بنفسج

هند الحسيني: وجه فلسطين المضيء

السبت 13 مايو

"لم يكن في جعبتي يومها سوى (138) جنيهًا فلسطينيًا، آليت على نفسي أن أعيش بها والأطفال، أو أموت معهم؛ إذ تصورت وكأن الشعب الفلسطيني سوف يمحى وينقرض، لو مات الأطفال! وكيف يمحى شعبنا العظيم! لا.. وألف لا!".

سيدة حملت على عاتقها مسؤولية عظيمة، احتضنت الأطفال الأيتام إثر مجزرة دير ياسين، فكانت الأم والمربية لهم. لم يكن لديها مكان أو أموال، ومع ذلك تولت مهمة الاهتمام بالأطفال وفتح ملجأ لهم. سنتعرف هنا على السيدة المقدسية هند الحسيني.

البداية في حياة هند الحسيني

في العام 1916 ولدت هند في بيت جدها "والد أمها"، ولم تكن الطفلة هند تعلم أن المكان الذي ولدت فيه سيكون ملجأ للأطفال الفلسطينيين وسُمي لاحقًا بدار الطفل العربي، وتناقلته كتب التاريخ. لم تر والدها وهي طفلة واعية حيث توفي وهي في عمر السنتين، فكان عبء التربية كله على والدتها التي تولت مشقة تربية 6 أطفال كانت هند أصغرهم.

في مدرسة البنات الإسلامية كانت بداية الصغيرة لتخطو نحو عالم التعلي، فأنهت الابتدائية في العام 1932، ثم انتهت من الثانوية العامة عام 1937، ثم كانت وجهتها الكلية الإنجليزية للبنات في القدس، ودرست دراسات خاصة لمدة سنة في آداب اللغتين العربية والإنجليزية.

في العام 1916 ولدت هند في بيت جدها "والد أمها"، ولم تكن الطفلة هند تعلم أن المكان الذي ولدت فيه سيكون ملجأ للأطفال الفلسطينيين وسُمي لاحقًا بدار الطفل العربي، وتناقلته كتب التاريخ. لم تر والدها وهي طفلة واعية حيث توفي وهي في عمر السنتين، فكان عبء التربية كله على والدتها التي تولت مشقة تربية 6 أطفال كانت هند أصغرهم.

في مدرسة البنات الإسلامية كانت بداية الصغيرة لتخطو نحو عالم التعليم، فأنهت الابتدائية في العام 1932، ثم انتهت من الثانوية العامة عام 1937، ثم كانت وجهتها الكلية الإنجليزية للبنات في القدس، ودرست دراسات خاصة لمدة سنة في آداب اللغتين العربية والإنجليزية.

بعدما أنهت الدراسة انطلقت للعمل معلمة في مدرسة البنات الإسلامية، ولم تطل مدة عملها، فقد اندلعت الحرب العالمية الثانية وهذا غيّر خطتها التي كانت تنوي السير عليها، تركت التدريس وتوجهت نحو سلك العمل التطوعي، فكان طريقها جمعية التضامن الإجتماعي النسائي بالقدس والتي شاركت في تأسيسها.

هند الحسيني1.jpg
ما قالته هند الحسيني بعد مجزرة دير ياسين

لم يدم العمل طويلًا في الجمعية، جاءت النكبة عام 1948 وحدثت مجزرة دير ياسين التي غيرت توجهات هند والمتطوعين في ذلك الوقت ، نجى كثير من أطفال دير ياسين واستشهدت عائلاتهم فبقوا وحيدين لا ملجأ لهم، حتى ظهرت هند وتولت المسؤولية، وبمساعدة عدنان أمين التميمي جمعت خمسة وخمسين طفلًا ووضعتهم في غرفتين في بيت عائلتها القديم، ولم تكن تملك وقتها سوى جنيهات معدودة.

كان التقاء هند بالأطفال محض صدفة؛ وهي في طريقها لحضور اجتماع للجمعية رأت مجموعة من الأطفال المشردين في الشارع إثر مجزرة دير ياسين، فاصطحبتهم لشقتها، ثم نقلتهم إلى منزل عائلتها، ومن هنا كان بدء العمل لسلسلة خدمات تطوعية تخدم كل الفلسطينيون المشردين بسبب النكبة.


اقرأ أيضًا: قبيل النكبة وبعدها: الشهابي تنظم الجهود النسائية


ظلت هند تتابع الأطفال حتى قررت أن تكبر المكان، فأسست جمعية دار الطفل العربي في القدس ، حولت المكان بأكمله الذي كان يقطن به الأطفال إلى مدرسة، وفتحت صفوف لهم، فكان الكراج ومكان الخيول صفوفًا مؤقتة وبعد مدة طويلة، بنيت المدرسة بالتدريج بتبرعات من فاعلي خير.

وفي ذلك السياق تقول مديرة مؤسسة دار الطفل العربي، ماهرة الدجاني، في كتاب يسرد سيرة هند الحسيني الذاتية: "لقد أطلقت السيدة هند على قاعات مباني تلك الدار وغرفها أسماء فلسطين، ومدن وقرى سقطت في أيدي الصهاينة بعد النكبة، حتى لا تنسى أي من النزيلات ما حل بوطننا".

