بنفسج

العروة الوثقى.. لا انفصال لها

الجمعة 08 اغسطس

ما هو معنى التمكين بعد الابتلاء؟
ما هو معنى التمكين بعد الابتلاء؟

تتجلّى العقيدة حين تكون الحرب عليها، ومن استمسك بالعروة الوثقى فلا انفصام لها، وبينما تعالت أصوات كُثر بعضها "مُثقف" وآخر ارتدى ثوب التأثير حول اتهام أهل الحق بجلب البلاء إلى أنفسهم، وبينما منح بعضهم الباطل أحقية الوجود واقترح "ترك البلاد لسارقيها!".. وإلى هؤلاء السادة وقد مسني ضر الإبادة فأفقدني البيت والأخ والكثير من الصحة وأصاب عائلتي ومصدر رزقهم. ف ما هو معنى التمكين بعد الابتلاء؟

الإيمان يزيد وينقص وإذا لم تكن سببًا في زيادته في هذا الابتلاء العام فإياك وأن تكون سببًا في نقصانه، وإذا ما مسك فتور فلا تعممه؛ لأن العقيدة هي وحدها من تجعلنا نستوعب الخيال وما فاقه من الذي نعيش، ثبتوا النفوس، ارفعوا المعنويات، اشحنوا الإيمانيات، رسخوا اليقين، وإذا ما غابت عنكم القدرة على فعل ذلك "لا تهدموا"، نحن منهارون تمامًا، وللكلمة فرق وأثر، يمكنها أن تُرمم حتى تمضي الغمة، وإذا ما "رشينا على الموت سكر، وعلى النار بنزين" ثُرنا على حالنا، فلماذا نجلد أنفسنا دائمًا رغم إدراكنا بأن العلة "الاحتلال".

يا سادة.. الثقافة بلا عقيدة لا تُربي الإيمان ولا تمرّن الصبر ولا تستشرف البشرى، فالثبات يكمن في متن الآيات والتسليم وليد الاستشعار بالمعية وقراءة النبأ المسبق، والتماس العظة السالفة واليقين بحتمية الوعد الإلهي "القريب"، فماذا لو تركنا فكرنا لغير العقيدة ربما ارتكبنا خطيئة "العلمانيين"؟ ووقعنا فريسة في مصيدة العلم بلا إيمان فيتجرد من كونه وسيلة لنهضة روح الدين إلى جبهةٍ تخالفه، وتُدين أهله وتهوي بهم بين سفاسف آراء الغثاء في زمن الرويبضة.

 الثقافة بلا إيمان قد توقعك في فخ القنوط ثم تهوي بك في مستنقع الاستسلام، وقد تنزع منك قدرة الاحتمال وتجردك من الرضى وتدفعك للسخط، وهي بهذا لا تُنبت التمكين، ولا تغرس الاستوداع والاسترجاع، كما تكافح فكرة المقاومة والنضال، وقد تنسيك أن للبيت رب يحميه!  نعم.. واتفق أنه يعيب على بعض قادتنا بضعة أخطاءٍ –فادحة-، ولكن لا ننسى من ضحّى بالفعل ورحل بصمتٍ في الخفاء حتى دُفن سره معه، فبأي حقٍ نكن مع عدونا في حربه النفسية ضدنا؟ لا أعلم بالسياسة ولا أحب أن أفعل.


اقرأ أيضًا: قصص واقعية عن اليقين بالله


 لا أملك تخويلًا بالإقرار بصحة البدء أو تغليطه، لكني أدرك أن من يقاوم يطارد اللعنة، على صواب وإن أخطأ -في الغالب، كان كل هذا سيحدث عاجلًا أم آجلًا، فما من شيءٍ في غير إرادة الله يكون واقعًا؛ لذا دعونا نهدأ ونصبّر، فالأهداف أبعد من أن نلتمسها، والحكمة أقرب لأهلها إذا ما تحرروا من شهوة العيش لأجل العيش، وستطفو مع كل دوامة للغرب في المتع، الرباط أشهى، والموت في سبيل الله ألذ، وإلى سادة التقييم وصرف النتائج بين اختصارات المصطلحين، "النصر والهزيمة" وقد أصابهم السُبات بينما كان يناطح أحدهم "بعلبة الفول" حافيًا "الميركافا" فيحطمها معلنًا "اليقظة المتبقية" من قلب غزة بلا تردد.

أما قبل.. فمن لا يقرأ القرآن لا يتعدى على حتمية أمر الله في وعده وقدره وعدله، لماذا نكفر في أشد الأوقات حاجة للإيمان، يا سادة.. نحن في بلدٍ محتل، نقرأ عن تحرر الشعوب وعن الثمن! وإذا كان من حزنٍ على الشهداء الراحلين إلى الحياة فقد يسقط "في زلزالٍ لحظي الناس بالآلاف وعلى ملة الكفر"، وهنا لقد اصطفانا الله، عزةً في الإسلام، رباطًا إلى يوم الدين، ووجب أن نذكّر أنفسنا بالتجارة الرابحة وجلالة الآية الكريمة "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ"، أجرٌ في كل صبر مقرون بالبشرى في الدنيا والآخرة، ومن لا يحفظ ورده فليكف عن إفشاء سلبيته كعدوى.

