بنفسج

أزمة منتصف العمر: كيف تجتازينها بأمان؟

الإثنين 30 مايو

في فترة انتقالية ما من حياتنا تتدافع إلى بعضنا مجموعة من الأسئلة والأفكار المربكة، والتي تحمل في طياتها الكثير من التوتر والقلق: هل حقًا يقدّر أبنائي ما أقوم به من أجلهم؟ هل كان زوجي يستحق كل هذه التضحية؟ هل حقًا كان الطريق الذي سرت فيه طوال هذه السنوات هو الطريق المناسب لي؟ أم أنني ضللت الطريق؟ لم ينته الأمر بعد، ستبدأين في إعادة تقييم كل ما حولك ومن حولك من جديد، تحدثين نفسك (إنها فرصتي الأخيرة للتمتع بما تبقي من الشباب قبل أن يمضي بلا رجعة).

النوم أصبح صعب المنال أحيانًا، توترك أقل الأشياء، حساسية مفرطة وشعور بأن كل ما يحدث من الآخرين: أنا المقصودة به تحديدًا لتوصيل رسالة سلبية ما، تلك المهمات اليومية الطبيعية التي كنت تقومين بها بمنتهى البساطة، أصبحت الآن عبئًا شديدًا لا تستطيعين تحمله.  وكلما آلمك كم الصمت والندم على ما حدث قديمًا، والخوف من أن تكتمل المسيرة على نفس المنوال، كلما ازدادت عادة التذمر والرغبة في التمرد، ذلك الصراع بين ما كان والخوف مما هو آت، ثم تتخذين القرار بأنه آن أوان التغيير، التغيير في كل شيء. إن كنت بطلة من أبطال السطور السابقة، وكنت في المرحلة العمرية من الأربعين إلى الخمسين عامًا، أو ربما أكبر قليلًا، فأستطيع أن أقول لك سيدتي انتبهي وتوقفي للحظة، قد تكون أزمة منتصف العمر.

| ما هي أزمة منتصف العمر؟

 
 
في أزمة منتصف العمر، النوم يصبح صعب المنال أحيانًا، لديك حساسية مفرطة وشعور بأن كل ما يحدث من الآخرين: أنا المقصودة به تحديدًا لتوصيل رسالة سلبية ما، تلك المهمات اليومية الطبيعية التي كنت تقومين بها بمنتهى البساطة، أصبحت الآن عبئًا شديدًا لا تستطيعين تحمله. 
 
وكلما آلمك كم الصمت والندم على ما حدث قديمًا، والخوف من أن تكتمل المسيرة على نفس المنوال كلما ازداد عادة التذمر والرغبة في التمرد، ذلك الصراع بين ما كان والخوف مما هو آت، ثم تتخذين القرار بأنه آن أوان التغيير، التغيير في كل شيء.


إذًا، ما هي أزمة منتصف العمر، ولماذا من المهم أن نكون على وعي واستبصار بها؟ اسمها أكثر ما يعبر عنها هي أزمة ليست في بساطة المشكلة، وليست في تعقيد الاضطراب النفسي، هي كالبركان تمامًا ينفجر ويتأجج، ويعلن الرفض إلا أنه أيضًا قد يخرج أجمل ما فيكِ، وذلك تحديدًا هو مفتاح المسألة.

دعيني أقرّب لك الصورة: س.ع زوجة لطبيب معروف يشهد له الجميع بالأخلاق والدين. أم لأطفال لا تكف عن الحديث عنهم، حياتها الأسرية مستقرة جدًا. تعلن دائمًا عن امتنانها لهذه الأسرة. وفجأة تتمرد على كل شيء، تطلب الطلاق. تعلن ترك أبنائها والإقامة بشقة بمفردها، تسافر باستمرار مع صديقاتها. تغير جامح في تفاصيلها الصغيرة، طريقة ضحكتها، الموضوعات التي كانت تهتم بها. تغيرت طريقة ملبسها إلى أبعد حدود، وتعصف بالأسرة بالكامل، تاركة أطفالها وزوجها في حالة من الذهول.

 قد يكون من بيننا من عايش بعض الأحداث المشابهه وما أكثرها هذه الأيام. أبطال هذه القصص ليسوا جناة في المطلق، وإنما قد يكونوا ضحايا بشكل أو بآخر. أسباب متعلقة بالنشأة والطفل القابع داخلهم، أو قد يكون أسلوب الحياة ذاته، والكثير من ضغوط وآلام الماضي التي تعرضوا لها. على أية حال إدارة الأزمة بشكل صحيح نقطة فارقة. إذًا كيف يكون ذلك؟

| كيف تخفف من علامات أزمة منتصف العمر؟ 

لا تختاري الانسحاب والمعاناة بمفردك. الآن رصيدك السابق يسمح بشيء من التغافل والتجاوز من أجلك؛ كوني واضحة، الوضوح أقصر الطرق وهو الخط المستقيم المباشر.
 
