بنفسج

العنف الزوجي ضد المرأة: لماذا نتقبل الإساءة؟

الإثنين 25 يوليو

العنف الزوجي
العنف الزوجي

تواجه العلاقات الأسرية منعطفًا صعبًا في هذه الحقبة الزمنية بالأخص، حيث يعيش الزواج طفرة تجعله ينحرف عن أساسه وفطرته الأصلية التي وُجد من أجلها. نسمع في كل يوم الكثير والكثير عن العنف الزوجي، حتى أصبحت كل مشكلة تتفوق على التي سبقتها في قدرتها على أن تصيبنا بالدهشة والتعجب.

لماذا قد تُقتل الرحمة والمحبة في قلب شريك الحياة، وأي عقل هو الذي يستجيب بكل هذه القسوة حتى ولو غابت كل مفاهيم الرحمة عن المشهد؟ كيف يمكن أن يحدث هذا في مؤسسة الزواج التي جعلها الله سببًا للمودة والرحمة؟ ما الذي جعل الزواج يتحول بهذه الكيفية ليصبح جحيمًا يعيشه الأزواج كل يوم في سجن الحياة الزوجية؟

إن الأمن والأمان هما جوهر ما تبحث عنه المرأة في الزواج. وإذا تعددت الأسباب التي تدفع النساء إلى الزواج وتجعلهن يقبلن عليه، سيكون أهم الأسباب الرئيسية هو توافر الأمن وإحساسها بالأمان مع الشريك. نحن نعيش في عصر قد لا تحتاج فيه المرأة لكي تعتمد على الرجل للحصول على كل شيء، ولكن يبقى الأمان شعورًا معنويًا لا يُشترى بالمال وإنما يُدركه العقل ويشعر به القلب.

 فإذا ما توفر الأمان والحب والحنان وطيب العشرة، يأتي شعورها بحمايته لها في الدرجة الثانية، شعورًا مكملًا لكل ما سبق، فكيف يمكن أن تستقيم الحياة بين شريكين لا يشعر أحدهما تجاه الآخر بالأمن من الغدر والخيانة، وأن شريكه سيظل وفيًا مخلصًا حتى إذا تغيرت الظروف واختلفت، ويظل أسمى ما يقدمه الرجل لشريكته في الحياة هو كفايته لها ومسئوليته عنها، أن يكون شريكًا سويًا داعمًا حاضرًا متى ما احتاجت إليه، تلك الصورة هي التي ترسمها المرأة عن الحياة رفقة النصف الآخر.

 ظاهرة العنف الزوجي

العنف الزوجي
تشير التقديرات العالمية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية، أن واحدة من كل ثلاث نساء (30%) في أنحاء العالم كافةً، تتعرض في حياتها للعنف البدني و/ أو العنف الجنسي على يد الشريك أو غيره، وفي الأغلب يمارس الشريك هذا العنف في معظمه.
 
تتعرض النساء في العالم لأشكال عنف عديدة، فهناك أنواع أخرى لا تحصل بقدر كبير من الاهتمام على الرغم من آثارها النفسية القاسية التي يعاني منها ضحاياها، بخلاف العنف الجسدي قد تواجه الضحية عنفًا لفظيًا أو عاطفيًا يبدأ من الألفاظ المسيئة وحتى التلاعب النفسي والعاطفي بالضحية وبأفكارها.
 


تشير التقديرات العالمية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية، أن واحدة من كل ثلاث نساء (30%) في أنحاء العالم كافةً، تتعرض في حياتها للعنف الزوجي سواء البدني و/ أو العنف الجنسي على يد الشريك أو غيره، وفي الأغلب يمارس الشريك هذا العنف في معظمه.

وعلى الصعيد العالمي ككل، تفيد ثلث النساء تقريباً (27%) اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة من المرتبطات بعلاقة جنسية بأنهن يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف البدني و/ أو الجنسي على يد شركائهن.

