بنفسج

سماح العروج: دفء العائلة تحجبه جدران السجن

الأحد 30 أكتوبر

وقفَت عند صورته المُعلّقة على إحدى جُدران بيتهما الدّافئ الذي عمّره زوجها عليّ بِحُبّ، تلتمس من ابتسامته السّند الذي ارتكزت عليه في وقت ضعفها، تبقى قوية لأجله ولأجل صغارهما، تخبر صورته عن اشتياقها له، عن ليالي الحرية القادمة التي ستجمعهما، ستقص له ما عايشته في غيابه بكل تفاصيله وحكاياه التي لن تنتهي، سماح السيدة القوية التي ما زالت تخوض اختبار حياتي صعب نجحت في المسؤولية التي ألقيت على كاهلها بالإجبار على الرغم من كل لحظات الألم، بغياب زوجها -الأسير الفلسطيني علي العروج- الذي اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي أصبحت أُمًّا وأبًا لأولادهما الأربعة "أحمد، نور، محمد وتقى". بكُلّ فخر عرفت عن نفسها: "أنا سماح العروج، زوجة الأسير المجاهد علي العروج، المُعتقل منذ 2016، والمحكوم بالسجن 24 عامًا. حاصلة على شهادة بكالوريوس في اللغة العربية، أملي أن نرى بأولادنا مُستقبلًا مُشرقًا نحصد فيه أعوام صبرنا هذه".

| ذكريات الاعتقال وما بعده

 
 
لا شك أن الطريق كان صعبًا على سماح تحاول أن تلملم شتات نفسها واشتياقها وتبقى بمظهر الثابتة أمام أطفالها لتغرس في نفوسهم معنى الصبر وقيمته. تكمل لنا عن الموقف الذي هزها من الداخل: "ابنتي نور كانت بالروضة حين اعتقال والدها، بعدما رأت همجية الاحتلال وفارقنا والدها دخلت في حالة نفسية معقدة".
 
تضيف: "بدأت ألاحظ عليها أعراض خوف غير مبررة، لا تريد أن تخرج لساحة البيت للعب مع أشقائها، ترفض الذهاب لبيت جدها وحدها، حتى الاستحمام كانت ترفضه، لم أعلم ما الذي يجب أن أفعله في البداية ولكن سرعان ما صحبتها إلى طبيبة نفسية لتفرغ ما في جعبتها من حديث وبالفعل نجحت الطبيبة في إعادة ابنتي نحو طبيعتها المرحة والحمدلله".

السيدة سماح تحاول أن تكون الأم والأب لأطفالها الذين اُعتقل والدهم في العام 2016 في ظروف صعبة، لم تنس مطلقًا يوم اعتقال زوجها على الرغم من مرور أعوام على الحادثة، تقول بتنهيدة أخرجت فيها ألم السنوات الماضية وبثبات الصامدين الصابرين: "يوم اعتقال علي، لم يراعوا خصوصيّة البيت، حتّى أنّهم لم يدقّوا الباب، دخلوا البيت بطريقة مُريبة، كان الأولاد صغارًا أكبرهم في الصف الأول، اقتحموا البيت وبجانبهم الكلاب المُجنّدة وعاث الجنود فسادًا وخرابًا، أخبرنا الجنود بأنّ هناك أطفال وأن عليًا في البيت، ولكنّ لا حياة لمن تُنادي".

أخذ الجنود علي وغادروا بعدما بثوا الرعب في قلوب الصغار، وقفت سماح بكل ثبات بعدها لتحتضن أطفالها، تخبرنا عن طفليها محمد الذي كان يبلغ 3 أعوام وتقى شهرًا واحدًا حين اُعتقل والدهما، وتضيف: "محمد وتقى لم ينسجا ذكرياتٍ مع علي، ولم يُدرِكاه سوى في الزيارات والمحاكم، حرصت على أخذ تقى بشكل دائم للزيارة لتتعرف على والدها لكنها كانت ترفضه وترفض الحديث معه نهائيًّا، بقيت أحاول أن أعرفها على علي بكل الطرق حتى تتأقلم على وجوده ونجحت في ذلك، فبعد بلوغ تقى عامها الثاني بدأت تفتقد والدها وتطلب أن تزوره".

"يفتقد أبنائي والدهم في كل مناسبة أو جمعة عائلية، أرى ذلك في تصرفاتهم وفي أعينهم وإن لم يعبروا لي عن ذلك، فأنا أم وأشعر بسريرة أولادي، فعند زيارة بيت الجد والجدّة سواء أهلي أو أهل علي، أراهم وهم يلعبون مع أقرانهم من أولاد عماتهم أو أخوالهم إلى أن يأتي أباؤهم، ففي هذه اللحظة يركضون إلى حضني وأنا أعلم جيدًا لماذا".