يا سادة للنصر أشكال، وجل هيئاته الصبر، وأسماها الموت في سبيل الله، ومن يقرأ السيرة يدرك معاني الجهاد واحتمالية الخطأ، من يقرأ التاريخ يعرف أن لحرية البلاد مراحل، ومن يتابع الغزوات يعرف أن للحق صولات وجولات إلى أن يندثر الباطل، ومن يعرف جنوب أفريقيا والفيتام يدرك ثمن الكرامة.

ثم وإن النصر في الصبر، و"الهدنة الأخيرة"، خير دليل على قوله تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا"، ولنا انتصارات تتكئ على عكاز الثبات، فالثبات رغم كل هذه الفوضى انتصار، الإصرار على الحياة رغم إحاطة الموت انتصار، التنزه على أنقاض الحدائق انتصار، التشبث بالقيم بينما انهارت المبادئ انتصار، الابتسامة على شاطئ الحزن انتصار.

 الحب بعد كل هذا الفقد انتصار، اللقاء بعد كل هذا البعد انتصار، الجلد رغم هذا الجدب انتصار، اللحن بعد كل هذه الجنائز انتصار، الوقوف رغم الخوار انتصار، السعي رغم انسداد الأفق انتصار، الإعداد من العدم انتصار، وإذا ما فعلنا كل ذلك باستحضار النية والاحتساب وكان الجلد عن سبق رصدٍ وإصرارٍ مقرون بالرضى ومحفوف بالقدرة؛ ظفرنا لا محالة.

يا سادة للنصر أشكال، وجل هيئاته الصبر، وأسماها الموت في سبيل الله، ومن يقرأ السيرة يدرك معاني الجهاد واحتمالية الخطأ، من يقرأ التاريخ يعرف أن لحرية البلاد مراحل، ومن يتابع الغزوات يعرف أن للحق صولات وجولات إلى أن يندثر الباطل، ومن يعرف جنوب أفريقيا والفيتام يدرك ثمن الكرامة.


اقرأ أيضًا: لقد نجوت... وهذه سبيلي


ومن يقرأ القرآن يدرك معنى الابتلاء ويتهيأ لوقائعه في قوله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" فيربط على الجأش وهو يسلّم بأن "لكلّ أجل كتاب"، وهنا دعونا نتذكر أن للموتِ شكلٌ وشرف، وإذا كان لا بد من أن نقتل!! فكيف نختار الموت؟ّ! من قضى نحبه رحل شهيدًا، ولم يمت بين رصاصات الشجارات العائلية على سفاسف الحياة -كما حدث في زمن الإبادة- ولا بحادث سيارة يسوقها ثمل من أهل بلاده، ولا في "بارٍ" للرقص، ومن صبر نال الأجر.

ثمّ وإنّي كلما هرعتُ لنوري الأسبوعي -سورة الكهف- في زمن الإبادة، أردد علّ ابتلاءنا نوم الأمة، وفرجنا تحقّق وعد الله، فضلٌ قريب بحياةٍ أكبر مما نتمنى.. وبين آياتٍ تُهدي للوجه النور صرتٌ أتحسس حكمة الدروس التي علمها السيد الخضر لسيدنا موسى عليهما السلام، فأدركت خفايا الحكمة واسترجعت ضيقنا في حضرة قصر النظر.

 والتمست ببصيرة التفسير معنى الحياة بعدما استعضتُ بالتسليم التام لجلالة الأقدار، حينها تيقنتُ بأن الحكمة تجعلك تعيش الدنيا بقدرٍ أكبر من الرضى، وبوعيٍ أجلّ من التأفف، واستشراف أقدس من الجزع، وأمل أقوى من أي ألم، وبصيرة تدرك النتائج بعد أخذ أهل العزم بالأسباب، وبصر يرى النهايات وإن طغى السراب الآفاق، كما أني التمست في  آيات صاحب الجنة "قوة الولاية" التي يتفرد بها الله في كل أمورنا.

 وما وجدت من نصيرٍ أجلّ من الله حين باتت جنّة الظالم "خاوية على عروشها" بعدما ظن صاحبها  بكبره أنها "لن تبُاد"، وهكذا غزتنا والاحتلال فإذا جاء وعد الله الذي يسبقه رحمته جعله دكاء، ومن كان يرجو لقاء الله فليعمل صالحًا كي يصدقه الله ببهاء الخاتمة واللقاء.