بنفسج

ريحانة البيت وبهجته: رمضان بعيون النساء

الإثنين 27 مارس

له فوحٌ لا تخطئه الأرواح؛ فالحاسة التي تستشعر قدومه ليست ضمن الحواس الخمس، إنها حاسة الشوق وحاجة المؤمن للارتواء، أقصد رمضان، الشهر الذي يكلّل العامَ بتاجٍ من الروحانية والتعبد المختلفَين عن روحانية وتعبد الأوقات الأخرى، لرمضان أهميته الدينية المعروفة، لكنني أودّ تسليط الضوء على معانيه الاجتماعية والنفسية، لأنه شهر شاملٌ في ما يقدمه للإنسان، بحيث لا يترك جانبًا من جوانبه فارغًا من إضافة جديدة.

وبما أن لرمضان معانيه النفسية والاجتماعية، فذلك يعني أنّ لكل منا رمضانه المختلف، مثلما لكل منا علاقته الخاصة بالله تعالى، وقبل أن يختلف رمضان من شخص لآخر، فإنه بحد ذاته لا يأتي كل سنةٍ بنفس الحلّة؛ إذ يدور رمضان على فصول السنة، فنجرّب صيامه في الحر والبرد والاعتدال، ونكسب من كل فصل حلاوته التي تضاف إلى طقوس الشهر الكريم.

 فلم يكتب لنا الله أن نصومه دائمًا ونحن مثقلون بالزكام والصوف، ولا ونحن نعطس حساسية في الربيع، ولا ونحن نذوب من الحر والعطش، وفي ذلك رحمة تسمح لنا بالإفادة من تنوع فصول السنة، وبالتالي، فحتى العيد له نكهات عدة حسب الجو السائد حين قدومه، هذا كله إضافة للاختلافات المميزة بين بلد وآخر في عادات استقبال رمضان والاحتفاء به.

بقدر ما يتشابه البشر في طرائق تفكيرهم وتصرفاتهم، فإنهم يضفون اختلافًا عميقًا جدًا يتعلق بالتفاصيل التي قد تبدو عند النظرة الأولى واحدة، ثم يتضح ما إن نُمعن النظر في حُبيبات الفسيفساء أنها تفاصيل تشكل اللوحة الكبرى، دون أن يتخلى أي تفصيل عن هويته الفردية، لهذا أعتقد أن أول ما يخطر في بالنا عند إدراك حقيقة وجود الفروقات: هل يختلف رمضان الفتيات عن غيره؟

بداية: لماذا نختص الفتيات في حديثنا؟

 
في الحقيقة رمضان يختلف من فرد لآخر ومن فئة إلى فئة، أيًا كانت، فهناك رمضان الدارسين المنكبّين على كتبهم ودروسهم ومحاضراتهم، وأنا شخصيًا، ما زلت أتذكر أنني كنت أستلطف أجواء الدراسة في رمضان.
 
كل فرد له رمضانه، ومن هنا جاءت فكرة الحديث عن رمضان الفتيات، بوصفهن فئة تشكّل النصفَ إن تناولنا الأمر من حيث النوع والجنس، ولا بدّ من التنويه في عجالة إلى أن للرجال رمضانهم أيضًا، ومتاعبهم وتحدياتهم وعطاءهم الذي يُشكرون عليه، وهم يمارسون أعمالهم الشاقة، ويشتهون صغارهم بالمعروك والعجوة والعصائر، فيعودون مُحمَلين بها أملًا في ملء قلوب أفراد الأسرة بهجة.

