بنفسج

إخلاص حماد: وفاؤنا للأحرار عهد حياة ومسير

الأربعاء 27 سبتمبر

ينتظر الأسير في حبسه لحظة الحرية دقيقة بدقيقة، حتى ذلك الذي يستحيل المنطق بشأن الإفراج عنه، في حال كان من الأسرى المحكومين بالحكم المؤبد أو من ذوي الأحكام العالية، يظل متشبثًا بالأمل فهو الخيار الوحيد والأعظم، فالله عند حسن ظن عبده به مهما استحكمت الحلقات ، ولكن ماذا لو تحقق الحلم وعانق الأسير حريته ليبدأ بعدها بتحقيق كل الأحلام التي كانت مؤجلة، وفي أوج السعادة تُنتزع حريته من جديد.

زواج مشروط ...!

 

الأسير شادي عودة اعتُقل عام 2002، وحكم بالسجن 23 عامًا، ولكنه لم يتم محكوميته حيث تحرر في صفقة وفاء الأحرار ،وبعد تحرره ارتبط الأسير شادي برفيقة عمره، السيدة إخلاص حماد، ولكن لم تلبث معه إلا ثلاث سنوات، بل أقل، ليُعاد اعتقاله مرة أخرى عام 2014، وإعادته ليكمل حكمه القديم حتى يتمه. 

لن نروي اليوم تفاصيل حياة الأسير البطل شادي عودة، ولكن سيكون حوارنا مع شقه الذي يعيش في الحرية انتظاراً وشوقا، السيدة إخلاص حماد 33 عامًا التي ما زالت على العهد حتى تعانقه هي وأطفالها من جديد.

هذا حال كثير من الأسرى الفلسطينيين، وبالأخص الأسرى المحررين من صفقة وفاء الأحرار عام 2011 الذين أُعيد اعتقالهم عام 2014، وأعيدت لهم محكوميتهم الأصلية. أحد هؤلاء الأسرى هو الأسير شادي عودة الذي اعتُقل عام 2002، وحكم بالسجن 23 عامًا، ولكنه لم يتم محكوميته حيث تحرر في صفقة وفاء الأحرار.

الأسير شادي عودة اعتُقل عام 2002، وحكم بالسجن 23 عامًا، ولكنه لم يتم محكوميته حيث تحرر في صفقة وفاء الأحرار ،وبعد تحرره ارتبط الأسير شادي برفيقة عمره، السيدة إخلاص حماد، ولكن لم تلبث معه إلا ثلاث سنوات، بل أقل، ليُعاد اعتقاله مرة أخرى عام 2014، وإعادته ليكمل حكمه القديم حتى يتمه ،لن نروي اليوم تفاصيل حياة الأسير البطل شادي عودة، ولكن سيكون حوارنا مع شقه الذي يعيش في الحرية انتظاراً وشوقا، السيدة إخلاص حماد 33 عامًا التي ما زالت على العهد حتى تعانقه هي وأطفالها من جديد.

توقف الزمان منذ اعتقل الاحتلال شادي، كل شيء بات مؤجلًا ورهن الحرية المنتظرة، فشادي كان أعزبًا عندما أعتقل، وهو الذي كان دومًا يرجو أن ينشيء بيتًا أمنًا جميلاً، ولكن غدر الإحتلال وقف في طريقه حتى أذن الله له بالخروج رغمًا عنه، ليبدأ البحث عن شريكة العمر التي طالما تمناها.


اقرأ أيضًا: رائد وأسماء الحوتري: زوجان يفصلهما 22 مؤبدًا!


وقع حينها اختياره على إخلاص التي اخبرتنا عن هذه الجزئية بالتفصيل فتقول: "عندما جاء زوجي أبو محمد لخطبتي كان صريحًا وواضحًا، قال لي: "يمكن أن يعاد اعتقالي مرة أخرى إذا كنت لا تستطعين أن تتحملي فلا تقبلي بي..!".

لم تكن أم محمد تعرف أي شيء عن حياة شادي السابقة، خصوصًا الجانب الجهادي منها، ولكن كونه أسيرًا سابقًا بالنسبة لها كان شرفًا وفخرًا قبل وبعد أي شيء، فتقول: "هؤلاء الأبطال هم أهل الله، باعوا أنفسهم وزهرة شبابهم من أجل الجهاد في سبيل الله، وكرامة هذا الوطن الحبيب"، وتضيف إخلاص عن أسباب قبولها للزواج: "من عاداتنا عندما يأتي العريس لخطبة العروس نسأل عنه أهل التقوى والصلاح، ومنذ أن طلبني وتلفون والدي لم يهدأ اتصالات من أصحاب زوجي ومن أصحاب والدي، كلهم يمدحون به وبأخلاقه العالية، أبي لم يتردد لحظة، بل شجعني، وقال لي: "إن كنت تبحثين عن المال فالمال يأتي ويذهب، وإن كنت تبحثين عن الخلق والدين، فهو من أصحابها، وإن كنت تبحثين عن النسب فنعم النسب أهل حق وجهاد".

