في سياق سلسلة الحوارات التي تجريها منصة بنفسج مع الأسيرات المحررات وذوي الأسيرات اللاتي لا زلن يقبعن في سجون الاحتلال، نقابل الأسيرة المحررة وفاء أحمد نمر من قرية خربثا بني حارث قضاء رام الله، التي تمضي سنتها الدراسية الرابعة في خصص علوم مالية ومصرفية في جامعة بيرزيت.
وتجربة وفاء مميزة ملهمة ليس للأسيرات وحسب وإنما للفتيات والنساء الفلسطينيات عمومًا، إذ أمضت وفاء أوقاتها في المعتقل وهي تحقق حلمها في إتمام حفظ كتاب الله وسرده، وفي هذا الحوار نتعرف إلى وفاء وظروف اعتقالها وحيثياتها، ورحلة حفظ القرآن، والذكريات التي تركتها الأيام السابقة في عقلها وقلبها.
الاعتقال: عصبة العينين وبصيرة الدعاء
اعتقلت وفاء نمر في تاريخ 1/7/2024، تقول: "كان الوقت باكرًا وكنت لا أزال مستقيظة ،كان لدي موعد سرد سورة البقرة مع ملتقى الأقصى القرآني، فاتصلت بي محفظتي وقدمت الاختبار وحصلت على علامة ممتازة.
أغلقت الهاتف وجلست بجانب أمي، وقبل حديثي أذكر أن منزلنا محاط بالكاميرات، وكانت شاشة المراقبة في الغرفة التي نجلس فيها، الساعة 12:00 مساءً دخلت آليات الاحتلال إلى الحي الذي أسكنه وظهروا من خلال الكاميرات، نزل جنود المشاة، وكان عددهم كبيرًا جدًا، لم أكن بصراحة أتوقع الاعتقال في حينها، حتى أنني كنت أرفض وأكذب أي شعور يأتيني بأن وجودهم كان لاعتقالي واستمريت بالإنكار، حتى دخلوا إلى أطراف المنزل واقتحموه".
تكمل: "حينها بدأت أدرك الأمر، فصلونا عن بعضنا بعضًا، والدتي وأنا وأختي في غرفة وأخي ووالدي في غرفة أخرى، وطلبوا هوياتنا، وعندما وجدوا هويتي وتعرفوا علي أخذوني إلى غرفة أخرى لوحدي، أخبروني أنني سأعتقل، وطلبت منهم أن آخذ دوائي لأني أعاني من الحساسية، لكنهم رفضوا، وفعلًا قد تأذيت من الحساسية خلال فترة الاعتقال، وأيضًا أُعاني من طفح جلدي ورفضوا أن آخذ العلاجات الخاصة بي جميعها".
اقرأ أيضًا: المحررة رولا حسنين: كاد السجن أن ينسيني ملامح طفلتي
تردف: "وأخبرتهم أنني لن أخرج دون أن أرتدي جلبابي وحجابي كاملًا، ولبست وكانت الغرفة مدمرة بالكامل، وصادروا هاتفي وحاسوبي، وبعض الكتب الخاصة بي، وحاولوا تكبيل يداي إلا أنني رفضت وذهبت وسلمت على أهلي، ومن ثم كبلوا يداي خارج المنزل، وأمام المنزل وأنا مكبلة ومعصبة العينين، قام الجنود بتفاهتهم المعهودة بأخذ صور سيلفي معي!"
تقول وهي تتنهد:"ومن ثم أخذوني مشيًا على الأقدام إلى مسافة طويلة من الحارة إلى الشارع الرئيس، ومن ثم وضعوني في (بوز النمر) وهي ناقلة جند كبيرة، وكنت ممنوعة من الجلوس وحتى أن أثبت ظهري على الآلية وأنا في داخلها، ومن ثم قاموا بإجلاسي على الأرض وتحت أقدامهم وتخلل هذه الفترة شتائم سيئة، لكنني لم أقدم أي ردة فعل فقد كنت أسلم أمري لله في كل هذه اللحظات العصيبة، وكنت أشعر بمعية الله ودعوات الأهل".
