بنفسج

للعروس دانية وأختها إيمان.. "حفل زفاف على الأكتاف"!

الجمعة 12 مايو

"عصفورٌ صغير يطلق جناحيه فوق مقعد أرجوحة طائرة في الهواء"، لوحة خشبية رسمت خطوطها فتاة في سن السابعة عشر عاماً، وبلسان آلة الحرق الخشبية، سارت بدقة فوق ما خطه قلمها لتتضح معالم لوحتها المختزلة بتعابير قصيرة تحكي عن "الحب، الحرية، الأحلام"، ولكن تلك كانت بداية النهاية.

الشهادة في منام

والد دانية.webp
والد الشهيدتان دانية وإيمان عدس

"بابا شو رأيك باللوحة؟"، "ما شاء الله عليكي والله إنك فنانة يا إيمان ومش خسارة فيكي آلة الحرق الجديدة"، بخفة روح تخبر "إيمان عدس" والدها بأن ما صنعته كان نتاجاً لطلباتها المجابة، وبطريقة أكثر خفة أمدّت والدها بما رأت في نومها: "بابا أنا شفت منام إني كنت فيه عروس ولابسة بدلة بيضة وكل الناس كانت معزومة"، قاطعها والدها "مالك يا بابا هادا العرس لأختك الخاطبة دانية، لسه انتِ صغيرة!".

أما عن "دانية" العروس المخطوبة حديثاً منذ حوالي ثلاثين يوماً فقط، كانت تقضي وقتها قبل أيام في إنهاء اختباراتها الجامعية في تخصص المحاسبة، وهي تدندن لعائلتها حول شكل عرسها بعدما أخذت وعداً من والدها وخطيبها "بدي عرس مش زي أي عرس". رغم بساطة المدخول اليومي لوالدها إلا أنه يقول "مصباح علاء الدين معي بس بناتي يتمنوا وأنا بحقق أحلامهم"، وفعلاً قطع لها والدها وعداً بأن يكون لها عرساً كبيراً كما رسمت في مخيلة أحلامها، واتفق الأخير مع خطيبها على تحديد موعد حفل زفافهما وأن يكون في المكان الذي اختارته ابنته العروس يوم الواحد والعشرين من شهر يونيو.

"دانية" ابنة العشرين عاماً، أنهت مرحلة الثانوية العامة بتقدير85% والتحقت بتخصص المحاسبة بواحدة من الجامعات الفلسطينية، وفي عامها الجامعي الثاني تقدم لها الشاب "محمد سعيد" لخطبتها، في البداية آثرت أن تنهي دراستها أولاً، ولكن والدها أخبرها بأنه شاب وسيم ويليق بها زوجاً ليكمل معها حياتها، فكان لها ذلك بعد أن أومأت برأسها موافقة.

"سميتها دانية لتدنو من قلبي، فكانت الأحب عندي بكل ما فعلت، حتى أني أخبرتها في أكثر من مرة أنها تتميّز في فهم ما تحكيه عيوني، تجيبني دون أن أسأل، تلبي ما أرغب به دون أن أطلب، فكانت دانية كما تمنيت"، يقول والدها "علاء عدس".


اقرأ أيضًا: "ميار وعلي" أطفال جنين غدرت بهم "إسرائيل" في غزة


يخشى الأب "علاء" ألا ينصف كلتا ابنتيه، فينتقل من عروسه إلى شقيقتها الأصغر إيمان "بنتي الطفلة إيمان كلامها قليل بس أفعالها كتيرة"، ويكمل "حتى لما بدها تطلب مني مصروفها آخر الأسبوع كما اتقفت معها بتحكيلي بطريقتها، بابا إنت ناسي حاجة مهمة اليوم" يمازحها ضاحكاً "يا ساتر شو أنا ناسي ذكريني!"، ترد عليه بخفة "اليوم موعد مصروفي يا حلو"، يتبادلان الضحكات ويناولها المصروف أخيراً.

تكنز إيمان مصروفها لشراء لوحات خشبية وألوان لممارسة هوايتها، وتدلل نفسها بشراء هدايا وحاجيات تغلفها عند بائع المكتبة من وقت لآخر، تفضل غالباً شراء دبدوب كبير يملأ ذارعيها لاحتضانه، وتحلم بدراسة الطب أو تخصص الصيدلة في حال حصلت على معدل مرتفع، كما حدثنا والدها.

الوداع الأخير

داخل غرفة خصصها الأب "علاء" لابنتيه الأصغر بعدما زوّج ثلاثة منهن، وكانت عروسه "دانية" ستكمل الرقم أربعة، سحبت "إيمان" دبدوبها المفضل إلى أحضانها كما تفعل كل ليلة، وهمست شقيقتها "دانية" في أذن هاتفها لخطيبها "بأن تصبح على خير". على بعد ساعتين من إنهاء مكالمتها الهاتفية لم يصبح "عريسها" على خير، بعدما باغتتهما صواريخ حربية إسرائيلية في وقت أشارت إليه عقارب الساعة نحو الثانية فجراً، اخترقت سقف الغرفة وحولت أثاثها إلى قبر دفن تحته الأختين معاً.


ليلة أخيرة لم تكن في الحسابات ولم يسبقها أحداث تعين الميدان على الارتباك أو حتى ترجح التخمينات لذلك، انتهت بعدها كل الأحلام وتحوّلت ألوانها الزاهية إلى رمادية تلونها بقع دماء قانية.

داخل غرفة خصصها الأب "علاء" لابنتيه الأصغر بعدما زوّج ثلاثة منهن، وكانت عروسه "دانية" ستكمل الرقم أربعة، سحبت "إيمان" دبدوبها المفضل إلى أحضانها كما تفعل كل ليلة، وهمست شقيقتها "دانية" في أذن هاتفها لخطيبها "بأن تصبح على خير". على بعد ساعتين من إنهاء مكالمتها الهاتفية لم يصبح "عريسها" على خير، بعدما باغتتهما صواريخ حربية إسرائيلية في وقت أشارت إليه عقارب الساعة نحو الثانية فجراً، اخترقت سقف الغرفة وحولت أثاثها إلى قبر دفن تحته الأختين معاً.

في ذات اللحظة تحقق حلم العروس "دانية" وصدق منام الصغيرة "إيمان"، فالأولى أعلنت أمنيتها لأن يكون لها حفل زفاف كبير، وها هي تُشيّع على أكتاف الآلاف عروساً محمولة ترتدي كفناً أبيضاً، وصدق منام الصغيرة "إيمان" لمّا حدثت والدها بأنها ترى نفسها عروساً برفقة أختها. الأب الرؤوم "علاء" أمضى عمره في الاستماع إلى أمنيات حبيبات قلبه وإجابة طلباتهن دون تردد، "إذا كانت دانية قلبي، فإيمان عيني"، تتسابق الدموع من حبّات عيونه لكنه يسعف نفسه بـ"الحمدلله".

يختم والد الشهيدتين قوله، "والله صعب عليا أودع تنتين من أحب بناتي على قلبي، وبدلاً من تسليم ابنتي ليد عريسها دفنتها في قبرها". أوصى الأب "علاء عدس" بمطالبة الجهات الدولية بالقدوم إلى بيته لرؤية ما فعله الاحتلال بغرفة تعود ملكيتها لطفلتين، وطالب محكمة الجنايات الدولية بتحقيق عادل ينصف فتياته، واصفاً عملية قتلهن بأنها جريمة مكتملة الأركان.