بنفسج

جنين ماضي الثورة وحاضرها

الخميس 26 يناير

نحن نعلم مسبقًا أن فعل الكتابة صعب، ولكن الصعوبة تتحول إلى عقم تام عندما تيقن أن لا كلمة، ولا تعبيرًا، ولا انفعالًا نفسيًا يجدي أمام الموت الذي لا يكاد يكون موتًا، فهذا الموت لا نبكي فيه، ولا شعور محدد أمامه، إنه الحدث الأعقد، ليس للفلسطينيين فحسب بل للبشرية جمعاء. واليوم تواجهه مدينة! يواجهه الأطفال، وتواجهه النساء، ويواجهه المقاتلون، في ثغر واحد، في حمى واحد، في مدينة واحدة، وإنها في النهاية مجزرة تُفعل فيهم جميعًا أما العالم كله!

تدخل "إسرائيل" مدينة جنين، التي لطالما جابهت وقاتلت، إنها جنين المخيم، وجنين الثورة وأطفال الحجارة، جنين الباسلة التي تقف شامخة دومًا وفي كل الأحداث، والأحداث فيها لا تنتهي، ولا تهدأ، وهي بالرغم من ذلك باقية لا تزول، تدخلها أرتال عسكرية لتغتال القادة فيها، فيموت كل من أمامها، رجالًا ونساءً وأطفالًا، فيعاد نشيد جنين ومخيمها في كل مرة. فالله درك يا جنين أبية صامدة أمام كيان غاصب محتل أمام العالم أجمع.

لا تتوقف المجارز، يؤرخ لها التاريخ، قتل جماعي ومرور على الدماء، صبرا وشاتيلا ودير ياسين وقبيا، وعشرات المجازر في غزة، وجنين ومخيمها. فهذه صور يظن أنها موت للفلسطيني، والحقيقة أنها صور لعودة الفلسطيني، ففي صراعه الأزلي بين الحق والباطل، لن تنتهي المعركة، ولن تنضب الدماء، سيظل الفلسطيني حاضرًا.

لا تتوقف المجارز، يؤرخ لها التاريخ، قتل جماعي ومرور على الدماء، صبرا وشاتيلا ودير ياسين وقبيا، وعشرات المجازر في غزة، وجنين ومخيمها. فهذه صور يظن أنها موت للفلسطيني، والحقيقة أنها صور لعودة الفلسطيني، ففي صراعه الأزلي بين الحق والباطل، لن تنتهي المعركة، ولن تنضب الدماء، سيظل الفلسطيني حاضرًا، بيده، ونفسه، وحياته، وسلاحه، بكل ما أوتي من حياة، ولن يمل.

ستعود الحياة إلى جنين ومخيمها وقراها، سيذهب الطلاب إلى مدراسهم، وسيتوجه الفلاحون إلى أرضهم، وسيرص المقاتلون صفوفهم. ويا ويح المحتل، ألا يعلم أن في قتل الفلسطيني حياة، وفي اغتياله بعث، وفي تدمير بيته إعادة بناء. وأن الفلسطينيين يجدولون حياتهم في المقاومة، إذ تصبح الحياة اليومية العادية متوائمة، وفي مواجهة، ومتأهبة، وهي أيضًا في صف واحد لا انفكاك فيه، ولا تخلي عنه، ولا يأس حتى في الموت.


اقرأ أيضًا: عرين الأسود: نابلس تستعيد مجدها


جنين التي لطالما ودعت الأبطال، وخاضت المعارك وواجهت الطغيان، آلاف الأسرى والشهداء والجرحى، من خلف أسوار بيوتها وكأنها حصن منيع، في غرابة تستحيل على العقل البشري، فكيف تصمد جنين، فلو كانت مقاييس عادية لانتهت جنين منذ أمد، ولكن عين الله ترعاها.

جنين التي يرسل لها مظفر النواب رسالة لأبطالها: المجد والياسمين لصمتِ الصباحِ الحزين.. لحزن الأزقةِ يعبق منها الزمان.. لأجراس ضحكاتِ أطفالها.. للترابِ الثمين.. لبيوتِ الصفيحِ المقاتلِ.. تخرج منها العصافيرُ زقزقةً وتعود زخارفَ شدوٍ.. بما شاهدتْ من دوي السنين.. للنهار المهدمِ في مهد طفلٍ تضرجَ في صمتنا العربي.. والدم ينزفُ من بين أحجارها.. للركامِ شَّمُوخٌ يطالُ النجومَ.. بمن تحته استُشْهِدُوا واقفينْ.