وعن مرحلة نقلها إلى مركز التحقيق تقول وفاء: "وضعوني في "كرفان" بابه مفتوح، وكانت الحيوانات تتواجد بكثرة من كلاب وكان هنالك قطط (وأنا أخاف منها) وكان هنالك حيوانات برية عديدة، كنت أحاول استراق النظر من تحت عصبة عيني حين انشغالهم عني، وكنت طيلة الوقت على الأرض ومنعوني من الجلوس على الكرسي. في هذه اللحظات جاء عندي اثنين من جنود الاحتلال، كانا ضخمين جدًا بالحجم واقتربوا مني بشكل كبير بطريقة مزعجة، وازالوا عصبة العينين عني، ولم يكن في حينها هنالك أي مجندة، فقط الجنود، ولم أستطع النوم أو حتى الجلوس بأريحية بوجودهم".
تكمل: "عندما جاء المجندان، قالوا لي بأن أفتح جوالي، وكان منظرهما مرعبًا لي بسبب قربهم مني وضخامتهم، حاولت أن أرفض فتح هاتفي وقلت له لا أستطيع حتى أكلم المحامي الخاص بي، فقام أحدهم برفع يديه حتى يضربني فاضطررت لفتح الجوال، وكان الشعور صعبًا جدًا، لم أنم في تلك الليلة. وكان المجندان يأكلان حولي وتعالت أصواتهما وكانا يشتماني بمصطلحات وشتائم سيئة، ورفضوا أن أصلي الفجر، فتيممت وصليت مكاني، وحينها تهكم أحد الجنود علي قائلًا "أنت عالنار عالنار عجنهم حتى لو صليتي".
تضيف: "في صباح اليوم التالي، الساعة السادسة صباحًا، نُقلت من المعسكر إلى مركز التحقيق في قلقيلية بحسب ما أخبروني، وكنت مكبلة اليدين ومعصبة العينين. وصلت التحقيق وكنت محرومة من النوم والأكل، استمرّ التحقيق لمدة ٦ ساعات، وكان متعبًا ومرهقًا، كان الحراس يحيطون بي بأسلحتهم. في بداية التحقيق رفضت أن أجيب عن اسمي حتى يسمحوا لي بالذهاب إلى لحمام بعد رفضهم ذلك لساعات، سمح لي المحقق حينها بذلك، ودخلت معي مجندة إلى داخل الحمام..!وبعد تحقيق متعب ومرهق وطويل جاءت سيارة الشرطة ونقلتني إلى سجن الشارون".
الشارون مقبرة الأسيرات
وعن الشارون التي وصفته بـ مقبرة الأسيرات، تقول، "أصعب المحطات في التجربة عادةً، لكنني كنت أشعر بمعية الله حينها، كنت أشعر بذلك في كل خطوة بالاعتقال. بعد ساعات في الزنزانة في سجن الشارون، جاء سجان وسحب الفرشة الموجودة في الزنزانة، وسألته إذا ما كان سيعطيني بديلًا عنها لأنها مليئة بالحشرات، لكنه أبلغني أنها مصادرة ويمنع نومكم في النهار على فراشكم، لكنني لم أهتم لأنني كنت قد مررت بالأصعب في المعسكر، ونمت على البرش الحديدي بلا فرشة، ومع ذلك كانت الحشرات تقرصني وتؤذيني وما زالت آثار ذلك على يداي، كما أنني أعاني حتى هذا اليوم من آلام الرقبة من سجن الشارون".
تضيف: "أعادوا لي الفرشة عند الساعة العاشرة مساءً، وأحضروا لي أول وجبة طعام منذ الاعتقال، وكانت سيئة المنظر والرائحة، كان فيها حمص "بليلة" مسلوقة، وحبوب عدس مسلوقة، وباذنجان، ولم يكن شكل الطعام كالذي نعرفه في بيوتنا، لكنني أجبرت نفسي على أكلهم حتى أتزود بالطاقة وحتى لا أتعب من قلة الأكل، لكن مع أول لقمة لم أستطع أن أكمل فبقيت دون أكل طيلة تلك الفترة، واستئناف النوم حتى ساعات الفجر وصليت الفجر وعدت إلى النوم، وعند عدد الساعة 6 دخل السجانون بطريقة سيئة وهمجية دون أن يشعروني بأنهم سيدخلوا الزنزانة وهذه من الانتهاكات السيئة لكنني كنت أنام أصلًا بحجابي".