في الحقيقة رمضان يختلف من فرد لآخر ومن فئة إلى فئة، أيًا كانت، فهناك رمضان الدارسين المنكبّين على كتبهم ودروسهم ومحاضراتهم، وأنا شخصيًا، ما زلت أتذكر أنني كنت أستلطف أجواء الدراسة في رمضان، وأشعر بزهو وانتصار فريدين عندما أدرس حصتي اليومية منهيةً إياها أثناء الصيام، ثم أنهض للعبادات التي تتخللها الأعمال البيتية. الجمالية تكمن بالضبط في أن رمضان يشعرني بالإنجاز، يقسّم النهار بأسلوب منظم، يزيح أوقات الطعام ليحصرها في ساعات معينة، ويفرغ ما قبلها وما بعدها لتقديم شيء مفيد، لا تتطفل عليه الأطعمة والأنشطة غير ذات المعنى.

وهناك أيضًا رمضان العاملين الذين يقصدون وظائفهم صائمين، وينجزون مهماتهم خارج المنزل لينتظرهم في البيت تغيير يكسر روتين أيامهم السابقة الممل، وكذلك رمضان الصغار المجرِّبين للصوم حديثًا، والذين يعيشون إحساسًا مراتِ الصيام الأولى، مع نشوة الفوز على الجوع والعطش والهدايا الممنوحة مكافأة لصبرهم، والتنافس الجميل بينهم وبين أفرادهم، وكذلك رمضان الأجداد.


اقرأ أيضًا: منازلنا تبتهج أيضًا : كيف أهيئ منزلي لاستقبال رمضان؟


 رمضان الإيمان الوقور والعطاءِ الحنون الذي يتجلى في همّة الشيوخ وإقبالهم على الصلوات بأسلوبٍ يخجِل الشباب أحيانًا ويحثهم على المزيد، وحرصهم ألّا يفوتهم يوم صيام واحد رغم رجاءاتنا ألّا يثقلوا على أنفسهم، فكم منا يضطر ليقسم على جده أو جدته كي يفطر بسبب رخصةٍ ما، ويبذل جهده ليوضح لهم أنهم مثابون إن شاء الله، ولكنهم ولغلاوة الشهر عليهم يصعّبون علينا هذه المهمة، وإن كان التعنت ورفض الإفطار حين الضرورة خطأ، فإن في طياته درسًا إيجابيًا يلفت نظرنا إلى أننا المكلَّفون الحقيقيون بعدم تضييع لحظات الشهر المبارك.

كل فرد له رمضانه، وكذلك كلّ فئة لها رمضانها، ومن هنا جاءت فكرة الحديث عن رمضان الفتيات، بوصفهن فئة تشكّل النصفَ إن تناولنا الأمر من حيث النوع والجنس، ولا بدّ من التنويه في عجالة إلى أن للرجال رمضانهم أيضًا، ومتاعبهم وتحدياتهم وعطاءهم الذي يُشكرون عليه، وهم يمارسون أعمالهم الشاقة، ويشتهون صغارهم بالمعروك والعجوة والعصائر، فيعودون مُحمَلين بها أملًا في ملء قلوب أفراد الأسرة بهجة.

هل رمضان الفتيات يختلف؟

 

الفتاة لا تحمل هم رمضانها فقط.. بل تصنع بنفسها رمضان الآخرين فالبعض، ممن يستطعن، يحاولن تحضير الأطعمة القابلة للتبريد مسبقًا كيلا يزاحم الطبخ أعمالًا أكثر أهمية.

 وكل الفتيات -لا بعضهن فحسب- يحضّرن الزينة التي ستخطف قلوب الصغار وتبهج أنظار الكبار، ويجهزن ركنهن للصلاة، ويخصُصن الشهر بمصحف وإسدال صلاة وعطر محدد، ثم ومع حلول الموعد المنتظر لا أحد غير الفتيات يوقظ البيوت الغافية ساعةَ السحر.

