بنفسج

تفاصيل نذوي إليها بأمان

السبت 02 سبتمبر

الرابعة إلا عشر دقائق، الوقت يمر كمر السحاب، ينطوي شيئًا فشيئًا، وعدّاد العمر يعد معنا، ألتقط من وقتي دقائق قليلة؛ لأرتب فوضى يومي، ثم أسأل نفسي ما الوقت؟ وماذا أنجزت؟ هذا هو سؤالنا اليومي. هل جرّبتم العودة إلى المنزل بعد يوم طويل متعب ونظرتم إلى المرآة، ثم سألتم أنفسكم مجددًا: من أنا؟ وهل حياتنا واقعية أم وهمية؟ فوضى من الأسئلة تعج في رؤوسنا، لماذا كل هذا التعب؟ وهل حقًا وضعنا أنفسنا في قوالب وبتنا مستهلكين لا ننتج؟

حسنًا دعونا نعود للوراء، كان همنا ونحن صغارًا أن نكسب لعبة الخطة، أو كما يسميها البعض لعبة الحجلة، أو أن نشرب الحليب قبل الخروج إلى المدرسة، وكانت أمهاتنا ترتب الأدعية، توقظنا بهدوء، ونخرج بعد أن ألقينا تحية الوداع، ونعود لتأدية واجباتنا المنزلية. ثم ننتظر أبانا العائد من العمل؛ لنغلق باب المنزل بعد دخوله ويعم الظلام الدامس بحلول الساعة الثامنة. لا صوت يعلو فوق صوت الأب، ولا ضجيج للتلفاز يعم في المنزل، كنا بهدوء وترتيب منظم، نكرره باستمرار ونمضي عليه، فأعلى ضجيج ممكن أن نسمعه هو صوت أولاد الحارة وهم يقفزون في الشارع.

كنا نستمتع بأحداث مسلسلنا الكرتوني عدنان ولينا، ونطرب على أغنية ريمي، ونتعلم الذكاء من المحقق كونان، والبساطة من أنا وأخي، ونطلق ضفائر شعرنا كسندريلا، ونتعلم الحب من لوز وسكر، والشجاعة من الكابتن ماجد، ونردد سويًا مرة في حينا زارنا في حينا فيل لطيف! أكمل الأغنية بطريقتك الخاصة فأنت أهل لها، فمواليد العام الحديث قد لا يقرأون هذا.

أما اليوم فترانا نحتاج إلى جلسة إقناع لابن الخمسة أعوام ليدخل غرفته للنوم، ونحتاج مكافآت عظيمة لنيقظه أيضًا، ضف على ذلك أنك ستصل لمرحلة أن تدرس عنه وتحل واجباته المدرسية، وتصنع له الشطيرة الصباحية المغلفّة بالكيس البلاستيكي الذي استبدل اليوم بطبق صنعوه ولونوه بألوان متعددة، خاليًا من الصحة مليئًا بالتكلّف. ومفتاح للتقليد الأعمى، ليعود الطالب إلى منزله يشتكي من ألم الظهر وجهد اليوم وسوء التغذية أيضًا، ويشاهد الرسوم التي تشجع على الغباء، والأغاني الطفولية التي تخلو من الكلمات، وتعج بالصوت المزعج.


اقرأ أيضًا: سبيستون: حين أهدتنا الحياة ضوءًا في آخر النفق


كان في زمننا للمعلم والتعليم قيمته، نختبئ إن رأينا معلمًا مارًا في الطريق، ونعد عشرات المرات قبل الحديث معه، اليوم بات الموضوع منسيًا بعض الشيء وفقد المعلم مكانته. لم يكن الفرح يحتاج منا أن نضع مئات من حبال الزينة، وعلب التوزيعات ومياهًا معدنية مغلفة ببطاقة ألف مبارك، ووردًا صناعي محاط بشمع أبيض يوزع باستمرار على المدعوين، ثم تسرد إحداهن قصتها الزوجية على منصة اجتماعية، متناسية أن حياتها وخصوصيتها يجب ألا يشاركها فيها أحد سوى زوجها؛ لتنهال عليها التعليقات ما بين مرشد وناصح وأخرى تسخط وأخرى تستهزأ، ثم تسأل باستغراب: هل يوجد مرشدة أسرية لحل المشاكل الزوجية؟

جميل أننا بتنا نستيقظ من الوهم ونعود إلى المصدر لأخذ المعلومة، إن كان لديك رغبة في الاستشارة لحل المشكلة، اسأل مختصًا نفسيًا، تريد نصيحة باختيار التخصص الدراسي؟ اسأل أهل الخبرة. كفوا من جعل الأشخاص العاديين علماء. سابقًا كان الفرح أبسط بكثير، يلتم المحبين وتبدأ المراسم والجميع يضحك بامتنان، وتتعالى الدعوات لحياة هنية يملؤها الخير والسعادة، والآن أرهقنا أنفسنا في التكلف بالتفاصيل، ونسينا أننا وجدنا في هذه الحياة لنعمرها، نسعى لمرضاة الله ونبذل جلًّ ما لدينا لنبث طاقتنا وننتج.

سابقًا كان الفرح أبسط بكثير، يلتم المحبين وتبدأ المراسم والجميع يضحك بامتنان، وتتعالى الدعوات لحياة هنية يملؤها الخير والسعادة، والآن أرهقنا أنفسنا في التكلف بالتفاصيل، ونسينا أننا وجدنا في هذه الحياة لنعمرها، نسعى لمرضاة الله ونبذل جلًّ ما لدينا لنبث طاقتنا وننتج.

كيف وضعنا أنفسنا بقوالب مقيتة؟ سألنا أنفسنا عدة مرات لماذا نحن هنا؟ هل كل هذا فرض علينا أم صنعناه بإرادتنا المطلقة؟ أسأل مجددًا هل التواصل الاجتماعي أجبرنا على فعل كل هذا؟ أم أننا نحاول الظهور ولم نجد طريقة أخرى؟ نحتاج أن ننظر للمرآة مرة أخرى وأن نخرج ملامحنا الطفولية ونتمسك بالاحترام والأخلاق؛ كي نمضي مطمئنين، فلا شيء يعادل الاطمئنان ولا شيء يعادل الحب.

باعتقادي سيأتي علينا عامًا نقلب الطاولة رأسًا على عقب، سيصبح كل شيء بالرغم من وجوده سهلًا إلا إنه بلا قيمة؛ كوننا لم نتعب فيه أصلًا، فهذه الراحة ستصبح مقيتة. لكن ما يبرّد قلوبنا أن المبادئ لا تنتهي بسهولة، ومن شب على شيء سيشيب عليه، وما غرسناه بالصغر سيكبر معنا، هكذا كانت تقول جدتي وها أنا أستحضرها الآن، ومن عاش في كنف العائلة يعرف ما معنى دفئ الأسرة ونصيحة الأخ وخوف الأب، علنّا نضيء أكثر بلا فلاتر وإضافات، نضيء بأرواحنا الصغيرة وقلوبنا التي تتسع مزيدًا للصداقات والحب الكبير، بابتسامتنا النابعة من قلوبنا، لا المصطنعة من ثنايا العالم الزائف.