بنفسج

انتهت زيارة الأسرى: هذا الباص مثقل بالحكايا

الأحد 14 مايو

في كل مرة أقول لنفسي سأنام، أريد أن أهرب من أي قصة سأسمعها في هذه الحافلة، لأنني أعرف أنها ستحفر في قلبي وعقلي خنادق متأججة بلهب المشاعر ونيران الآهات المكبوتة، وسيعميني دخان العجز الذي أشعر به كل مرة يخبرني أحد قصة دمعته، أو سكوته، أو هيامه! ولكنني لا أتقن الهرب، وأنا شخص يتقن الحضور بكله عندما يحدثه أحد، وحتى لو لم يحدثني أحد تراني أتأمل تلك الرؤوس التي تركت الطريق تهزها يمينًا ويسارًا باستسلام، وكأن الروح لا زالت في أقسام السجن لم تغادر، وهذا الجسد استسلم لانحناءات الطريق، لا يكتثر أين تودي به، تجدني أتأملهم وأسبر غور أرواحهم بصمت، أتخيل كل شخص وحمله، ومسؤولياته، وتطلعاته إلى المستقبل.

في كل مرة أقول لنفسي سأنام، أريد أن أهرب من أي قصة سأسمعها في هذه الحافلة، لأنني أعرف أنها ستحفر في قلبي وعقلي خنادق متأججة بلهب المشاعر ونيران الآهات المكبوتة، وسيعميني دخان العجز الذي أشعر به كل مرة يخبرني أحد قصة دمعته، أو سكوته، أو هيامه!

ولكنني لا أتقن الهرب، وأنا شخص يتقن الحضور بكله عندما يحدثه أحد، وحتى لو لم يحدثني أحد تراني أتأمل تلك الرؤوس التي تركت الطريق تهزها يمينًا ويسارًا باستسلام، وكأن الروح لا زالت في أقسام السجن لم تغادر، وهذا الجسد استسلم لانحناءات الطريق، لا يكتثر أين تودي به، تجدني أتأملهم وأسبر غور أرواحهم بصمت، أتخيل كل شخص وحمله، ومسؤولياته، وتطلعاته إلى المستقبل.

هل إلى لقاء من سبيل؟ -هل سأكون على قدر المسؤولية؟ -عليّ أن أكمل ما تركته خلفي من مهمات الليلة، ولكن هل سيكون بمقدوري ذلك بعد سفر يصل إلى خمسة عشر ساعة؟ أتخيل الحوارات وأحاول إسكات عقلي عن التفكير، لأنه شيء يدفعك إلى الجنون حقًا، عندما تجد امرأة تزور منذ ٢٠ سنة، وعجوز تزور ابنها تتعكز على مرافق لها، لا تدري هل ستراها الزيارة القادمة أم لا؟

حاج كبير يتوكأ عصاه يحمل بيده أدويته، يتصبب عرقًا، ويمشي خطواته مثقلة، تسمعه يهمهم ويقول: "إن شاء الله آخر زيارة". فتاة في مقتبل العمر تزور خطيبها، وامرأة مع طفل صغير لم يمض على زواجها سوى بضع ذكريات جميلة والكثير الكثير من الألم والتضحية، وطفل لم يعرف والده سوى من خلف الجدران والتفتيش وحراس السجن، ينام في كل مكان، وإذا استيقظ، فملاعبته تطفي الروح على كل من في المكان!

أصناف من الآهات على هيئة بشر هم ركاب هذه الحافلة، أذكر أنني حاولت أن لا أسألها ما بها، وأنا قد لاحظت أنها في طوابير تسجيل الزيارة بكت بصمت ومسحت دمعتها بكبرياء، ما أن وقعت عيناي عليها في الحافلة حتى تنهدت وكتمت دمعتها مجددًا، لم أستطع أن أوقف نفسي عن سؤالها ما بها، لا من باب الفضول بل من باب الرحمة، فأنا من أقل الناس فضولًا في ما يتعلق بالآخر.

أجابت وأتعبتني، تعبت أيامًا من جوابها، حين قالت: "في أواخر رمضان ذهب ابني -متزوج وله أبناء صغار- ليفطر عند أحد أصدقائه، في الطريق وقع حادث معهم وتوفاه الله، بكيت في زيارة اليوم لأن هذه أول زيارة لي لابني الأسير بعد وفاة أخيه، تخيلي لم يستطع أن يودعه، لم يلق عليه آخر نظرة، كان الحمل ثقيلًا، أن أدخل على ابن لي أسير، حرمني منه المحتل، لأحدثه عن ابني الآخر الذي فارق الحياة، فبكت وبكيت، حبست دمعتي ولكنها أبت إلا أن تخرج في ذلك اليوم، واليوم وأنا أكتب هذه الكلمات.

المقال كاملًا، من هنا.