في "الدامون"
تردف: "ومن ثم مع ساعات الصباح أخبروني أن أتجهز للنقل إلى سجن الدامون، فقاموا بكلبشة يداي وقدماي وأنزلوني على زنزانة أخرى في هاشرون، طلبت شرب الماء وكان مدير السجن موجود فقال لي (في رام الله بتشربي مي مش هون) فقلت له هذه من أبسط حقوق الأسير أن يشرب الماء! فاقترب مني وحاول التهجم وقال لي لا يوجد عندنا ماء وقال (الله يوخذك انت وأمّك وأبوك وكل الناس اللي بتعرفيهم) وشتمني شتائم بذيئة، لكنني ثبتت ولم أتأثر.
تكمل: "من ثم نقلوني إلى بوسطة، كانت البوسطة كبيرة تتسع لـ50 راكبًا مقسمة إلى زنازين، وضعوني في زنزانة لوحدي ومن ثم نقلت إلى أخرى وفيها أسيرتين مدنيتين، وكن معتقلات على خلفية جرائم، فإحداها كانت معتقلة بسبب عملها في الدعارة وأخرى بسبب المخدرات، وتعمدوا وضعي معهن وهو انتكهاك صارخ لحقوق الأسير".
صحبة الأسر
يأنس المرء بأصحابه حتى لو في زنزانة وعلى برش قاس، سألنا وفاء عن وصولها إلى سجن الدامون واستقبال الأٍسيرات لها فقالت: "وصلت إلى سجن الدامون وفتشوني تفتيشًا عاريًا من قبل، وأخذوا الدبابيس التي كنت أثبت بها حجابي، ومن ثم وضعوني لمدة ساعة في غرفة الانتظار ومن ثم نقلوني إلى مخابرات السجن، وحقق معي حول إذا كنت أعرف أيًا من الأسيرات وماذا نسمع عن الأسيرات في السجن، وحاول أن يستخدم أسلوبًا لطيفًا معي لمحاولة جمع "عصافير" عنده، لكنني كنت أفهم محاولاته فلم أتعاطى معه أبدًا.
بعدها نزلت على قسم الأسيرات في الدامون، ولم تكن الأسيرات متأهبات لاستقبال أسيرة جديدة، وكان في حينها موعد "الفورة" لغرفتي 10 و 11. عندما دخلت إلى القسم، استقبلتني في البداية الأسيرة بدرية "أم إبراهيم"، احتضنتني وظنت أنني طالبة مدرسة، ، لكنني سريعًا بدأت السؤال عن صديقتي "أمل شجاعية" فسألتها (وين أمل؟).
اقرأ أيضًا: " لأن للأسير حبيبة": وفاء الأسرى لصاحبات السجن
سمعت صوت، وركضت باتجاهها، كانت أمل في غرفة 10، نادت علي وركضت باتجاهي، حضنا بعضنا في الساحة وكان لقاء مليئًا بالمشاعر وبقينا متمسكات ببعضنا حتى انتهت مدة الفورة. فصلت عنها ووضعوني في غرفة 11 بعيدًا عنها، ورأيت في تلك اللحظات الأسيرة "سجى معدي"، فأنست بها وكان لقاء حميمًا.
غرفة 11 حيث وضعوني فيها، كانت فيها أسيرات عزيزات، لكن الاحتلال يتعمد وضع الأسيرات في بيئة وثقافات مختلفة، فلم أكن أعرف إلا اثنتين منهن وكن يخففن عني الأيام، وبقية الأسيرات من ثقافات مختلفة، لكنني قررت أن أخوض التجربة بكل تفاصيلها وأن أصنع أنا التجربة لا أن تصنعني هي، فكان لدي القدرة على التعامل مع الجميع، وبعد شهر ونصف في هذه الغرفة نُقلت إلى غرفة ١٠ حيث توجد أمل وسجى.