أما عن بقية أشكال العنف التي تتعرض له النساء في العالم، فهناك أنواع أخرى لا تحصل بقدر كبير من الاهتمام على الرغم من آثارها النفسية القاسية التي يعاني منها ضحاياها، بخلاف العنف الجسدي قد تواجه الضحية عنفًا لفظيًا أو عاطفيًا يبدأ من الألفاظ المسيئة وحتى التلاعب النفسي والعاطفي بالضحية وبأفكارها، وذلك بهدف تحطيم صورتها الذاتية وثقتها بنفسها، أو تهديدها بالطلاق أو الزواج من زوجة أخرى.


اقرأ أيضُا: الطلاق العاطفي: هل من عودة؟


أما عن العنف الاجتماعي فهو ما يلجأ فيه الشريك إلى فصل شريكته عن العالم الخارجي، وإقصائها عن جميع العلاقات الأخرى التي كانت تتواجد بها من أجل أن يحكم سيطرته الكاملة عليها. بينما أشد أنواع العنف خطورة هو العنف المالي أو الاقتصادي حيث يتحكم الشريك في جميع ماديات شريكته ويتصرف في ممتلكاتها حتى يضمن أنها ستظل في حاجة تامة، إليه لأنها لا تملك ما يؤمن لها الحياة إذا قررت الإفلات من قبضته.

 لا أحد يهرب من المرة الأولى 

العنف الزوجي
تتعرض العديد من النساء في الوطن العربي إلى العنف النفسي والجسدي إضافة إلى العنف الاجتماعي الذي يفصلها به عن العالم

تروي م.ي، إحدى السيدات العربيات التي تبلغ ثلاثة وخمسون عامًا، وأم لأربعة أولاد، تجربتها مع العنف الزوجي: "أول مرة ضربني في فرنسا ولكن لم يكن ضربًا مبرحًا، كان أشبه بالصفعة. اختلف الحال في المغرب، في المغرب كان يضربني بعنف. كنت أخاف منه كأني أعيش مع رجل ولكني أخاف منه. رد فعلي على أول صفعة لم أتقبلها، ولكن كانت أخته تقول أن الرجل يضرب زوجته لأنه يغار عليها. كانت دائمًا تبرر ضربه لي بالغيرة، يضربك لأنه يغار عليكِ، ولكنه لم يكن يغار عليّ.

وبعد ذلك حدثت خيانات، وكان مطلوبًا مني أن أسكت، لكي أكون مثالًا للمرأة التي ترى الخيانة وتتجاهلها، لكن أنا لم أسكت وكان الحل لديه لكي أسكت هو الضرب. عندما يضربني لا أفكر كيف يكون الضرب لأن كل ما أفكر فيه هو أن أحمي نفسي، كانت تنصحني أختي بالصبر. وتقول لي هكذا هم الرجال. صبرت كثيرًا حتى زاد العنف تجاهي، لم أعد قادرة على تحمل المزيد، ربما يكون سكوتي في المرة الأولى هو الذي جعله يتمادى في العنف معي".

 متلازمة ستوكهولم: لماذا نتقبل الإساءات؟

العنف الزوجي
نشأت فكرة متلازمة "ستوكهولم" على يد الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة "نيلز بيجيروت"، وهو أول من صاغ هذا المصطلح، وتضمن المصطلح ما يلي: "في البداية، يتعرض الناس فجأة لشيء يحدث رعبًا في نفوسهم، مما يجعلهم متأكدين من أنهم مشارفون على الموت. 
 
ثم يتكون لدى الرهائن شعور إيجابي قوي أصيل تجاه خاطفهم، يرفضون من خلاله أن يكون ذلك الشخص هو من عرضهم لذلك الموقف، ويتأصل لديهم شعور بأنه هو الشخص الذي سيمنحهم الفرصة للعيش". ذلك ما يدفع الضحايا في الكثير من الأحيان إلى إنكار فكرة أن شريك حياتهن هو من يتسبب في إيذائهن.
 