عائلة مناضلة

 
لم تكن السجون شيئًا جديدًا في حياة إخلاص، فقد تربت في أسرة جهادية، كانت تذهب لزيارة والدها وأعمامها منذ نعومة أظفارها في سجون الإحتلال، حيث كان أعمامها الخمسة ووالدها معتقلين في نفس الفترة، كذلك في عائلتها الشهداء، فعمها الشهيد عبد الرحمن حماد أغتيل في عام 2001، وخالها الشهيد رفيق حماد قضى في عملية استشهادية في تل أبيب، ناهيك عن الاقتحامات المتكررة التي كانت تقوم بها قوات الاحتلال لبيوتهم كل أسبوع مدججين بالسلاح والكلاب والأذى الكثير.

لم تكن السجون شيئًا جديدًا في حياة إخلاص، فقد تربت في أسرة جهادية، كانت تذهب لزيارة والدها وأعمامها منذ نعومة أظفارها في سجون الإحتلال، حيث كان أعمامها الخمسة ووالدها معتقلين في نفس الفترة، كذلك في عائلتها الشهداء، فعمها الشهيد عبد الرحمن حماد أغتيل في عام 2001، وخالها الشهيد رفيق حماد قضى في عملية استشهادية في تل أبيب، ناهيك عن الاقتحامات المتكررة التي كانت تقوم بها قوات الاحتلال لبيوتهم كل أسبوع مدججين بالسلاح والكلاب والأذى الكثير.

كان الفرح عماد بيت إخلاص وشادي الذي تكلل بعد مدة بطفلتهم الأولى عائشة التي تبلغ اليوم من العمر تسع سنوات ،وفي غمرة الاستقرار والسعادة، كان في الغيب شيء آخر ينتظر الزوجين، ذكره شادي يومًا لإخلاص حينما تقدم لخطبتها فتقول: "في عام 2014 وردت الأخبار التي أعلن الإحتلال فيها أنه سوف يعتقل كافة الأسرى الذين خرجوا في صفقة وفاء الأحرار، ومن وقتها لم نكن نبيت في بيتنا، هو يبيت عند أخته وأنا في بيت أهلي ، وحصل ما كان بالحسبان، إذ أعتقل من بيت أخته بعد 3 أيام من إعلان الخبر".


اقرأ أيضًا: حضنٌ وقبلة.. من يؤتِي تأويلَ حلم الأسيرة فدوى حمادة؟


كان ارتباط إخلاص بزوجها شرف كبير لها، وبعد هذه الحادثة بات ارتباطها بشادي يزيدها عزًا وشرفًا، والصبر، والرضا بالقضاء والقدر، هي في انتظار شريكها يومًا بيوم ولحظة بلحظة، فالله أكبر من كل السجون وحراسها.

رحيل مبكر

Screenshot_٢٠٢٣٠٣١٩-٠٩٢٢٥٠_YouTube.jpg
عائلة الأسير شادي عودة

بعد بضعة شهور من إعادة اعتقال شادي كانت إخلاص على موعد مع وضع طفلها الثاني محمد، الذي علمت بحمله بعد اعتقال زوجها بثلاثة أيام فتقول: "تجربتي بالحمل لاشك بأنها رحلة تعب ومشقة يتخللها الحزن، كم تمنينا أن يكون بيننا لحظة الإنجاب لكن قدر الله وما شاء فعل، وله الحمد حتى يرضى".

اعتقال شادي لم يكن مبكرًا جدًا بالنسبة لزوجته وحسب، بل لأطفاله أيضًا الذين لم يتعرفوا عليه بالقدر الكافي، فوقع على كاهل أم محمد أن تجعله حاضرًا رغم الغياب، وأن لا تسمح للإحتلال بنزعه من قلوبهم ومخيلتهم مهما حاولوا، فستكون لهم بالمرصاد.

 تقول: "أحاول قدر الإمكان أن أحرص على حضور زوجي في حياة أبنائي، من خلال وضع النقود في جيب المعطف الخاص بأبيهم، أقول لهم خذوا مصروفكم من معطف والدكم ،كنت في كل فترة تقريبًا أجعلهم يشاهدون فيديو خروج شادي من السجن، وفيديو زفافنا، وأدعهم يفتشون الصور، ويتأملون به، وكان في سجن النقب والاتصالات مسموحة ويتحدث معهم ويسأل عن متطلباتهم ويخبروه هم عن كل يومهم".