"يفتقد أبنائي والدهم في كل مناسبة أو جمعة عائلية، أرى ذلك في تصرفاتهم وفي أعينهم وإن لم يعبروا لي عن ذلك، فأنا أم وأشعر بسريرة أولادي، فعند زيارة بيت الجد والجدّة سواء أهلي أو أهل علي، أراهم وهم يلعبون مع أقرانهم من أولاد عماتهم أو أخوالهم إلى أن يأتي أباؤهم، ففي هذه اللحظة يركضون إلى حضني وأنا أعلم جيدًا لماذا".

لا شك أن الطريق كان صعبًا على سماح تحاول أن تلملم شتات نفسها واشتياقها وتبقى بمظهر الثابتة أمام أطفالها لتغرس في نفوسهم معنى الصبر وقيمته. ما أصعب أن يمتحن المرء في أولاده، سماح تعرضت لامتحان صعب في الدنيا في ظل غياب زوجها تكمل لنا عن الموقف الذي هزها من الداخل: "ابنتي نور كانت بالروضة حين اعتقال والدها، بعدما رأت همجية الاحتلال وفارقنا والدها دخلت في حالة نفسية معقدة، حيث بدأت ألاحظ عليها أعراض خوف غير مبررة، لا تريد أن تخرج لساحة البيت للعب مع أشقائها، ترفض الذهاب لبيت جدها وحدها، حتى الاستحمام كانت ترفضه، لم أعلم ما الذي يجب أن أفعله في البداية ولكن سرعان ما صحبتها إلى طبيبة نفسية لتفرغ ما في جعبتها من حديث وبالفعل نجحت الطبيبة في إعادة ابنتي نحو طبيعتها المرحة والحمدلله".


اقرأ أيضًا: سيما متولي: خلسة العيش بعيدًا عن قبضة السجان


أما عن البكر أحمد الذي كان يرافق والده في كل مناسبة حتى اُعتقل، فقد عاهد نفسه على الاستمرار على نفس درب والده؛ يشارك الناس مناسباتهم قائمًا بدور والده الغائب، بعد كل مشوار له يعود إلى البيت باكيًا على غياب والده القسري، يخبر سماح بأنه على الرغم من حزنه على فراق أبيه إلا أنه واثق تمام الثقة بأن كل أقدار الله خير حتى وإن بدت لنا عكس ذلك، فذلك لحكمة ما يعلمها الله.

تكمل زوجة الأسير علي: "يفتقد أبنائي والدهم في كل مناسبة أو جمعة عائلية، أرى ذلك في تصرفاتهم وفي أعينهم وإن لم يعبروا لي عن ذلك، فأنا أم وأشعر بسريرة أولادي، فعند زيارة بيت الجد والجدّة سواء أهلي أو أهل علي، أراهم وهم يلعبون مع أقرانهم من أولاد عماتهم أو أخوالهم إلى أن يأتي أباؤهم، ففي هذه اللحظة يركضون إلى حضني وأنا أعلم جيدًا لماذا".

| القرآن في حياة عائلة الأسير العروج

6-3.jpg
أطفال الأسير  الفلسطيني علي العروج

بدأ زوجي بحفظ القرآن الكريم منذ أن كان في الروضة، وحين كان في الصف الأول حفظ جزء عمّ، اعتاد على المكوث في المساجد، عندما كبر قليلًا كان يذهب إلى المسجد قبل وقت الآذان حتّى يؤذّن قبل وصول المؤذن، ولكن لم يسمح له بالأذان في كثير من الأحيان نظرًا لصغر سنه! بإمكاننا القول إن علي تربّى في المساجد. تقول سماح: "في بداية زواجنا عام ٢٠٠٧ كان خارجًا من الأسر حافظًا للقرآن، بدأت أساعده في مراجعة القرآن؛ لِيُثبّته، أنهينا نحو 5 أجزاء، ولكنّنا انشغلنا بقدوم بكرنا أحمد".

سلك الأسير علي نفس دربه مع طفله الأول وعندما وصل أحمد الصف الأول كان حافظًا لجزء عمّ، كان والده يواظب على تدريسه ويُشجّعه كما كان يحلم بأن يراه حافظًا لكتاب الله، لكن القدر كان أكبر مما خطط له، فاعتُقل "أبو أحمد"، وفيما بعد حكم الاحتلال عليه بالسجن ٢٤ عامًا. ولم تفتر عزيمة الوالد فظل على تواصل مع أبنائه يشجعهم خلال زياراتهم له على حفظ القرآن وتعلم أحكام التجويد.


