسرّع في اختيار شريك الحياة. أنصحُ بالاستقلال المادي كليًا قبل التفكير في خطوة الزواج أصلًا، حققي أحلامكِ وكوني داعمة لنفسك أولًا.

يمكن للدول وضع حدّ لهذا الأمر، من خلال سنّ القوانين التي تحدّد الشروط المختلفة لمثل هذه العلاقات، ومن جهة أخرى، يمكن مساعدة هؤلاء النساء أكثر، تأمين حياة خاصة لهنّ، ربما مدارس خاصة بأولادهنّ، والمساعدات المادية بتخصيص مبالغ مادّية لهنّ، أو حتى التكفّل بهنّ. هناك آلاف الطرق التي قد تحتاج التفكير والدراسة، ولكنها تتضمن حلولًا جذرية تقريبًا.

خِتامًا: أن تكوني Single Mother أمرٌ أجدهُ صعبًا جدًا، ربما شخصيًا أجده صعبًا، ولكن ما تشير إليه الاستطلاعات والتقييمات كفيلٌ بإصدار قانون يجوب العالم، ينصُّ على عدم ترك الأم وحيدةً وعازبة، أبدًا، ومهما كلّف الأمر، ربما يمكن الانفصال والطلاق، ولكن أتمنى لو يُلزم الأب – في حال وجوده – بتفاصيل الأبوّة كاملةً، ماديًا ومعنويًا، وفي حال عدم وجوده، يجب أن تلتزم الدولة بتأمين حياة كريمة لهؤلاء.