كثيرة هي الأسئلة التي تطرحها عائشة ومحمد على والدتهم، وتستمع لها بصبر وتجيب عنها بحب مهما تكررت أو كثرت، أو كانت إجابتها مستحيلة، فتقول: "أكثر الأسئلة التي يرددها الأبناء: أين بابا؟ لماذا أبي مسجون؟ فأجيب لأنه بطل يرفض الظلم، يصلي في المسجد، ويدافع عن وطنه. ويسألون أحيانًا كيف كان يلاعبنا؟ ماذا فعلنا بصحبته ونحن صغار؟ فأروي لعائشة قصتها المفضلة، أخبرها كيف كانت تغفى على صدره ، وليلة اعتقاله لم تنم وهي تردد بابا...فقدته وشعرت بغيابه مع أنها لم تبلغ من عمرها إلا عشرة شهور. أما محمد فإ نني كنت أخترع له القصص... أنه كان يلاعبه ويخرجه ويحمله".

لحظات صعبة

 
 تقول: "أحاول قدر الإمكان أن أحرص على حضور زوجي في حياة أبنائي، من خلال وضع النقود في جيب المعطف  الخاص بأبيهم، أقول لهم خذوا مصروفكم من معطف والدكم، كنت في كل فترة تقريبًا أجعلهم يشاهدون فيديو خروج شادي من السجن، وفيديو زفافنا، وأدعهم يفتشون الصور، ويتأملون به، وكان في سجن النقب والاتصالات مسموحة ويتحدث معهم ويسأل عن متطلباتهم ويخبروه هم عن كل يومهم".
 

فكرة غياب الزوج عن بيته وزوجته بحذ ذاتها فكرة صعبة، فكيف إذا كان غيابه قسرًا، ولكن وكما روت لنا إخلاص فهناك لحظات أصعب من غيرها، وعلى رأسها أن تكون الأم والأب معًا عمود البيت الوحيد بكل مسؤولياته وأعبائه، فتقول: "القيام بدور الأب من الذهاب للسوق أو جلب الأغراض للمنزل أو أخذ الاولاد إلى المشفى لوحدي أمر بالغ في الصعوبة ،خاصة أنه  كان يرافقني عندما تمرض عائشة، ويقوم بإيصالي وانتظاري حتى ينتهي العلاج، ويترك عمله ويتفرغ لنا أو لإصلاح المنزل وغيرها من المهمات". وتضيف: "أنا لم أعتد ولن أعتاد على ذلك خصوصًا أن الأطفال يكبرون والمسؤولية تزداد، ولكن بفضل الله راضية مطمئنة بقدر الله، حامدة شاكرة كأنها منحة وليست محنه، فالحمد لله رب العالمين".


اقرأ أيضًا: أم الأسرى سناء سرحان: حكايا غائرة خلف نفق الحرية


وفي خضم الصعوبات والشدائد يتمحص الناس ليظهر الداعم الحقيقي، والكتف الثابت واليد التي تربت لتكون لإخلاص هبة سماوية في شدتها تشد من عزمها، وتزيد من قوتها، مشيدة في هذا المقام بأهلها وصحبتها الصالحة التي لم تتركها يوما في أزمتها ، أم محمد حماد اليوم تدرس في جامعة النجاح الوطنية، دكتوراه في أساليب التعلم والتعليم، وكانت قد حازت قبلها على درجة الماجستير في مناهج التدريس وأساليبه، مع العلم أنها خريجة بكالوريوس جامعة القدس المفتوحة في تخصص العلوم.

"الدافع الأكبر للاستمرار، والتحمل ابتغاء الأجر والجهاد في سبيل الله، ومن ثم معاملة زوجي وأخلاقه الرائعة، تكون بلسمًا في محطاتي المتعبة رغم بعده، وسنظل بالانتظار حتى يأتي الفرج قريبًا بإذن الله".

ولم تكن الدراسات العليا حلمًا شديد الارتباط بإخلاص لولا إلحاح زوجها المستمر لتكمل تعليمها، فتقول: "منذ أن جاء أبو محمد لخطبتي طلبت منه أن أكمل تعليمي، فقال إن كنت قادرًا لن أحرمك وسوف أساندك وأدعمك بكل ما أستطيع، وبعد بقائه 4 سنوات في السجن طرح علي الفكرة، وقال لي اذهبي إلى الجامعة وإسألي عن تفاصيل التقديم، وكنت مترددة إلا أنه شجعني بقوة، ووقف بجانبي معنويًا وماديًا خلال مسيرتي التعليمية حتى اليوم".

وتضيف: "ليس هذا بالشيء الغريب عن صاحب العلم، فأبو محمد أيضًا يكمل الماجستير في عرينه، ونسأل الله أن تكتمل فرحتنا بخروجه وتخرجه سالمًا غانمًا وبطلًا نفتخر به في ساحات الأقصى المبارك".

إخلاص لها من اسمها كل النصيب، فهي مثال عظيم في الإخلاص لزوجها ولعهدها معه في سبيل الله ومرضاته، فتقول: "الدافع الأكبر للاستمرار، والتحمل ابتغاء الأجر والجهاد في سبيل الله، ومن ثم معاملة زوجي وأخلاقه الرائعة، تكون بلسمًا في محطاتي المتعبة رغم بعده، وسنظل بالانتظار حتى يأتي الفرج قريبًا بإذن الله".