بنفسج

التعريف: أسير أو طالب جامعي مع وقف التنفيذ

الثلاثاء 18 يوليو

ذاتَ يوم، وبينما يمر عامُك الدراسيّ بشكلٍ جميل ولطيف، وضحكات وجهك تبعث بالطمأنينة في قلب والدتك وكل من هم حولك. ونفسك ممتلئة بـــ "الحمد لله" لأجلِ كل نعمة عظيمة أنت فيها، وأيامك تمر بكل خير وصفاء وسعادة، وتخطيطاتك على الأبواب تشرُع بالدخول، وإنجازاتك العظيمة التي تَودُ تحقيقها بانتظارك، وأهدافك وآمالك وكل ما تتوق نفسك للوصول إليه .. فجأة يظهر أمامك أمرٌ لم يكُن ضمن تلك الأحلام والآمال التي ينبض بها قلبك، وتشتعل بها عزيمتك، ينقض أمام عينيك ذلك الوحش، وحش الظلم المستبد، ويخطف منك كل آمالك وأحلامك وسعيك وإنجازاتك ولحظات الدفء في قلبك،وكل أنحاء روحك ليحولك إلى "أسير في سجون الاحتلال"، ذلك الوحش الذي كان يطارد أحلامك، ويسعى لجعلها هباءً، لكنك وبكل يقين قلبك تقول: عبثًا تحاول، فلن أبرح حتى أبلغ.

هو ليس أي احتلال، إنما هو احتلال الفكر والإنسانية، هو احتلال كل نفس عظيمة كانت تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى ربها، وتتوق لكل خير وضعت على هذه الأرض لأجله. أي ظلم أعظم من هذا الظلم الذي يهدم كل ما بنيته من أحلام وإنجازات وأهداف أمام عينيك الممتلئتين بالصدق والإخلاص.

أي ظلمٍ أعظم من هذا الظلم الذي يحرم روحك من العيش بهدوء وطمأنينة، أي ظلمٍ الذي يسلب منك كل حقوقك، ويسلب منك راحتك ومأكلك ومشربك، أي ظلمٍ الذي يريد منك أن تكون سجينًا لفكره، ولست حرًا طليقًا بفكرك، يريد منك أن تكون عبدًا للشهوات حتى لا يقترب منك، وأن تكون بلا هدف ولا مبدأ ولا دين ولا عقيدة "إنه يريدك صديقًا معه في جهنم"، لكن الله أعظم منه ومن كل تخطيطاته. ليس المطلوب منك في وقتها سوى الاستسلام "ليس لهم"، لكن لقضاء ربك الذي أحبك، فاصطفاك ليبتليك، ثم ليمكن لك.


اقرأ أيضًا: خراريف فلسطينية: الوطن في حقيبة سفر


وأن تتذكر حلاوة الأجر التي ستحظى به بصبرك واحتسابك لله عز وجل ويقينك التام أنه معك و"لا غالبَ إلا الله"، وهنا ستشرقُ تلك الابتسامة المفعمة بالبِشْرِ والتفاؤل، ولكن بطعم آخر ستشرق بطعم الرضا عن الله و بأنك شيءٌ عظيمٌ عند الله، نعم أنت لك قدر عنده، لذلك اختارك من بين الجميع وكأنه يقول لك "وأنا اخترتك" ليطمئن قلبك في تلك اللحظة أنك ستبقى حرًا طليقًا ما دمت على الحق، ولن يُثني عزمك قيدٌ أو سيف.

ولن تشعر حينها سوى بتلك الكلمات والحروف التي كنت ترددها من -عزم وثبات وصدق وتحمل للأذى في سبيله تعالى- ينهدل صداها في أذنيك ثم إلى قلبك ليجعله ممتلئًا بحب الله، وتبدأ آيات القرآن بعقلك تنبض وتحضن قلبك المعتصم بالله وتؤنس وحدته، حتى تبدأ من هنا الحكاية "هي خلوتي مع الله وليس سجنًا. ليزيدني منه قربًا وصُنعًا على عينه وحدَه، وليمتلئ قلبي بالحب له والازدياد من العلم والإخلاص والصدق، فأنا في رعاية المولى وكفايته ولا أخشى أحدًا سواه أبدًا، نعم، وسينصرك ربك ويعزك هذا هو وعده لك والله لا يخلف الميعاد.

”كلُّ بَذلٍ إذَا العَقيدةُ رِيعَت

دُون بَذلِ النُّفوسِ نَزرٌ زهِيدُ

مُسلمٌ يَا صِعابُ لَن تَقهرينِي

فِي فُـؤادِي زَمازمٌ ورُعودُ“

أخي وأختي، أنا لا أردِدُ هذه الكلمات على مسامعك لأطلب منك أن تشفق على إخوانك الذي ضحوا وتحملوا كل هذا الأذى، لا لا هو بنظرنا أذى لكن بنظرهم "خيرٌ عظيم هم به مستبشرون"، لنشفق على حالنا نحن. صحيح أننا الآن في رغد من العيش، ولا أروع وحياة فريدة من نوعها، وشهوات تنسدل أمام عينيك من كل حدب وصوب، لكن الطريق المعبَدُ بالمصاعب نهايته فجر النَّصر المبين.

إنما أطلب منك أولًا: أن تعزم النِّية على إصلاح دواخلك وهو الأوّلى أن تبدأ به عندَ كلِّ بداية صادقة، ليس تنظيرًا عليك إنما والله وبكل صدق هو الطريق لكل خير عظيم تتأمل أن تناله في الدنيا، وستنال أعظم منه في الآخرة.

أما ثانيًا، فهو أن تقرأ وتتعلم وتغذي عقلك جيدا حتى يزهر على لسانك وجوارحك، تعلموا من سِيَر الصحابة العظماء وكم كابدوا الآلام الجسَّام في سبيل هذا الدين العظيم، وصدقني أن الله غني عني وعنك وعنا جميعًا، ونحن الذين سنفوز إذا رضي عنا واستعملنا. وتذكر دومًا: لو كانت الجنة بالمجان لدخلها كل إنسان لكن الله جعل مهرها المكاره.

ارفع صوت الحق فيك، ولا تخشى أصواتَ القيامة، ‏إذا لم تبنِ من نفسك بناءً راسخًا شديدًا في زمن رخائك تستند عليه زمن ضعفك وتركن إليه أيام الشدة، فلتبْكِ على عقلِك البواكي. تحمل كل شيء في سبيل ما أنت مقدم عليه واعتصم بالله نعم المولى ونعم النصير "أليس الصبح بقريب".