التطوع في حياة هند الحسيني

كان لها دور بارز في النكسة عام 1967، فقد حولت المدرسة التي أسستها مستوصفًا لعلاج الجرحى في تلك الفترة، وتقف بالزي الأبيض، تساعد الجرحى، ثم تنطلق نحو المدن لرؤية الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم لمساعدتهم. في عام 1967 قصف الاحتلال الإسرائيلي مقر دار الطفل العربي ودمر نصفه، ثم جدده ورممه الصليب الأحمر النرويجي ليعود كما كان.

كان لها دور بارز في النكسة عام 1967، فقد حولت المدرسة التي أسستها مستوصفًا لعلاج الجرحى في تلك الفترة، وتقف بالزي الأبيض، تساعد الجرحى، ثم تنطلق نحو المدن لرؤية الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم لمساعدتهم. في عام 1967 قصف الاحتلال الإسرائيلي مقر دار الطفل العربي ودمر نصفه، ثم جدده ورممه الصليب الأحمر النرويجي ليعود كما كان.

أنشأت السيدة هند الحسيني في العام 1971 معهد التربية والخدمة الاجتماعية، وبهذا أصبحت الجمعية التي كانت عبارة عن غرفتين مبنى متكاملًا يشمل حضانة للأطفال، ومدرسة للمرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وأيضًا خُصص مكان فيه لمكافحة الأمية وتعليم الخياطة.


اقرأ أيضًا: سونيا نمر: تاريخ فلسطين تختصره حكاية جدي


لم تتوقف السيدة المقدسية عند هذا الحد بل في عام 1982 نفذت مشروع بناية "كلية هند الحسيني للآداب للبنات" بإشراف ودعم من منظمة المؤتمر الإسلامي وفيما بعد انضمت الكلية إلى "جامعة القدس" في أبو ديس.

بعدها ابتيع بيت الأديب الفلسطيني إسعاف النشاشيبي وصار مركزًا للأبحاث الإسلامية، ومعهدًا يمنح درجة الماجستير في الآثار والحضارة الإسلامية، فكانت نقلة نوعية وفريدة في العمل المجتمعي التطوعي الذي كان تحت رعاية هند الحسيني.

التراث الفلسطيني في المتحف

هند الحسيني.webp
السيدة هند الحسيني

لم يتوقف عطاء السيدة هند عند حد الاهتمام بأطفال مجزرة دير ياسين، والاعتناء بالنساء الفلسطينيات وتعليمهن مهنة تفيدهن، بل كان لها دور في المساهمة في حفظ التراث الفلسطيني، بدأت في بداية الستينيات بجمع القطع المطرزة القديمة بأيدي نساء فلسطينيات من مختلف مدن فلسطين، وقررت أن تفتتح متحفًا شعبيًا لوضع كل المطرزات التي بحوزتها، لتحفظ هذا الكنز الفلسطيني من السرقة والاندثار.

اختارت للمتحف عمارة قديمة في العام 1787 وعرضت فيه (2200) قطعة جمعتها في ذلك الوقت، وكلما عثرت على شيء تراثي ضمته للممتلكات المتحف. يُذكر أن الشكل العام للمتحف مميز للغاية كونه تراثي يعود للقرن الثامن عشر، ويحوى أزياء فلسطينية، وحلي بأشكال مميزة من قرى فلسطين، وأدوات الحرف التقليدية. ولا يزال المتحف الفلسطيني في القدس منذ ذلك الحين من المعالم الأثرية الفلسطينية الشهيرة.


اقرأ أيضًا: وديعة خرطبيل: 60 عامًا من النضال لأجل فلسطين


هند كانت شعلة في النشاط المجتمعي والتطوعي، فاشتركت في مؤتمرات عدة منها مؤتمر خبراء التدريب المهني للشرق الأوسط الذي عقد في لبنان عام 1953 وقدمت فيه تجربتها  في دار الطفل والحقل الاجتماعي. إضافة إلى الحلقة الدراسية عن دور المرأة الريفية واشتراكها في برنامج النهوض بالمجتمع الريفي عام 1959، وكان موضوعها عن الجمعيات الخيرية في ميدان العمل تنظيم جامعة الدول العربية.

أما عن الأوسمة التي حازت عليها فكانت وسام من البابا بمناسبة زيارة البابا بولص الرابع للقدس عام 1964، ووسام الكوكب الأردني للخدمة الاجتماعية عام 1983. نُصبت هند الحسيني رئيسة لمجلس أمناء كلية الآداب للبنات-جامعة القدس. ونالت عضوية العديد من المؤسسات، فهي عضو في مجلس إدارة الفتاة اللاجئة، وفي مجلس إدارة جمعية المشروع الإنشائي، ومن مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية.

بعد رحلة طويلة من العطاء انتقلت روح السيدة هند الحسيني إلى بارئها في العام 1994 إثر مرض عضال ، وقالت عنها السيدة حنان الهْيدَمي البالغة من العمر ما يقارب الستين عامًا، إحدى طالبات "دار الطفل"، عنها: "كانت أمًا للجميع، لم تكن فقط تحتضن أبناء الشهداء والمهجرين، بل احتضنت كل أطفال القدس. علمتنا أصول الحياة والعادات والتقاليد، كما علمتنا الاعتماد على أنفسنا، ولن أنسى فضلها مدى الحياة".