بنفسج

"وأذن في بالناس بالحج": في أسرار الحج

الأحد 25 يونيو

تبدأ رحلة أداء مناسك الحج حين ينطلق الحاج قاصدًا المشاعر المقدسة لأداء الفريضة الخامسة في الشريعة الإسلامية، والتي تُعتبر رحلة الخروج عن كل ما هو مألوف في هذه الحياة، من حيث تجديد المقصد من وجود الإنسان فيها، فالحج يعد من الأمور الحياتية التي تعطي للحياة معنًى وهدفًا. هذه الفريضة فيها يتساوى حجاج بيت الله الحرام، إلّا أنهم يتفاوتون في مدى قدرة كل حاج على استشعار أسمى معاني تلك العبادة وأسرارها، لذلك نجد هذا التفاوت ما بين من يحج ببدنه ومن يحج بروحه ووجدانه.

لنبدأ بتصّور حياة الإنسان القائمة على السير خلف الملذات من خلال امتلاك الأشياء واقتنائها، في حين يفتقد المغزى الحقيقي من هدف الوجود في هذه الحياة، وهذا ما عبّر عنه علي شريعتي في كتابه الحج الفريضة الخامسة: "إن حياة الناس التي يعيشونها ليست هي الحياة كما ينبغي لها أن تكون، فهي لا تعدو كونها تدور في حلقة مفرغة، أو هي حركة لا تقصد إلى هدف ولا ترمي إلى غاية، أو هي كبندول الساعة يغدو ويروح بلا معنى.

فيبدأ الإنسان دورته نهارًا لينهيها ليلًا، ويبدؤها ليلًا لتنتهي مع خيوط الصباح: وبين هذا وذاك يجلس ليراقب لعبة الفأر الأبيض والفأر الأسود وهما يمضغان نسيج حياته حتى يفضيان به إلى الهلاك". فالإنسان عندما يستشعر حاجته يكافح من أجل الحصول عليها وافتقاده لها يجعل الهدف من الحياة هو الحياة ذاتها.

هل الحج جاء ليغير الحياة ومجراها؟

 

عند الوصول إلى مكة يرى الحاج عجائب هذه الأيام المباركة، فأينما تلتفت بناظريك ترى موكبًا من مواكب الله وقافلة من قوافل الأيمان يهتفون بالتسبيح والتكبير والتلبية، مشيهم عبادة، وزحفهم صلاة، وسفرهم هجرة إلى الله، وغايتهم المغفرة والرضوان، تراهم حشودًا بصورة متكاملة متناسقة كأنهم بنيان مرصوص على اختلاف الأجناس وتباين اللغات وتغاير الأوطان اجتمعوا على كلمة الله تعالى.

 

لحظة من فضلكم .. لنتأمل قليلًا.. هل الحج جاء ليغير الحياة ومجراها؟ عندما نقرر الشروع في فريضة الحج وتبدأ خطوات رحلة الإنسان من العالم المزدحم والممتلئ بالفروقات والفواصل، إلى التجلي الحقيقي البعيد كل البُعد عن زيف الاستعلاء بشهوات الدنيا ومقتنياتها الفانية، حينها يكون الإنسان قد دخل مرحلة الحج الفعلية (ما أن يتهيئ ذهنك للحج، فإنك تنهض وتتحرك بعيدًا عن أجوائك الرتيبة، بعد ما أن تكون في بيتك مستقرًا مطمئنًا هادئاً)، حرر نفسك وهاجر إلى الله في الحج وهناك ستلقى الله.

السلام عليكم، نحن الآن على وشك الهبوط إلى أرض السلام، الأرض التي لا يقطع شجرها ولا يقتل طيرها، ومن دخلها صار آمنًا، نحن الآن حيث الرحلة التي لا تتكرر في العمر إلا مرة واحدة، رحلة لا تصفها المشاعر والكلمات. سننطلق في جولة من محطات عدّة نبدأها بتحية بيت الله الحرام مروراً بالمشاعر المقدسة حتى نودع مكة، حيث تكمن أسرار مناسك الحج وروحانيتها بالتأمل والانغماس بالأجواء الروحانية والمشاعر المتدفقة، ومن هذه النسمات: الاستعداد للحج بالتوبة النصوح وتجديد النيّة لله تعالى، فقد قيل في ذلك بأن أفضل الحجاج: أخلصهم نيّة وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقينًا.


