بنفسج

فن المواساة.. أي نوع من المواسيات أنت؟

الأربعاء 22 فبراير

لو أنّكِ بحاجة للفضفضةِ الآن فغالبًا ستخطر في بالك صديقة دون غيرها، هذه الصديقة أول من تختارينه لتصغي إليك دائما ً، ولو انعكس الظرف واحتاج أحد من معارفك أو صديقاتك لمن يواسيه ، فلعلكِ تكونين أول  خياراتهم ليتلقوا منك المواساة.

فلماذا نطلب المواساة؟ ولم هي مهمة وضرورية لنتخطّى ظرفًا صعبًا؟

الإنسان بطبيعته ضعيف، يحتاج لتأكيدات دائمة أن الأمور ستكون على ما يرام، وأنه سيخرج من الظرف الطارئ، ويحتاج من يذكره بالبديهيات، وأن الطوارئ من اسمها طارئة .. لن تدوم، والحياة ستعود إلى طبيعتها.

 كما أن الإنسان عادة ما يهدأ ويشعر بالمعية إذا التقى بشخص عانى نفس معاناته، ومرّ بنفس ما مر به، وأكّد له هذا الشخص بالذات أن المرحلة الصعبة مؤقتة، وشرحَ له طبيعة هذه المرحلة والأساليب التي اتخذها لمواجهتها.

ماذا تعني المواساة؟

مواساة الحزين من واجباتنا كمسلمين ، فالدين الإسلامي حثّ على تكاتف الناس في الأفراح والأحزان، وأقرّ بهذه الحاجة الفطرية عند الإنسان لتلقّي الدعم والتطمين، ولم ينكر عليه هذه المشاعر، وهذا الضعف المتأصل فيه، فإن كان رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، احتضن الجذع الذي حن إليه، فكيف بالبشر؟ ولعلّ هذه القصة ترقّق قلوبنا أكثر، وترينا مدى أهمية التعزية والمواساة والاحتضان.

مواساة الحزين من واجباتنا كمسلمين؛ فالدين الإسلامي حثّ على تكاتف الناس في الأفراح والأحزان، وأقرّ بهذه الحاجة الفطرية عند الإنسان لتلقّي الدعم والتطمين، ولم ينكر عليه هذه المشاعر، وهذا الضعف المتأصل فيه، فإن كان رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، احتضن الجذع الذي حن إليه، فكيف بالبشر؟ ولعلّ هذه القصة ترقّق قلوبنا أكثر، وترينا مدى أهمية التعزية والمواساة والاحتضان، و كم يجب أن نكون مُرهَفين، حاضري الأحاسيس، نبيلي المشاعر، ومتقدي الانتباه  لأي عزيز  بحاجة للاحتواء؟

بل إن العلماء استدلّوا بهذا الموقف على أن احتضان الحزين سنة، وفي الحديث الوارد عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جملة يتوقف عندها القلبُ طويلًا: "لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة"، رواه أحمد. جملةٌ لم تصف الجذع فقط، بل وصفت نفوسنا البشرية، ما أستخلصه منها هو أن المواساة والاحتضان ما لم يحدثا في وقتهما فإن التجاوزَ يتعسّر، والحزن والشوق يستمران، وعندها حتى لو مضى الإنسان في حياته، فإنه يحصل على ندبة نفسية ترافقه لأنه لم يرتوِ الارتواء المناسب في وقته، فشرط تأطير الحزن ومحاصرته أن نحزنَ بالقدر الكافي، وأن نتلقى مواساة كافية، ثم يكون نهوضنا بعدها صحيًا أكثر.


اقرأ أيضًا: هل تملكين عين نملة!


وبالطبع، فالرسول الكريم الذي احتضن جذعًا لا تنحصر رحمته في ذلك، فهو من واسى طفلًا فقد عصفوره بأرقّ كلمات المواساة قائلًا، عليه الصلاة والسلام: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ الدروس جليّة وواضحة ومنها استنتجنا أهمية المواساة، وعرفنا لها أنواعًا، وصرنا نختار شخصًا دون غيره ليمنحنا مواساته وهذا ما سنستفيض فيه.

أنواع المواساة

المواساة2.webp
حين تواسين أحدًا عليك تقديم عبارات مشبعة باللطف والدعم، تُسكن النفس وتبشر بالخير القادم 

للمواساة أشكال كثيرة، ستجدين أنك تفضلين بعضها على آخر ، فهناك:

| المواساة العاطفية بشقّيها : اللفظي، والمُعتَمِد على الملامسة: حيث ستسمعين ممن يواسيك عبارات مثل: لا عليك، لا بأس، لقد فعلتِ الصواب، بذلت كامل جهدك ولا ذنب لك في النتيجة، أنا بجانبك مهما كان، أعرف أخلاقك ومن المؤكد أنك لم تؤذي أحدًا عن عمد. عبارات مُشبَعَة باللطف والدعم، تؤمّلك بخير قادم، تنفي عنك التقصير في بذل الجهد أو تعمّد الخطأ.