لا تستنزفي نفسك، ومن حولك، باختبارات مستمرة في انتظار أن يفهم الجميع، ويتفهم من دون توضيح منك. لا تكابري ولا تعاندي. فقط انتظري الوقت المناسب وقوليها مباشرة، أنا أشعر بالإحباط وأحتاج منكم الدعم، أنا أشك في مروري بأزمة منتصف العمر وأحتاج إليكم. 


| أولًا: الوعي بالأزمة: هذا يعبر بك نصف الطريق، أن تدركي الأزمة لتبدئي في اختيار الحل المناسب، بل وتخرجي منها بأقل الخسائر وتحققي أعلى المكاسب. لا تنكري ولا تخجلي من مرورك بها، فالإنكار قنبلة موقوتة قد تفاقم من الآثار، بل وقد تعصف بحياة الكثيرات.

| ثانيًا: لا تخوضي معركتك وحيدة: ولا تختاري الانسحاب والمعاناة بمفردك. الآن رصيدك السابق يسمح بشيء من التغافل والتجاوز من أجلك؛ كوني واضحة، الوضوح أقصر الطرق وهو الخط المستقيم المباشر. لا تستنزفي نفسك ومن حولك، باختبارهم في مواقف مختلفة لتعرفي ردة فعلهم حول أمر ما. لا تكابري ولا تعاندي. فقط انتظري الوقت المناسب وقوليها مباشرة، أنا أشعر بالإحباط وأحتاج منكم الدعم، أنا أشك في مروري بأزمة منتصف العمر وأحتاج إليكم، هكذا ببساطة، حمليهم مسؤوليتك واجعلي منهم شركاء في التعافي. حولي الأزمة لشراكة بينك وبينهم، إنها أوقات الشعور بالانتماء والمسؤولية تجاه كل أفراد الأسرة، وكأنك ترسلين إليهم رسالة مفادها أننا هنا من أجل بعضنا بعضًا، وأنني بحاجة إليكم وستبهرك النتائج.

أزمة.jpg
في أزمة منتصف العمر ابدئي في نفض التراب عن أحلامك وهواياتك القديمة وأحييها من جديد؛ حان وقت التغيير

| ثالثًا: اجعليها محطة انطلاق: مع كون أزمة منتصف العمر مشكلة حقيقية، إلا أنك تستطيعين تحويلها لنقطة انطلاق جديدة. نعم، تذكّري فكرة البركان السابقة، تستطيعين جعلها دينامو جديد لحياتك. دوافع جديدة، معان جديدة. ابدئي في نفض التراب عن أحلامك وهواياتك القديمة وأحييها من جديد. حان وقت التغيير، التغيير المحسوب لإفراز خلطتك الخاصة المفعمة بالحماسة. هناك مساحة أكبر الآن من الوقت لتعيشين حياتك مرة أخرى (أكشن تاني مرة)، حياة جديدة بفكر جديد أكثر خبرة وأكثر حكمة.

وجهي طاقتك للتجديد في علاقتك الزوجية، علاقتك بأبنائك. ابتعدي عن الروتين هذه الفترة، ربما تكون بعض التغييرات في المنزل فكرة جيدة؛ ألوان ملابسك؛ أكل صحي، ممارسة الرياضة والمشي، فكرة رائعة. دوافعك القديمة قد تكون استُهلكت الآن، أنت بحاجة لتجديد الباقة، أنت بحاجة لإشباع دوافع جديدة. دراسة جديدة، دورات جديدة، مشروعك الخاص، العطاء علاج نفسي والأنشطة التطوعية لا تخطئ.


اقرأ أيضًا: لأسباب نفسية أم اجتماعية؟ لماذا تخاف المرأة من الفشل؟


| رابعًا:اكتبي مشاعرك:  أنت بحاجة أيضًا للمزيد من السكينة والتغذية الروحية: الموسيقى الهادئة، التأمل. اكتبي كل إنجازاتك خلال السنوات الماضية مهما كانت بسيطة. ابتعدي عن الاهتمام بتلك التفاصيل المزعجة التي لا طائل من ورائها، أنت في حاجة إلى الكثير من السلام لتعبري بأمان. اشعري بالامتنان ومارسيه يوميًا، الامتنان لكل هذه النعم من حولك ما أجمل أن تشكري الله وتلجئي إليه. اطلبي من بعض المقربين مساعدتك في كتابة إنجازاتك ورؤيتهم للجميل من صفاتك (الجميل فقط)، أنت بحاجة لكل ما هو إيجابي.

| خامسًا: فرغي مشاعرك: قومي بتفريغ هذه المشاعر السلبية الجاثمة فوق صدرك، اكتبيها على الأوراق، تخلصي منها ثم مزقي الأوراق علها تذهب بغير رجعة.  أو قد تكونين بحاجة لمساعدة نفسية متخصصة للتخلص من هذه المشاعر السلبية الناتجة من عثرات وأخطاء الماضي، لا بأس، أنت بحاجة لمن يسمعك أحيانًا، تكلمي فإن في البوح حياة. وأخيرًا ستنظرين خلفك يومًا ما لتكوني فخورة بنفسك وبسفينتك التي قدتيها لعبور هذه الأزمة بسلام، بل وحولتيها لمنحة خلقت لك روحًا جديدة ومذاقًا مفعمًا بالحماس، ابدئي، فالعالم بحاجة إليك وإلى خبرتك المتميزة.