 

أما رمضان الفتيات فسنتناوله بتفصيل أكبر، لأننا المعنيات به والمجربات لطقوسه والمختبِرات لدروسه. ففي الوقت الذي يتحضر فيه أفراد الأسرة لرمضان يكون تحضير الفتيات مختلفًا، لأنهن محبات للتخطيط بحد ذاته وهاويات لإضفاء البهجة الرمضانية انطلاقًا من شعورٍ بالمسؤولية عن رمضان الآخرين، فالفتاة تظن أن رمضان الأسرة كاملة ملقى -في جزء منه- على عاتقها، وتجتهد لتكون التجربة الرمضانية كل سنة مريحة ومهيأة جيدًا ليتفرغ الجميع لعباداتهم ومشاغلهم.

الفتاة لا تحمل هم رمضانها فقط.. بل تصنع بنفسها رمضان الآخرين فالبعض، ممن يستطعن، يحاولن تحضير الأطعمة القابلة للتبريد مسبقًا كيلا يزاحم الطبخ أعمالًا أكثر أهمية، وكل الفتيات -لا بعضهن فحسب- يحضّرن الزينة التي ستخطف قلوب الصغار وتبهج أنظار الكبار، ويجهزن ركنهن للصلاة، ويخصُصن الشهر بمصحف وإسدال صلاة وعطر محدد، ثم ومع حلول الموعد المنتظر لا أحد غير الفتيات يوقظ البيوت الغافية ساعةَ السحر.


اقرأ أيضًا: "وحوي يا وحوي": إشراقة الروح يا رمضان


 منّ الله علينا نحن النسوة بنعمة إطعامنا للغير، نعمة مبهجة ممتعة تتجسد في تخاطف الأيدي لما أعددنا من مأكولاتٍ، فأودعنا فيها أنفاسنا ومودتنا، ورغم أن الإفطار يتضمن أن نطعم أحبتنا ونختتم فصل عطشهم وجوعهم، إلا أن إعدادنا لمائدة السحور له لذة أخرى، خاصة أنها تُعد بعد صلوات التراويح والتهجد، فيشعر المتحلقون حولها أنهم لا يتناولون وجبة طعام، بل وجبة هدوء وطمأنينة خالصة.

نصائح للنساء في رمضان

ما تفعلينه كفتاة من أعمال المنزل يندرج تحت إطار العبادة فلا تلومي نفسك في التقصير وحاولي جاهدة أن تؤدي النوافل أكثر

يمكننا أن ندعو هذا بالجانب المشرق في الحكاية، فهل هناك جانب سلبي؟ في الحقيقة يترافق رمضان شئنا أم أبينا مع شيء من الضغط النفسي، ولا ينبع الضغط إلا من المتطلبات العصرية التي أضافت بصمتها على كل نواحي الحياة، ومن بينها الشهر الكريم الذي أضحى يتطلب مصروفًا خاصًا به، ويسبقه ويلحقه الغلاء بفعل ظروفٍ خارجةٍ عن الإرادة، ثم إن سعي النسوة للقيام بواجباتهن يصل بهن أحيانًا إلى تعب حقيقي يحدِثه تراكمُ الأعمال وتداخلها مع خصوصية الشهر، وعندما يترافق كل ذلك مع عذر الدورة الشهرية تزداد الأعباء الملقاة على عواتقهن، ونحن هنا بحاجة لعدة وقفات:

| لا تبالغي في إرهاق نفسك: نصيحة للفتيات ألّا يبالغن في إرهاق أنفسهن، وألّا يحولن الشهر إلى مهرجان زيارات ومنافسات مطبخية إلا بالقدر المعقول الذي يساهم في زيادة إقبالهن على عباداتهن وصنع ذكريات جميلة دون المبالغة.

| لا تشعري بشعور التقصير: يجب على الفتيات ألّا ينهزمن لوهم التقصير، فما تقدمينه في رمضان كفتاة، يدخل في إطار العبادة والأعمال الحسنة، هذه ليست دعوة لإعطاء الأولوية للأعمال المنزلية، لكنّ المقصد هو أنها أعمال لا بد أن يقوم بها أحد، فإن اختصك الله بها، فهذا يعني أن أجرك سيكون على قدر تعبك، وأن حسابك، والله أعلم، سيأخذ بعين الاعتبار كثرة مشاغلك وجهودك التي لا تشبه -مثلًا- جهود ذاك المتفرغ تمامًا للعبادة، أو تلك التي لم تصبح مسؤولة عمّا أنت مسؤولة عنه.