 أما المواساة بشقّها المعتمد على الملامسة، فهي أكثر قربًا وحميميّة ودفئًا، ومن يقدّمها يكون غالبًا أكثر التصاقًا بنا ممن سواه، إذ تتضمن لمسة حانية،أو ربتة على الكتف، وامساكًا باليد، ومسحًا على الشعر، أو احتضانًا وعناقًا.


اقرأ أيضًا: إتيكيت الزيارة: كيف تكون ضيفًا مُحبًا ومحبوبًا؟


 ترتبط هذه المواساة غالبًا بمدى شدّة الحزن، فالحزن البسيط يستلزم مواساة لفظية، والحزن الأكبر قليلًا يستلزم اللفظ مع لمسة دافئة، والحزن الأعظم يستوجب احتضانًا، وقد تنتفي معه الحاجة للكلام أحيانًا، لأن الحزين غير قابل لتحليل وفهم ما يسمعه.

| المواساة العقلانية: ولأن الظروف الصعبة لا تنحصر في أحداث حزينة، وقد تتعلق بحدث في العمل أو سوء فهمٍ ما أو يضطر المارّ بها إلى اتخاذ قرارا، أو الاتيان بردة فعل، فإن الحاجة للمواساة والدعم لا تنحصر بدورها في المواساة العاطفية، وهنا يحتاج المكروب إلى مواساة عقلانية منطقية، وفيها تُقدَم النصيحة ويبذل المواسي عقلَه وأفكارَه وحلولَه أكثر مما يبذل قلبَه.

 يفكّر عوضًا عن المار بالظرف، لأن طبيعة بعض الظروف تحجب حكمتنا، وتلقي علينا غشاوة يتعسر معها أن نرى حلًا بسيطًا، الحياديون ومن لا يمرون بالظرف في هذه اللحظة يرون الحل ويرشدوننا إليه لمقدرتهم على التمييز بين الأشياء، ولأنهم ليسوا منفعلين انفعالًا حادًّا سواء كان غضبًا أم توترًا أم ارتباكًا.

 
 لا تدعي أشكال المواساة العديدة تدفعك للظن الخاطئ بأن المواساة سهلة، ويمكن لأي شخص منحنا إياها.. والحقيقة أن المواساة نوع خاص جدًا من التعاطف لا يقدر عليه الجميع.
 
 ويمكنني تسميتها علميًا بـ الدعم النفسي: وهو العمليات والإجراءات التي تعزز صمود الأشخاص وتساعدهم عند المرور بوضع ضاغط، ويشمل الدعم المقدم من العائلة والأصدقاء، لنصل إلى الدعم الاحترافي الذي يقدمه المختصون النفسيون.
 
 

وكما يواسى بالعاطفة والكلمة والمنطق، فإن من المواساة النبيلة منح وقتك وحضورك الشخصي لمن يحتاجه، بعض المشكلات لا حلول محددة لها، تتجلى في خوف شديد يتطلب مُرافقة المقرّبين للخائف، ومشكلات أخرى يستطيع صاحبها حلها بنفسه، لكنه يحتاج خلالها إلى حضور بعض أعزّائه للشعور بالأمان والدعم، ولو اقتصر هذا الحضور على مجرد نظرات حانية وإيماءات داعمة.

المواساة المادية: ولا نغفل عن أهمية المواساة المادية العينية، والتي تتمثل بتقديم المال أو المساعدات العينية لمن يحتاجها ، ومنح كلّ محتاج ما ينقصه، إنها المواساة التي نقول فيها مازحين لإحدى صديقاتنا: "واسيني بإرسال ظرف من المال وسأشتري به سعادتي المأمولة بنفسي". وأظن أن الهدايا المفعمة بالأحاسيس تندرج تحت المواساة العاطفية والمادية في آن واحد، فما ألطف أن يحتوي بيتك قطعة فنية من صديقتك  كذكرى لتجاوز ظرف عصيب، أو مصحفًا تقرئين فيه، فتنالان أنتما الاثنتان أجر التلاوة.


اقرأ أيضًا: الذكاء العاطفي: أنتِ الآن أجمل!