سرد في زنزانة 10 والقلب في المسجد الاقصى
كنت قبل أن أدخل السجن أحفظ ٢٥ جزءًا، فعندما دخلت قررت أنه علي إتمام هذا الحفظ، فبدأت المحاولة من أول يومين لكنني لم أستطع رغم أنني كنت معتادة على حفظ صفحتين في اليوم على سبيل المثال قبل الاعتقال، فأخبرتني في حينها زميلتي في الأسر ليان كايد، أن هذا طبيعي نظرًا للصدمة والأحداث التي يتعرض لها الأسير في الاعتقال، وأخبرتني أن أستريح لمدة أسبوع أو أسبوعين وأكون قد تشافيت قليلًا من الصدمة وتعود لي قدراتي في الحفظ، وحينها ارتحت كثيرًا لأنني كنت متضايقة من عدم قدرتي على الحفظ.
لكن بعد أسبوع واحد، قررت أن أبدأ الحفظ مهما كانت الظروف، فجلست على الصفحة الأولى في السجن مدة ٦ ساعات وهكذا كنت طيلة الإسبوع الثاني من الاعتقال، الصفحة الواحد تأخذ من وقتي ٦ ساعات على الأقل، وبعد مرور الأيام خفت هذه الحالة وتحسنت قدراتي في الحفظ داخل السجن، فصرت أحفظ صفحتين في اليوم، ومن ثم ثلاث صفحات في اليوم حتى وصلت أنني أستطيع حفظ ٧ صفحات في اليوم..
اقرأ أيضًا: آية الخطيب: عميدة الأسرى وأم المساكين
واستمريت على هذا الحفظ، وكانت الأسيرات يساعدنني في الحفظ ويسمعون لي، كانت ليان كايد وهالة محمود يسردن لي ما أحفظ، وكانت الأسيرة الغزية "أسماء شتات" التي تحررت مؤخرًا تقوم باختباري في الحفظ، فكان هنالك تشجيع كبير لي، وكنَّ يخططن ليوم الختمة وفعالياته بحماس شديد، لكن قبل موعد الختمة بأيام نقلت إلى غرفة ١٠، فدخلت مجددًا بصدمة التغيير وعدم الاستقرار المتعمدة، ففي أول يومين في الغرفة لم أستطع الحفظ.
لكن صديقاتي أمل وسجى ساعدنني وأخبرنني أنهن معي في كل اللحظات وسيسمعن لي ويشجعنني، فتشجعت معهن وأكملت الحفظ، حتى ليلة ١٨/٨/٢٠٢٤، سمعت سورة الملك وهي آخر سورة حفظتها، ودعوت بدعاء الختم، وكان الجو شاعريًا جدًا وبدأنا بالبكاء، وكان شعوري غريبًا جدًا، إذ أنني كنت أحلم بختمة في رحاب المسجد الأقصى، وأنا هنا أمام باب الزنزانة في الغرفة المظلمة التي كان السجانون يغلقون فيها الأضواء في وقت باكر، فالحلم ختمة في ساحات المسجد الأقصى والواقع ختمة على باب زنزانة رقم ١٠ في سجن الدامون قسم ٣.
الحمد لله لدي شعور متأكدة منه، فمهما كانت التجربة صعبة والظروف صعبة، لن تنال عزيمة شخص كان قد قرر أن يصنع التجربة بيده، حتى لو كانت صعبة، دائمًا أقول أننا من نصنع التجربة وليست التجربة من تصنعنا. كان القسم مغلقًا، ووقفت الأسيرات على أبواب غرفهن، كانت صديقتي أمل شجاعية عريفة فعالية الختمة ومقدمتها، ومن ثم قرأت سورة الملك ودعوت بدعاء الختمة ودعوت للبلاد والأسيرات، ومن ثم أعطت الأسيرة الغزية السبعينية سهام أبو سالم (أم خليل)، درسًا دينيًا أثر في جميع الأسيرات ووضع بصمة للقرآن في نفس الكل.
ومن ثم بدأت جميع الغرف بالمباركة لي من خلال الأبواب، وكل غرفة قدمت كلمة لي، كانت الأجواء لها طابع مميز ومختلف، رغم أنني حلمت بتفاصيل الختمة سابقًا، إلا أن هذه كانت مميزة ولها شعور جدًا غريب، جميعنا أسيرات مجتمعات ف يما ما يرضي الله ويحبه وكانت أجواء مليئة بالطمأنينة والسكينة، كانت لحظات مليئة بالبكاء، كان يوم من أيام الله.