نشأت فكرة متلازمة "ستوكهولم" على يد الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة "نيلز بيجيروت"، وهو أول من صاغ هذا المصطلح، وتضمن المصطلح ما يلي: "في البداية، يتعرض الناس فجأة لشيء يحدث رعبًا في نفوسهم، مما يجعلهم متأكدين من أنهم مشارفون على الموت. ثم يمرون بعد ذلك بمرحلة يكونون فيها كالأطفال غير قادرين على الأكل أو الكلام أو حتى الذهاب لقضاء الحاجة من دون الحصول على إذن". 

ويوضح الطبيب النفسي فرانك أوشبيرغ أن قيام المختطف ببعض الأعمال الطيبة تجاه المخطوفين، كتقديم الطعام لهم، من شأنه أن يحفز لديهم شعورًا بالامتنان "لمنحهم الحياة".


اقرأ أيضًا: هل ستنتهي بي الأمومة إلى الطبيب النفسي؟


وأضاف قائلًا: "يتكون لدى الرهائن شعور إيجابي قوي أصيل تجاه خاطفهم، يرفضون من خلاله أن يكون ذلك الشخص هو من عرضهم لذلك الموقف، ويتأصل لديهم شعور بأنه هو الشخص الذي سيمنحهم الفرصة للعيش".

ذلك ما يدفع الضحايا في الكثير من الأحيان إلى إنكار فكرة أن شريك حياتهن هو من يتسبب في إيذائهن أو إلحاق الضرر بهن، قد تمنعهن تلك التصورات الرومانسية عن السعي للنجاة أو الهرب، مؤمنات كليًا أنهن قد يتمكن من إصلاحه أو إيقاف تلك الإساءة إذا لم يتحدثوا عنها وتحلين بالصبر في مواجهتها.

 دورة العنف الزوجي ومحاولات لإصلاح الشريك

العنف الزوجي
 بعض الزوجات لا تطلب المساعدة ردًا على العنف الزوجي ويظل شعارها الصبر للمرة العاشرة

تفتقر الضحايا اللواتي يتعرضن إلى العنف الزوجي في الكثير من الأحيان لقدرتهن على تمييز الإساءة والهرب منها. في البداية، يكون الشعور بالإنكار مسيطرًا على كل شيء. يصعب على الضحية تصديق فكرة تنافي صورة الشريك المحب الذي يخطيء مثل بقية البشر، ولكنه لا يمكن أن يلحق بالضرر لشريك حياته. يكون الصبر هو رد الفعل الطبيعي حينما لا يوجد حل آخر لمواجهة تلك الإساءات ظنًا أنه سيتغير إذا تمت مقابلة إساءاته باللين والمعاملة الطيبة.

ولكن للأسف هذا لا ينجح عندما ما تكون الإساءة هي السمة الأساسية للمسيء الذي لا يعرف شيئًا آخر غير أن يؤذي من معه، ذلك الشريك الذي يدمن التلاعب بمن معه في دورة من الإساءة يتبعها بشهر من العسل يكفر فيه عن خطاياه، وتستعد فيه الشريكة لدورة جديدة من الإساءة والعنف بعد صبرها عليه ظنًا منها أنه قد يتغير.

لذلك نادرًا ما تطلب المساعدة بعد الإساءة الأولى أو العاشرة حتى، وإنما بعد أن تفقد صبرها بالكامل ويصعب تحمل المزيد من الإساءة، ولكن كل يوم إضافي في دائرة العنف الزوجي يمثل خسارة جديدة تحتاج أيامًا طويلة للتعافي من الإساءة التي عاشتها الضحية في ذلك اليوم، إما أن تنجو بنفسها الآن، فربما لا يوجد غد قادم أبدًا. 

 تحديات الأم المعيلة ضد مجتمع لا يجرّم العنف ضد المرأة

العنف الزوجي
عاني الكثير من النساء من كراهية للرجال وعزوف عن الزوج الذي يمثل الإساءة في تلك الدائرة المغلقة، هذا ما ينتج عنه أخيرًا فشلًا في منظومة الزواج ككل، ويجعل من الأمهات ضحايا للأمراض الجسمانية والنفسية. أول خطوة لمواجهة الإساءة هي أن تعترف المرأة بكونها ضحية بحاجة إلى المساعدة للخروج من تلك الدائرة المغلقة.
 
