بنفسج

أم الشهيد مجد سلامة: هل عادت الحرب لتأخذ مني مجد؟

الأربعاء 02 يوليو

عدد الشهداء الأطفال في غزة
عدد الشهداء الأطفال في غزة

كان يلعب رفقة أصدقائه عندما دوى صوت الانفجار. صرخت والدته من أعماق قلبها: "ولادي هشام ومجد"، لم تعرف كيف ارتدت حجابها وكيف حملتها قدماها وركضت في الشارع تسأل عن أطفالها. خرج هشام من بين الغبار الذي شكل سحابة سوداء، فسألته عن شقيقه مجد، كان مصابًا بنوبة هلع يرتجف على إثرها، فردد بعينين تائهتين وبصوت متلعثم: "مش عارف.. كنا نلعب سوا فجأة اختفى". لتبدأ عملية إزلة الركام للبحث عن الصغير الذي كان جاهزًا لاستقبال العيد بملابس جديدة، ومتحمسًا لصلاة العيد، لكن الصاروخ الذي ناله شظية منه دفن كل أحلامه البريئة، وأسكت صوت ضحكاته،تاركًا خلفه ألمًا لا يبرأ.

هنا رواية أم الشهيد الطفل مجد سلامة، الذي استشهد بعد الهدنة المؤقتة التي أُبرمت في يناير المنصرم، ليترك فراغًا مروعًا في قلوب والدته ووالده وأشقائه، تروي لنا عن يوم الاستهداف، عن الذكريات الموجعة، عن شوق الصغير لحضور ليلة العيد.
 

يوم انقلب العيد إلى جنازة

عدد الشهداء الأطفال في غزة

في الثامن عشر من رمضان وتحديدًا في 18 مارس 2025، كان مجد ينتظر العيد بفارغ الصبر، اشترى ملابس العيد، كان فرحًا بنهاية الحرب، ولكن في منتصف الليل وُجه حزام ناري أرعب الجميع وأعلن عن عودة الحرب، تقول لبنفسج: "ليلتها تناولنا السحور ونحن نترقب الأخبار، وقلت لأولادي أن الحرب عادت وسنرضى بما كتبه الله دون تذمر، فرد مجد: "احنا راضين بأي شي".. وتناول التونة الذي اشتهاها، وتناقش معي في إفطار اليوم وماذا سنأكل لكن كُتب له أن يفطر بالجنة".

تضيف: "استيقظ مجد يوم استشهاده مبكرًا وأنا كنت متعبة، أغمضت عيني، سمعته يطلب من أخيه هشام أن يتكلم بصوت منخفض حتى لا يزعجوني، وبعدها خالف الأولاد أوامر والدهم، وخرجوا للعب ولم يعلموا أنها اللعبة الأخيرة، وسيعود هشام للبيت دون أخيه مجد". عاد هشام مشعثًا مغبرًا يرتجف، لا يعلم أين مجد، ركضت تبحث عنه حتى وصلت المشفى، فوجدت أخاها: "أنت مؤمنة"، فرددت بصوت واهن: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها".


اقرأ أيضًا: أمل أبو ركاب: أم لم تلد لأطفال شهداء


طلبت أم مجد من شقيقها أن ترى مجد وتودعه الوداع الأخير، ارتجفت وهي تقف أمام الكفن، كشفت عن وجهه، فوجدته كالبدر في تمامه، مبتسمًا هادئًا كما عهدته، لكن رأسه كان به جرح عميق بفعل الشظية التي اخترقته، بكت كثيرًا حتى لم تعد ترى ما حولها، وما صبر القلب حديثه على السحور: "راضين يا ماما بشو ما صار".

مجد المولود في العام 2016، هو الطفل الأوسط للعائلة، يكبره هشام بعام، تليهم مسك، كان قدوم مجد بعد عناء طبطبة على قلب أمه، فقالت فور رؤيته هذا سيكون السند سأسميه مجدًا حتى يكون مجدًا، وبالفعل كان حضوره أكبر من عمره وله أثر جميل أينما ذهب.

مجد الابن والشقيق الحنون

عدد الشهداء الأطفال في غزة

كان والدة مجد تسميه "المرافق الشخصي" لوالده، إذ يرافقه في كل مكان، يقلده أيضًا، يحب جده وأخواله يذهب لمساعدتهم دومًا، شعلة نشاط لا تهدأ، "كنت أخبره أنه يجب أن يكون منه أكثر من نسخة، حتى يستطع الذهاب مع الجميع". تقول.

ومن المواقف التي تذكرها والدة مجد جيدًا عندما ذهب إلى بيت جدته للمبيت، تضيف: "شعرنا بالوحشة أنا ووالده، وعلى الرغم من أنها ليلة واحدة فقط إلا أننا لم نرتح أبدًا في غيابه، ورفضنا لاحقًا أن يبيت خارجًا دوننا".

كان مجد كثير الأسئلة، يسأل عن الجنة والآخرة، فسأل والدته قبل استشهاده بيومين: "كيف يأكل أهل الجنة وماذا يفعل أصدقائي الشهداء الآن؟" حدثته يومها عن الجنة ونعيمها. لكنه لم يكتف بالإجابة مني ويوم استشهاده سأل خالته نفس السؤال، وردد: "كيف سيكون اليوم الأول لي في الجنة؟" فجاء قدره سريعًا ليعلم الجواب.


اقرأ أيضًا: براءة الرقب: في سيرة زوجها الشهيد خالد أبو دقة وعهد اللقاء


رحل مجد وظلت ذكراه حاضرة في قلوب أشقائه هشام وشام ومسك، يوم فراقه قال هشام: "مين بدو يدافع عني بعدك يا مجد". تردف والدته: "كان مصرًا أن أوفر للصغيرة مسك كل الحاجيات والحلوى، فقبل إغلاق المعبر طلب مني تخزين أشياء كثيرة لها، والآن مسك كلما رأت صورة لمجد قالت: "مجد تعال خدني باي".

تذكره والدتها وهو بعمر الخمس سنوات عندما كان يحضر مباراة كرة قدم في كأس العالم، وكانت المنافسة بين منتخب عربي وأوروبي، وعندما خسر العرب حزن جدًا وقال: "أنا بحب العرب زينا لازم احنا اللي نفوز دايمًا".

قتلت "إسرائيل" مجد وأحلامه، كان يحلم أن يكون مهندسًا، ويبني بيتًا لعائلته، كانت تحلم أن تراه عريسًا وترى أطفاله، لكنه رحل وبقيت ذكرياته، وكلما داهمتها نوبة اشتياق احتضنت ملابسه وحقيبته لتشم عبق رائحته.