فحريّ بك أن تستغلي رمضانك الفارغ من المسؤوليات قبل حلول رمضانك العامر بالمشاغل، وألّا تؤنبي نفسك لاحقًا بإحساس تقصيرٍ وهمي يثبط همتك، ويشعِرك أنك لم تتعبدي بالقدر المطلوب، وتذكري أن هذا الإحساس سيرافق الجميع في النهاية، لأن من طبيعة الإنسان أنه لا يصل إلى المثالية والكمال المنشود، ولا يستطيع الوفاء بكامل خطيته، بل يحاول فحسب أن يقوم بعملٍ مشرِّف.

 

 برأيي، لا أجد ضررًا في تمييز رمضان ببعض المأكولات اللذيذة أو البرامج المفيدة الممتعة لإضفاء جو خاص على الشهر، فهو بالفعل شهرٌ مختلف يريد مُستقبِله ألّا يمضيه إمضاءً باهتًا عاديًا، وأن يكون هذا التميز من كل النواحي حتى تلك التي تخص الطعام على سبيل المثال، لكن الشرطَ ألا يضيع الهدف الأساسي في سبيل المُرغِّبات التي نستخدمها للوصول إليه، وأن تبقى هذه المكملات واللمسات النفسية وسائل تؤدي إلى غاية، لا غاية في ذاتها.

 

| المساهمة في الأعمال من الكل: أما النصيحة الثالثة، فموجَهة لأفراد الأسرة رجالًا وفتيات ممن لا يحملون المسؤولية الكبرى في الأعمال الرمضانية، أن يساعدوا ما استطاعوا دون إثقال في الطلبات والتمنيات، وإن لم تسعفكم القدرة على المساهمة بعمل، أنصحكم ألا تقصدوا المطبخ قبيل المغرب وأنتم تشيرون لهذا وذاك بأعين ما زالت تشوبها غشاوة النعاس، وتقدمون ملاحظات تنظيرية لا تدعمها المعونة الفعلية، أنصحكم ألّا تفعلوا، لضمان سلامتكم!

ختامًا، وبرأيي، لا أجد ضررًا في تمييز رمضان ببعض المأكولات اللذيذة أو البرامج المفيدة الممتعة لإضفاء جو خاص على الشهر، فهو بالفعل شهرٌ مختلف يريد مُستقبِله ألّا يمضيه إمضاءً باهتًا عاديًا، وأن يكون هذا التميز من كل النواحي حتى تلك التي تخص الطعام على سبيل المثال، لكن الشرطَ ألا يضيع الهدف الأساسي في سبيل المُرغِّبات التي نستخدمها للوصول إليه، وأن تبقى هذه المكملات واللمسات النفسية وسائل تؤدي إلى غاية، لا غاية في ذاتها.


اقرأ أيضًا: في رمضان: الأمومة عبادة


لنبتهجْ، رغم الأحوال الصعبة السائدة، ولنجتهد لإشعار أطفالنا أن ديننا ألزمنا بالتكاليف وأعطانا برفقتها لذة إنجازها، فإن اتسمت التكاليف والعبادات ببعض الضغط فذاك طبيعي ما دمنا في دنيا تتطلب العمل وتعِد في الآخرة بالحساب والمكافأة، مع التأكيد أن كل تعب وراءه نجاح مبهج، فها هو رمضان ختامُه عيد يسعد فيه الإنسان بقدر تعبه ومجهوده، ولنوصِ بعضنا ببعضنا ونتراحم، وما ذلك إلا بالرأفة والامتنان لكل من يهيئ لنا الأجواء لنحظى برمضان متميز وهانئ.