اختناق قبل الفرج
ظروف السجن كانت قاسية وازدادت سوء بعد قمعة 25/9/2025، سحبت كل مقدرات الأسيرات، ملابسهن ومستلزمات النظافة ومستلزمات العناية، كل شيء حرفيًا، حتى صادروا الألعاب البلاستيكية (علب اللبن) التي كنا نضع طعامنا فيها، كما أنه كان هنالك أكثر من قمعة خلال أشهر الاعتقال، تجاوز فيها السجانون الخطوط الحمر، وكانت الأسيرات يحاولن أن يحققن بعض مطالبهن، لكن تم محو كل الحركة الأسيرة منذ بداية الحرب.
وأذكر في قمعة في شهر ١١، كانت القمعة لغرفتنا و٣ غرف أخرى، ووقتها ربطونا في الساحة وعصبوا أعيننا، وأعطى نائب مدير السجن قرار أن يمسكنا سجانون فقط بدون سجانات، وفي هذه القمعة ورش الغاز، وعزل عدد من الأسيرات وضرب عدد آخر، وكانت أيدينا مربوطة للخلف ويمسكونها من رقبتنا ويجبرونا على إنزال رؤوسنا للأسفل.
اقرأ أيضًا: روان الطهراوي: ليسوا أرقامًا...بل أحبة يرحلون أسرابًا
كانت هنالك أسيرة خرجت إلى المحكمة يوم الخميس، وأخبرها المحامي أن الأحد سيبدأ تنفيذ الاتفاق، فتوقعنا أن تكون الصفقة الأحد لكننا لا نعرف تفاصيل الاتفاق بتاتًا، ويوم الأحد يوم الصفقة، ذهبت أسيرة إلى محكمتها، ولم نكن نعلم بوجود الصفقة بعد، والمحامي أخبرها بوجود صفقة اليوم وأن الأسيرات سيخرجن من السجن.
في حينها لم نكن نصدق الخبر، وأغلق السجانون القسم وهدد مدير القسم الأسيرة التي جاءت بالخبر، ومن ثم دخلت قوات كبيرة من السجانين، وهددونا بعدم إظهار أي مظهر للفرح، فحينها تأكدنا من أننا سنخرج، فلبسنا ملابسنا وبقينا لساعات على أعصابنا، حتى دخل مدير القسم معه كلبشات، حينها سجدنا سجدة شكر، هذه السجدة التي لن أنسى شعورها.
سجدة ودموعنا تسبقنا، شعور جبر الله لخواطرنا وشعور أننا سنتحرر فعلًا، وشعور أن ثقتنا في رجال الله بمكانها، وكنا واثقين أنهم سيحررونا، وكل هذه المشاعر كانت حاضرة، وكان خوفنا من أن تبقى إحدى الأسيرات خلفنا، وكان دعاؤنا أن يخرج الجميع، خاصةً بعد أن بدأوا بتفريغ الغرف كانوا يبقون أسيرة أو اثنتين في الغرف وبعدها يعودون لهن بعد فترة أو تبقى إحداهن فيها، كانت فرحتنا منقوصة، لأن أخواتنا وأمهاتنا بقين خلفنا في السجن، ولكننا عند نفس الثقة بالله وبرجاله.
طريقة النقل والتفتيش كانت سيئة جدًّا، أخذوا مني البلوزة التي أرتديها وأبقوا العباية رغم برودة الطقس، ومن ثم أخرجونا في البوسطة، وعندما وصلنا إلى عوفر قاموا يسحلنا وجرنا من شعورنا، كما أنهم كانوا قد أخذوا النقطة من حجابي في الدامون، فعندما سحلونا في عوفر كان أكثر من نصف شعري خارج الحجاب!!
ومن ثم رمونا على الأرض لساعات مكبلين ومن حولنا كلاب تنبح بشراسة، ومن ثم نقلونا للتحقيق مع تهديدات وشتائم مستمرة. نهايةً وصلنا إلى أحضان أهلنا وصحبنا، فالحمد لله على عظيم فضله.