بنفسج

شغاف القلوب.. توضأ بالمحبة واقترب

السبت 16 يناير

احترتُ كَثيرًا ماذا سَأكتب، وَما هو عِنوان مُدونتي الأولى، لَكنني لمست إشارات الله ورسالاته، سبحانه، في كل حيرة كٌنت أَقع بِها، مقطعٌ يَتلو بِه أَحدُهم مِمن أَعطاه الله مِزمارًا مِن مَزامير آل داود، أو خاطرةً كتبها أديبٌ، مُستعينًا بكلامه، سبحانه، فأشعر بها كأنني لأول مرة أسمعها أو أقرأها، لعلَّ الصوت هو الذي قَرّب لي المَعنى، أو هُو الأسلوب الذي شَدني وأزال الغشاوة عن قلبي، فقال لي: "يا فتى إنّه كلام الله، إنّه رسالته لك، لك أنت بالتحديد، فخذها وَاعمل بها".

هُو القُرآن نَهج حَياتنا، وَالطريق الذي لو لَزمناه مَا ضللنا وما شَقينا أبدًا، وَلو تَعاملنا مَع آياته في أَفراحنا قَبل أحزاننا لَطْمَأَنت نُفوسنا، وَما استشعرت بِيوم أَنها وَحيدة، لو أننا حَرصنا على صُحبته كَحرصنا على أصدقائنا من البشر، لكان هو الأول في قُلوبنا بِدون مُنافس، لو أننا تعاملنا مع آياته بأنها رسالة من الله، لنا لَما تَركَناه دقيقةَ أو سَاعة أو يومًا على الأقل.

وَلكل وَاحد مِنّا، في القرآن آية، يُحبها وَيطمأن بِها ولقربها مِنه، يَشعر بِأنّها تُحدثه فِي كل مَرةٍ يَقرؤها أو يَسمَعُهَا، لَربما تُحدثك عَن رَحمته سُبحانه، أَو كَانت عَن نَعيمهِ، أو عَن عَفوهِ، أو ربما هي تصف حالك الآن. هُو هَكذا القُرآن، تَحُط آياته على قلوبنا كحمامات سلامٍ، فَتغدق عَليه بالكثير من الطُمأنينة والسكينة التي ما كانت لتكون لشيء إلا لها.

هنا في هذه المدونة بعض من الآيات التي عشت معها، وكان لها الأثر العظيم على نفسي: "وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ"، لَولا أَن هَدانا الله، هَل استشعرنا هَذه النَعمة، أَننا وُلدنا مُسلمين، أَننا على طريقه سُبحانه، تِلكَ الطَريق التي آخرها فَوزٌ عَظيم، وَجنةٍ عَرضها كعرض السماوات وَالأرض، فِيها ما لا عين رأت ولا أذن سَمعت ولا خطر على قلب بَشر، نَعم نَحن على هَذه الطريق بهدٍايةٍ منه سُبحانه وأطل التركيز على هدايته، وَحَتى وإن حِدنا عَنه قليلًا لَكننا عَليه، ونسأل الله أن نموت ونحن عليه. فهَل شَكرنا الله سبحانه على أنه أنعم علينا بهدايته، أننا من أتباع رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم.

"فإني قريب أجيب دَعوة الداع إذا دَعان"، فَإنّي قَريب، هُو سُبحانه القَريب مِنك، لَيس ذَلك الصَديق الذي تُفضله عَن الجَميع، وتهرب إليه إذا مَا هَاجَمك الحُزن، لا أَهلك وَلا أَحبابك وَلا أحد، هُو الله القريب المجيب السّميع، مَن يَراك وَيسمع نَجواك ويعلم مَا بداخلك، يَعلم بحالك وما يُصيبها مِن الهَم وَالحُزن وَالضيق، يَشعر بك، نَعم، ألست عَبده، وهو الرحيم، ألم تلاحظ أنه قال لك، فإنّي قَريب، قَدمها عَلى الإجابة لتطمئن أنه إلى جانبك حتى وإن لم تأتيكَ الإجابة بِما دعوت، ليخبرك أنه معك في السراء والضراء بكل أحوالك، يستقبلك كيفما كنت وبأيّ حَال أَتيتَ به، إنّه القَريب إنَه الله، فإنّي قَريب، قالها مباشرة لَنا: فإذا سألك عبادي عني، فإني قريب.