اقرأ أيضًا: هيفاء أبو صبيح: في أن تكوني أمًا وأسيرة


تكمل: "طلب مني علي من جديد أن نحفظ القرآن سويًا، أنا أحفظ ما تيسر لي وهو يُثبّت حفظه، أنهيت معه بدايةً البقرة وآل عمران مرورًا بالنساء والمائدة وختامًا بسورتي الأنعام والأعراف، لكن الاحتلال نقله إلى سجن نفحة لفترة وانقطعنا عن هذه العادة، ولكني بحمد الله أكملت الطريق الذي أحببناه أنا وعلي وحصلت على شهادة "تجويد سنة ثانية".

يخبرني علي بشكل دائم عن ترتيب يومه المزدحم داخل الأسر، ففي الصباح لديه ندوة مع الأسرى، وبعد كل صلاة جلسة تدريس القرآن والتجويد، وأيضًا يُدرّس الأسرى بالجامعة عِدّة مواد مُتعلّقة بالشريعة والدراسات الإسلاميّة.

| يوميات زوجة أسير

عليّ يعيش بين أبنائه حتى وبعد قضائه 7 أعوام في غياهب السجون، إلّا أنّه بين أُسرته، فمصروف المدرسة يؤخذ من جيب "بنطال" علي أو من جاكيته، وتخبر الأولاد أنه هذا مصروفكم من والدكم، وأيضًا على مائدة الطعام تضع صورته يوميًا على الطاولة وعلى مقعده المُفضّل.

وفي نهاية حديثنا مع سماح تخبرنا بأن أطفالها صورة مصغرة من والدهم يصبرونها على ليالي الانتظار الطويلة، وتفخر بأن أحمد أتمّ إلى الآن ١٠ أجزاء من القرآن، أمّا محمد ونور أتمّا الجزء الثاني وتقى أنهت جزء عمّ.

تغيرت حياة سماح بعد غياب زوجها علي كثيرًا فأصبحت المسؤولية على عاتقها كبيرة للغاية، من تدريس الأولاد ومتابعة حفظ القرآن، وشراء أغراض المنزل ودفع الفواتير وخلافه من هذه الأمور، وأيضًا في بداية اعتقال علي كانت مشغولة بمتابعة المحامين، تقول: "فوق كل المهام الملقاة فوق رأسي لم يكن الوضع المادي جيّدًا، ولكن بإمكاننا القول إنّه كان ميسورًا، فبعد ثلاثة أشهر من اعتقاله نزل أول راتب وكان في البداية ١٨٠٠ شيكلًا. وأيضًا أحاول كُلّ عام التقديم لوظائف التربية، ولأنّي زوجة أسير ينتمي للحركة الإسلامية أُرفَض؛ يَرفضون قراءة ملفي حتّى. في كُل مرة نفس أسباب الرفض! مع أن هناك امتيازات لزوجة الأسير لكنّي لم أحظ بها".

تحرص الأم جيدًا على أن تزرع في نفوس أولادها أن والدهم بطل وأسطورة، تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تبقيه حاضرًا بين أولاده، ففي يوم ميلاد علي تحتفل مع الأولاد، تحرص على عدم انقطاع الرسائل بين زوجها وأبنائها، تذكرهم دائمًا بأهمية ما فعل من أجل الوطن، من أجل فلسطين قضية وشعبًا، تدعوهم للفخر به، "رفعت رأسنا يابا واحنا معك".


اقرأ أيضًا: مذكرات أسيرات: فصل جديد لميس أبو غوش


عليّ يعيش بين أبنائه حتى وبعد قضائه 7 أعوام في غياهب السجون، إلّا أنّه بين أُسرته، فمصروف المدرسة يؤخذ من جيب "بنطال" علي أو من جاكيته، وتخبر الأولاد أنه هذا مصروفكم من والدكم، وأيضًا على مائدة الطعام تضع صورته يوميًا على الطاولة وعلى مقعده المُفضّل. وفي نهاية حديثنا مع سماح تخبرنا بأن أطفالها صورة مصغرة من والدهم يصبرونها على ليالي الانتظار الطويلة، وتفخر بأن أحمد أتمّ إلى الآن ١٠ أجزاء من القرآن، أمّا محمد ونور أتمّا الجزء الثاني وتقى أنهت جزء عمّ.