بنفسج

خلوة مع الله: لشحن الطاقة واستشعار النعم

الأربعاء 23 اغسطس

أصبحت حياتنا اليوم مثل عجلة سريعة مستمرة في الدوران، تدور بنا سريعًا بأحداثها ومواقفها، تفرحنا تارة وتحزننا تارة أخرى، وتستمر في أخذنا من عمل إلى عمل ومن لقاء إلى اجتماع ومن مشكلة إلى أخرى، وهكذا تستمر في الدوران ليتصل ليلنا بنهارنا، ويتصل اليوم باليوم والأسبوع بالأسبوع والشهر بالشهر والسنوات بالسنوات.

لكن هل فكرت يومًا بإيقاف دوران هذه العجلة لبرهة تلتقط فيها أنفاسك؟ متى آخر مرة انسحبت من كل هذا الصخب، وجلست مع نفسك بصفاء ذهن ونقاء قلب ورقي روح خالعًا عنك رداء المادية، باحثًا عن الجوهر في أعماق نفسك وأسرار الكون من حولك؟

إن لم تكن قد فعلت ذلك؛ فمقال اليوم سيضع قدمك في أول الطريق نحو شعورك بالراحة والسكينة والصفاء والارتقاء، وكل هذا وأكثر سيتحقق لك من خلال "الخلوة". الخلوة تعني انقطاع حضورك عن الخلق واتصالك بالخالق سبحانه وانفصال ذهنك عن التفكير في مشاغل الدنيا، وإعماله بالتفكر بعظمة الله والتأمل بحال نفسك، وهذه الخلوة لفترة من الوقت قد تطول، وقد تكون مجرد دقائق تقطتعها من ساعات يومك لتخلوا فيها بنفسك، وهذا سياعدك على ارتقاء روحك وتحسن نفسيتك وصفاء ذهنك، وتفريغ قلبك من هموم الدنيا ومشاغلها التي لا تنتهي.

مشروعية الخلوة

كن هل فكرت يومًا بإيقاف دوران هذه العجلة لبرهة تلتقط فيها أنفاسك؟ متى آخر مرة انسحبت من كل هذا الصخب، وجلست مع نفسك بصفاء ذهن ونقاء قلب ورقي روح خالعًا عنك رداء المادية، باحثًا عن الجوهر في أعماق نفسك وأسرار الكون من حولك؟

إن لم تكن قد فعلت ذلك؛ فمقال اليوم سيضع قدمك في أول الطريق نحو شعورك بالراحة والسكينة والصفاء والارتقاء، وكل هذا وأكثر سيتحقق لك من خلال "الخلوة". الخلوة تعني انقطاع حضورك عن الخلق واتصالك بالخالق سبحانه وانفصال ذهنك عن التفكير في مشاغل الدنيا، وإعماله بالتفكر بعظمة الله والتأمل بحال نفسك.

الخلوة فعل الأنبياء والصالحين الأتقياء، وممن فتح الله عليهم من العلماء الذين أحدثوا في العالم تغييرًا جذريًا وحضاريًا:

فقد ورد في صحيح البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إن النبي صلى الله عليه وسلم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو في غار حراء يتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد". وقال الإمام النوي رحمه الله في شرح حديث عائشة: "أما الخلاء؛ فهو الخلوة، وهي شأن الصالحين وعباد الله العارفين".

| ومن القرآن الكريم ورد قوله تعالى في سورة المزمل: "واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلًا". والتبتل يعني: الانقطاع عن الناس والاشتغال بذكر الله والإنابة إليه.

| وأيضًا سيدنا موسى -عليه السلام- الذي استمرت خلوته بربه ثلاثين يومًا واذداد عشرًا، كما ورد في قوله تعالى: "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة".


اقرأ أيضًا: لتعرف نبيك: [5] علوم نبوية يُنصح بها


| ويقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: "من أحب أن يفتح الله قلبه وأن يرزقه العلم فعليه بالخلوة، وترك مخالطة السفهاء ومجالسة العارفين بالله والقريبين منه سبحانه".

| وعلى مدار التاريخ هناك العديد من الشخصيات العظيمة في التاريخ الإسلامي، لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لولا الخلوة ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر: الإمام ابن خلدون الذي اختلى بنفسه في مغارة غرب الجزائر، وجلس فيها سنوات طوال، وكان نتاج هذه الخلوة أعظم كتاباته مقدمة الإمام ابن خلدون.

كيف تطبق الخلوة بشكل عملي؟

الخلوة2.jpg
إن من أجمل الأوقات وأعظمها أن تكون في خلوة مع الله تناجيه وتستغفره

وانظر في قول الدكتور الراحل مصطفى محمود: "الخلوة مع النفس شيء ضروري ومقدس بالنسبة لإنسان العصر الضائع في متاهات الكذب والتزييف، وهي بالنسبة له طوق النجاة وقارب الإنقاذ". والآن بعد الإطلاع على أدلة مشروعية الخلوة وبيان أهميتها، لعلك عزيزي القارئ تسأل كيف يكون التطبيق العملي للخلوة، خاصة لو كانت الفكرة جديدة المرور على ذهنك، ولعلي أقدم لك بعض المقترحات التي تساعدك:

| خصص كل يوم جزء محدد من وقتك لتقضيه إما بخلوة تفكر: اقضي بعض من الوقت في الطبيعة أو الحديقة أو بلكونة منزلك، وتأمل ما حولك وتفكر في مخلوقات الله وعظيم قدرته وجمال صنعه سبحانه، وهو شيء مأمورين به شرعًا. يقول الله تعالى: "ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك فقنا عذاب النار" (119 آل عمران).


اقرأ أيضًا: في ذكرى مولده: كيف استوصى النبي خيرًا بالنساء؟


| خلوة تأمل النفس وأحوالها: يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا تقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" (18 الحشر).

لا بد للإنسان من وقفة مع نفسه يحاسبها دون جلد للذات، ويؤنبها على ما اقترفت من ذنوب وما أصابها من تقصير، ومن ثم يشجعها ويشد من عزيمتها للاستزادة مما وفقه الله إليه من طاعات وخيرات. ثم يتأمل حال نفسه وقلبه، ويحاول تفريغ هذا القلب وتزكية تلك النفس من عوالق الدنيا وما اكتسبه من شوائب مخالطة الناس، وما ينجم عن تلك المخالطة من أمراض قلوب كالبغض والحسد والحقد والعجب. فيستغفر الله عن ذلك كله، ويأخذ العزم على تصحيح سلوكه وتطهير قلبه.


اقرأ أيضًا: شغاف القلوب.. توضأ بالمحبة واقترب


| خلوة الذكر والتضرع: من أجمل الأوقات وأعظمها أثرًا في القلب وقتًا تقضيه مستحضرًا عظمة الله وجلاله وجماله سبحانه، فتناجيه وتستغفره وتذكره سبحانه، وأنت بعيد عن البشر، خالي الذهن من الأغيار والشواغل. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ورجل ذكر الله في الخلاء ففاضت عيناه" صحيح البخاري.