اقرأ أيضًا: الحج وعيد الأضحى.. العودة لأصل الحكاية


الميقات التي توجب على الحاج خلع ثيابه ليستبدلها بالثوب الأبيض لينسجم الجميع في زي واحد، حيث يعطي ذلك المكان الشعور بأنك في ضيافة الله الروحية والتي تلامس جميع الحجاج الذين جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها، نازعين جميع المظاهر المادية من قلوبهم وأجسادهم ليتجّردوا بارواحهم وينالوا شرف الضيافة، بهذا الإحرام يبدأ الحاج بقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

إن الوصول إلى البيت الحرام، والذي فيه يبدأ الحاج بطواف القدوم، والذي من خلاله نتعلم صورة من صور الجمال ومشهدًا من مشاهد الكمال، أنه منظر متناسق وبديع تشهد فيه بأن الإسلام هو دين نظام ودين ألفة ودين حياة، يكون الطواف بالقلب فيه تستحضر التعظيم، ويكون الحاج حينها ملائكيًا منشغل بذكر الله تعالى.

عند الوصول إلى مكة يرى الحاج عجائب هذه الأيام المباركة، فأينما تلتفت بناظريك ترى موكبًا من مواكب الله وقافلة من قوافل الأيمان يهتفون بالتسبيح والتكبير والتلبية، مشيهم عبادة، وزحفهم صلاة، وسفرهم هجرة إلى الله، وغايتهم المغفرة والرضوان، تراهم حشودًا بصورة متكاملة متناسقة كأنهم بنيان مرصوص على اختلاف الأجناس وتباين اللغات وتغاير الأوطان اجتمعوا على كلمة الله تعالى.

إن الوصول إلى البيت الحرام، والذي فيه يبدأ الحاج بطواف القدوم، والذي من خلاله نتعلم صورة من صور الجمال ومشهدًا من مشاهد الكمال، أنه منظر متناسق وبديع تشهد فيه بأن الإسلام هو دين نظام ودين ألفة ودين حياة، يكون الطواف بالقلب فيه تستحضر التعظيم، ويكون الحاج حينها ملائكيًا منشغل بذكر الله تعالى، ومن خلال السعي بين الصفا والمروة يستشعر الحاج معنى التضحية والجهد، ويربط على قلبه عبارة السيدة هاجر: سَلِّمْ لما لا تعلم.

يوم الحج الأكبر "يوم عرفة"

حج.jpg

يوم عرفة يوم الحج الأكبر يتضرع فيه الحاج إلى الله تعالى ليحشر في زمرة الفائزين المرحومين فالموقف موقف إجابة، على صعيد عرفة أعرب علي شريعتي في كتابه "هنا تزول الفواصل والحدود لتتحد الأمة التي لا تقوم على التعصب لجنس ولا لعرق إنما على الإنسانية العالمية؛ حيث ينخفض التمايز إلى الحد الأدنى، وسط مجموعات تمثل العالم كله في هذا السهل تحت الخيام البيضاء الممتدة من الأفق إلى الأفق".

وأنت تقف على صعيد عرفات تسأل بينك وبين نفسك ما الذي يفترض أن أراه في هذا المكان؟ وما الذي ينبغي أن أقوم بإنجازه؟ لتجيب نفسك بأنك حرُّ وستفعل ما تشاء، فقد تقضي يومك سابحًا في المحيط البشري الأبيض، أو قد تقضيه نائمًا إلا أنك تتذكر جيداً أنك على صعيد عرفات. تكمن العظمة هنا في نظرتك للقوة الروحانية التي بداخلك وليس فيما تراه.

 لذلك اترك فطرتك وطبيعتك تحت شمس عرفات، ولا تبتعد عن أشعة الشمس والحرارة والازدحام، أخرج من خيمتك دافعًا نفسك وأظهر مع الناس دائمًا تارك الأنا تحترق تحت شمس عرفات ليوم واحد فقط، ففي هذا اليوم يتجلى الله على حجاج بيته ويتباهى بهم أمام ملائكتة، يا له من شعور روحاني ربّاني عظيم، (عرفات) هي منطقة عجيبة جدًا تزورها لمدة يوم واحد ثم تغادرها بعد الغروب ليصل الحجاج إلى المزدلفة ليدخلوها بوقار وتلبية ودعاء.


اقرأ أيضًا: طفلي وعيد الأضحى: هل أسمح لطفلي أن يشهد الذبح؟


رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة والتي هي في الحقيقة ترمي به وجه الشيطان طاردًا له، وقطعاً لأمله والتي فيها تتجلى آيات الرق والعبودية لله وحده. ذبح الهدي والتي تعد من أعظم القربات التي يتقرب بها الحاج إلى الله سبحانه وتعالى، حيث فيه عتق من النار، لتنتهي رحلة الحج عند أداء طواف الوداع حول الكعبة المشرفة من خلال الاستشعار بالعهد مع الله على اتباع طريقة الله.

ومن أهم علامات القبول التي يستشعر بها الحاج بأنه يعود أرقّ فؤادًا، وأزكى نفسًا، وأخشى قلبًا ويدرك في حجته أنه هاجر إلى الله زهدًا في الدنيا، ومقبلًا على الآخرة، ليكون حجه مبرورًا وسعيه مشكورًا. نسأل الله الكريم أن يتقبل الأعمال، وأن يعتق رقابنا من النار.