بنفسج

عائشة: خليلة رسول الله وأم المؤمنين

الأربعاء 09 اغسطس

أحب عائشة -رضي الله عنها- حبًا جمًا منذ صغري وإلى اليوم، وهي أحب أمهات المؤمنين إلى قلبي، يجذبني أي حديث عنها، لا أعلم إذا ما كان السبب وراء ذلك هو أن أول كتاب أتممت قراءته في حياتي كان "الصديقة بنت الصديق"، أم أنني أتممته أصلًا لأنه عنها. والحقيقة أن الاحتمال الأخير هو الأرجح، لأن في فصاحة "العقاد" وقوة بيانه، بالنسبة لطفلة مثلي حينها لا يتجاوز عمرها عشر سنواتٍ، مبررين كافيين للإقلاع عن قراءة الكتاب، إن لم يكونا كافيين للإقلاع عن القراءة كلها.

أتممت الكتاب لأنني أحب التي كُتب عنها، والناس فيما يميلون إليه مذاهب؛ فكل الرجال كل الرجال والغالبية من النساء يفضلن السيدة خديجة -رضي الله عنها- دائمًا بين أمهات المؤمنين جميعًا، يحبها الرجال لأنهم يحبون نموذج الأم فيها، وتحبها النساء لأنها في كل المواقف المنقولة عنها تصرفت أفضل مما ينبغي أن تتصرف، نحب فيها مثاليتها وكونها امرأة لن تتكرر. لن تتكرر خديجة -رضي الله عنها- لأنها غير عادية وغير مفهومة، أرقى من استيعاب العقل البشري، وأقرب للملائكة من البشر، حيث لا وجود للنفس بميولها ورتوشها في ردود الأفعال أو المعاملات.

أما عائشة؛ فأحب شدة ذكائها وفقهها وحزمها وكل مناقبها التي لا تعد ويحبها الناس منها، لكني قبل هذا كله أحب نقص عقول النساء فيها. وأحب أن اصطفاها الله لرسوله لنعيش نحن معها رحلتها كاملة من الطفولة بوداعتها، ثم الصبى بدلاله إلى نضج الكبار وحسن تصرفهم.


اقرأ أيضًا: تأملات في سورة البقرة: قصة طالوت وجالوت


كيف لصغيرة يرفعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كتفه قليلًا لتتابع مبارزة الأحباش بطفولتها تلك أن تكون أحب الناس لقلبه صلى الله عليه وسلم؟ ما هي المعادلة التي تحققت فيها لتكون أحب الناس لقلب أحب الناس لرب الناس؟ هذه التي يأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- جيشه بالتقدم ليسابقها، ويرق قلبه فيضحك إذا ما دخل عليها، فوجدها تصنع أحصنة سليمان من الطين وتلهو، تأسر قلبي بدلال النساء فيها يوم متابعتها للمبارزة خلف كتف النبي، يسألها "أشبعتِ؟!" فتجيبه "لا والله" .. ثم تفصح بعد ذلك بأن "أما أنا فقد شبعت، ولكني كنت أفعل ذلك حتى أعلم قدري عنده". أحب اندفاع هذه الحُمَيراء إذ تقع في غيبة إحداهن لغيرة منها في نفسها، وتهورها إذ تقول لرسول الله إذا ما وقع بينهما خلاف احتكموا فيه لأبيها رضي الله عنه "اتَّقِ اللَّهَ ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا".

كيف لصغيرة يرفعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كتفه قليلًا لتتابع مبارزة الأحباش بطفولتها تلك أن تكون أحب الناس لقلبه صلى الله عليه وسلم؟ ما هي المعادلة التي تحققت فيها لتكون أحب الناس لقلب أحب الناس لرب الناس؟ هذه التي يأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- جيشه بالتقدم ليسابقها، ويرق قلبه فيضحك إذا ما دخل عليها، فوجدها تصنع أحصنة سليمان من الطين وتلهو.

وأحب حبها لرسول الله إذ أنساها أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقدر منها على الرد عن نفسه حين تسمع يهود المدينة يحيُّونه بالـ"السام عليكم"، فتجيبهم دون تفكير "بل أنتم عليكم اللعنة". أحب المرأة العادية فيها؛ التي تستخدم فراسة النساء البعيدة بأن أم سلمة -رضي الله عنها- ما أرسلت صحن الطعام للرسول في بيتها إلا لتُري النبي أن طعامها أفضل من طعام عائشة؛ وأحب حنقها وغيرتها حين كسرت الصحن بما يحوي. كأن الله أراد أن يرينا من خلالها تقلب المرء بين الخير والشر، المرات التي يكبح فيها جماح نفسه والتي يغلبه فيها هواه. وأن يوصل إلينا بها رسالة واضحة بأن المرء يمكن أن يكون عاديًا؛ ويدخل الجنة. رضي الله عن سيدة نساء أهل الجنة وأرضاها، وجعل حبي لها شفيعًا لي يوم ألقاه.