وحِينما أَقرأَ هذه الآية، أستذكر بها قَوله سُبحانه "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". أَخبرهم أَن لا يَخافوا مِني، أن لا يَقلقوا، أن لا يَحزنوا إن عَصوني، سَيَجدونني غَفورًا رَحيمًا، أَقبل مِنهم بَلْ وَأفرح برجوعهم إليّ.

"وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ". هَذه الآية تَستحي وَأنت تَقرأها، لك أن تَتخيل أن الله سُبحانه وجلَّ جلاله يقول لك، أَنا أُريد أن أتوب عليك، استغفرني، تُب، سَأقبل منك، لا تقلق لا تسمع لشيطانك، اقترب مني يا عبدي، أَقَبل عَليَّ، سأغفر لك مَهما أَخطأت.

وحِينما أَقرأَ هذه الآية، أستذكر بها قَوله سُبحانه "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". أَخبرهم أَن لا يَخافوا مِني، أن لا يَقلقوا، أن لا يَحزنوا إن عَصوني، سَيَجدونني غَفورًا رَحيمًا، أَقبل مِنهم بَلْ وَأفرح برجوعهم إليّ.

"قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ". نعم هذا قَوله سُبحانه، هو عليَّ هين، عَليه يَسهل كل أمر صَعُبَ عليك، رأيته مستحيل، لكنه عليه هين، أتريد الدليل؟ سيدتنا مريم، يبشرها الله بغلام من غير زوج، بل وَيجعله نبيًا. سيدنا زكريا يرزقه الله بنبي مسمى من عنده، رغم كبر سنه وامرأته التي لا تنجب لكنه الله، هو عليه هين. سيدنا ذو النون - عليه السلام - في ظلمتي البحر والحوت يسمع الله نداءه الخفي، فيجيبه، فقال "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ".

والقائمة تطول... لكن هي هَمسة مُحب تَذكر دَائمًا أن الله معك، ادعُ الله وأنت موقن بأنه سَيجيب دعوتك، إِن لَم يَكن لَك نَصيب مِنها فِي الدُنيا، فسيعطيك أجرها بالآخرة، أحسن الظن به سبحانه، وقل دائمًا لأمانيك، "هُو عَليَّ هَين".

"وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ". هذه الآية تِرياق كُل سَاعٍ لَم يَحصد نتائج عمله وسعيه، ببساطة، لأنّه سبحانه وجل جلاله يَرى، يرى تحركات عبده وسعيه وتعبه في هَذه الحياة. كم عافر بهذه الحياة، كم تَعب، كَم تَألم، كَم ذَاق من مُرِّ الحَياة.

وكل ذلك وُهو لا يحصد أي شيء أَو القَليل مِن مِقدار تَعبه لكنه مطمئن لِماذا وكيف؟ لأنّه سُبحانه يَرى. يعلم بأنّه الله لَن يُضيع أجره وَسيجزيه على عمله، فيطمئن ويرضى لأنه يَعلم بعظيم كرمه جل جلاله، وأنه إذا جاء فلا ممسك لَه إلا هو.

يطول الحديث مع القرآن، فَكل آيةٍ مِن آيته لَنا معها وَقفة لَكنّها، كما قلت، لكل واحدةٍ منها نصيب في قلوبنا، لكن قبل أن تغادر أخي الحبيب وأختي الفاضلة، هي همسة محب، اجعلوا القرآن رفيقكم وصاحبكم بهذه الحياة، أقبلوا عليه، تدبروا آيته عيشوا معه، استشعروا آيته، تعاملوا معها على أنها خطاب موجه لك خصيصًا من الله.