لكن لا تدعي أشكال المواساة العديدة تدفعك للظن الخاطئ بأن المواساة سهلة، ويمكن لأي شخص منحنا إياها ، والحقيقة أن المواساة نوع خاص جدًا من التعاطف لا يقدر عليه الجميع، ويمكنني تسميتها علميًا بـ الدعم النفسي: وهو العمليات والاجراءات التي تعزز صمود الأشخاص وتساعدهم عند المرور بوضع ضاغط، ويشمل الدعم المقدم من العائلة والأصدقاء، لنصل إلى الدعم الاحترافي الذي يقدمه المختصون النفسيون.

وهذا الدعم ليس يسيرًا، لهذا خمنتُ في البداية أنك عند ذكر المواساة ستخطر لك صديقة بعينها، فالمواساة موهبة، لا يحوزها الجميع، مع أنها واجبة على الجميع، البارعون فيها قلّة، وهم من ننتقيهم لنرتمي في أحضان كلماتهم وكرمهم وأحضانهم الفعليّة عندما نحزن.

عوامل تنجح " مهمة المواساة "

image-9.png
قدمي لكل شخص المواساة التي يحتاجها والتي تناسب ظرفه

| الصدق والذكاء: أول عامل ينجح مهمة المواساة أن يكون المواسي صادقًا، ومع هذا فهو غير كافٍ منفرداً، فقد يكون المواسي صادقًا دون أن يمتلك حسًا وذكاء عاطفيًا ونباهة تخوله اختيار المواساة الصحيحة في موقف الصحيح ، لذا وإضافة إلى الصدق فإن الذكاء والقدرة على الاحتواء والإصغاء والسخاء في التطمين.

 الحكمة والعقلانية: في حال تطلب الموقف مواساة عقلانية تعتبر من العوامل الهامة لتؤتي المواساة ثمارها المرجوة، كما ويعتبر التفاؤل والصحة النفسية لدى الشخص المواسي من أهم عوامل نجاحه في مهمته، إذ قلما يستطيع متشائم أو شخص يمر باكتئاب أن يطمئن حزينًا، وذلك لقلة اقتناعه بما يقوله كمواساه.

يمكنك الآن أن تحددي أي نوع من المواسيات أنت، وأن تنطلقي لمواساة أحبابك دون أن تغفلي عن آخر شرط، وهو أن تقدمي لكل شخص المواساة التي يحبها والتي تناسب ظرفه، كما أقترح عليك أن تقصدي مواسيك المفضَل، وتخبريه بامتنانك الكبير له بعدما عرفتِ أهمية وحساسية المواساة في حياتكِ، وحياتنا.

الشخص ذو التجربة السابقة أو مجموعات الدعم النفسي: كما أن المارّ بنفس ما مررتِ به سابقًا هو مُواسٍ مثاليّ، حتى إن لم يكن مواسيًا جيدًا في أحوال أخرى، وهنا  لا بد أن يخطر لنا جماعات الدعم النفسي الاجتماعي أو مجموعات الدعم. فالدعم النفسي الاجتماعي هو : كافة أشكال المساعدة النفسية والانفعالية التي يبديها شخص أو مجموعة أشخاص تجاه فرد، أو مجموعة من الأفراد بهدف مواساته واعانته على تخطي الأزمات.

أما مجموعات الدعم:  فتتكون من أشخاص مروا أو يمرون بنفس التجربة، حيث يتلقون الدعم من بعضهم، ويعالَجون على الصعيدين النفسي والجماعي برفقة بعضهم، بل إن فكرة العلاج الجماعي جاءت من حقيقة مفادها أن البشر متشابهون والظروف التي تصادفهم متشابهة.


اقرأ أيضًا: دفء النعم: ماذا يعني أن تكون ممتنًا؟


 لذا فإن شفاءهم قد لا يكون فرديًا فحسب بل يشترط أحيانًا اجتماعهم ليُشفَوا ببعضهم ويتخذوا من تجاربهم أمثلة ودروسَ جماعية، ويعرَّف العلاج النفسي الجماعي بأنه شكل من أشكال العلاج النفسي، تُقدَم فيه خدمات العلاج لمجموعة من المحتاجين إليه لا لفرد واحد.

يمكنك الآن أن تحددي أي نوع من المواسيات أنت، وأن تنطلقي لمواساة أحبابك ، و أن تقدمي لكل شخص المواساة التي يحبها والتي تناسب ظرفه، كما أقترح عليك أن تقصدي مواسيك المفضَل، وتخبريه بامتنانك الكبير له بعدما عرفتِ أهمية وحساسية المواساة في حياتكِ، وحياتنا.