 وهي أول من يجب أن تساعد نفسها بأن تتخذ قرارًا واعيًا لتخطي تلك الإساءة ورفض التعدي عليها أو على حقوقها الأدبية والمادية من قبل الشريك، لأن المرأة التي لها عمل ومال تستطيع أن تنجو بنفسها من الاعتداءات وتؤمّن حياة مستقلة عن الشريك، من أجل هذا يكون التعليم والعمل هما أهم نقطة تحصين للمرأة ضد أي إساءة محتملة أو ممكنة.


 العنف الزوجي شيء معتاد عليه بين النساء اللواتي تتقبله بحكم الاعتياد في مجتمع يدافع عن إساءة الرجل للمرأة وكأنه حق مستحق، أحيانًا يكون المجتمع أكثر قسوة على المرأة من العنف، حيث لا يتقبل المرأة المطلقة ولا يعاملها بما تحتاج إليه للنجاة، فحوادث العنف الزوجي تدمر نفسية المرأة وتحطم ثقتها في نفسها، ذلك ما يعظم بداخلها إحساسًا قويًا بعدم الأمان، ويسرق منها طاقتها، فلا تستطيع أن تقوم بتربية جيل سوي، أو حتى تتعافى صحيًا من نواتج العنف الجسدي.

تعاني الكثير من النساء من كراهية للرجال وعزوف عن الزوج الذي يمثل الإساءة في تلك الدائرة المغلقة، هذا ما ينتج عنه أخيرًا فشلًا في منظومة الزواج ككل، ويجعل من الأمهات ضحايا للأمراض الجسمانية والنفسية اللواتي يعانين من القلق المرضي والخوف الدائم، والذي قد يتسبب في العنف الأسري ويؤثر على نفسية الأبناء.

 كيف نقف أمام العنف المنزلي ضد المرأة؟

يجب أن خلق مجتمعات صغيرة، في صورة مؤسسات تهدف لدعم الناجيات من العنف، وتسعى لتوفير حياة آمنة لتلك المرأة التي تبحث عن الأمان لها ولأولادها. وأخيرًا، توفير قواعد وقوانين صارمة لحماية المرأة يتم تنفيذها في حالات الإساءة وتستطيع الضحية اللجوء إليها في أي وقت وتطمئن أن ستجد لديها العدل والأمان.


أول خطوة لمواجهة الإساءة هي أن تعترف المرأة بكونها ضحية بحاجة إلى المساعدة للخروج من تلك الدائرة المغلقة، وهي أول من يجب أن تساعد نفسها بأن تتخذ قرارًا واعيًا لتخطي تلك الإساءة ورفض التعدي عليها أو على حقوقها الأدبية والمادية من قبل الشريك، لأن المرأة التي لها عمل ومال تستطيع أن تنجو بنفسها من الاعتداءات وتؤمّن حياة مستقلة عن الشريك.


اقرأ أيضًا: برتقال أسود.. عن مواصفات شريك الحياة


ولذلك  يكون التعليم والعمل هما أهم نقطة تحصين للمرأة ضد أي إساءة محتملة أو ممكنة أو عنف زوجي شديد، كذلك يجب أن خلق مجتمعات صغيرة، في صورة مؤسسات تهدف لدعم الناجيات من العنف، وتسعى لتوفير حياة آمنة لتلك المرأة التي تبحث عن الأمان لها ولأولادها. وأخيرًا، توفير قواعد وقوانين صارمة لحماية المرأة يتم تنفيذها في حالات الإساءة وتستطيع الضحية اللجوء إليها في أي وقت وتطمئن أن ستجد لديها العدل والأمان.


| المراجع

حكاية سيدة عربية – آلام مريم