في هذا المقالة، من جزئها الثاني، نستكمل الحديث عن الأسيرات الأمهات في سجون الاحتلال الإسرائيلي ويبلغ عددهن ما يقارب 20 أسيرة من أصل 42 أسيرة معتقلة في أعالي الكرمل، في الدامون، وبعضهن لا زلن يعانين مرار التحقيق في المسكوبية والهشارون.
أسيل حماد
أسيل المولودة في حزيران من عام 1991، من بيت فوريك في نابلس، وهي أم لإيلياء. أسيل الآن في الدامون، غرفة 5؛ برفقة الأسيرات: ربى دار ناصر، شيرين الحمامرة، إيمان شوامرة، إسلام شولي.
وصلتها سلامات ابنتها عن طريق المحامي عبادي، تقول الطفلة الصغيرة: "أنا يا ماما صرت ما بغلب كثير، ههه شوي بغلب، وبحب أساعد تاتا سعاد وأجلي وأساعد حالي، وبدي أعرف ازا شعرك طول ولا لا؟ بدي احكيلك انو شعري ضل طويل وصرت أربط شعري أنا لحالي، وأتحمم لحالي منيح منيح). تقول الأسيرة أسيل للمحامي: "كل ما أنام بتذكر إيلياء (7 سنوات) بتعيّط بالسيارة لمّا أخذوني، خلّي مصعب يدير باله عليها من الأشياء اللي أنا بخاف منها"، لمّا انحبست اتأكّدت أني كثير بحبه".
اقرأ أيضًا: فوبيا الارتباط بالأسيرات... حقيقة أم خرافة؟
اعتقلت أسيل في 3 حزيران 2025، مساءً، وهي عائدة من بيت أهلها في عنبتا، تقول أسيل: "نزلوني من السيارة، حكى لي ضابط المخابرات "بدنا نستضيفك عنا"، إيلياء شافت لمّا كلبشوني (شهر ما حكت لمّا شافت كيف اعتقلوا أبوها)، أخذوني لحوارة، زنزانة تحت الأرض، كرسي صبّة باطون، كان فيها جرذون كبير، زنزانة بتوسع فرشة وبس، مليانة زبالة وصراصير، وسخ ع الأرض والحيطان، تحت الشرشف كان كاكا رطب، ثاني يوم ع الشارون ليلة، وبعدها ع الدامون. صادروا القميص الحلو اللي جابته إمي هديّة على عيد ميلادي، والحذاء الغالي... والبنطلون.
تكمل أسيل للمحامي: "خبّر مصعب وإيلياء أني بحبهم كثير ومشتاقة. وأمي: بحبها كثير وما تخاف عليّ وتدير بالها ع حالها، وإخوتي مراد ومهند وحمد (أسفه، خرّبت عليك السفر، مش قصدي) ومحمود (بدّي عطر من الإمارات)، وإيناس (بحبك وشكراً أنك أختي)، وجفرا وريف وبيروت (تغنّي للولو "يمّا الجمال")، ومنير (جوز إيناس) وسعاد وسهى. سلّم على رماء وحنان (سلفاتي) وخلّيهن يطبخوا للولو طبخات زاكية، وماجد وساجد (إخوة مصعب)، وصاحباتي، ميسّر وعرين وأحلام والجميع.
الوضع بالدامون صعب، بسبب الرطوبة والوضع صار حَبّ على أجسام الأسيرات، الفورات على مزاج السجّان، عقوبات ع الطالع والنازل، إذا بنضحك بعاقبونا، وإذا بنحكي بصوت عالي بعاقبونا، وإذا بنسكت – ليش ساكتات؟ بنات الدامون مناح، وما يخافوا علينا، قويّات.
ياسمين شعبان
ياسمين تيسير شعبان (40 عاماً) من قرية الجلمة قضاء جنين، تقارب من عامها الثالث في اعتقالها الثاني لدى قوات الاحتلال، أمٌ لأربعة أطفال، كان اعتقالها الأول عام 2014 بعد اقتحام منزلها وترويع أطفالها بتهمة محاولة تنفيذ عمليةٍ استشهادية، و حكم عليها بالسجن الفعلي لمدة خمسة أعوامٍ قضتها مصابرة مرابطة، ليعاد اعتقالها مجدداً بداية عام 2022، إذ لم تزل تقضي أيامها خلف القضبان بلا حكم حتى يومنا هذا .
اعتقال ياسمين الأول الذي استمر خمسة أعوامٍ متواصلة، كانت نقطة التحول في سجون الأسيرات إذ شهدت فترة عامي 2015 و2016 اعتقال عددٍ كبيرٍ من الأسيرات القاصرات (تحت سن 18) بتهمة محاولات تنفيذ عمليات طعن، وبعضهن وصل سجن الهشارون وهن جريحات. فكانت ياسمين على رأس الأسيرات اللاتي تطوعن للاعتناء بهن صحياً ونفسياً حتى تماثلن للشفاء.
اقرأ أيضًا: "روح الأنثى"... "طبطةٌ" على النفْس في السجن [1]
وكان هذا من أسباب تعميق علاقتها بغالبية الأسيرات وخاصة أسيرات الأحكام العالية، والقاصرات، إذ كانت بمنزلة الأم والمربية لهن، وأيضاً بفعل الخبرة والتجربة الطويلة لياسمين في السجن وفي معايشة مشاكل الأسيرات والسعي في حلّها، نظراً لتجربتها المستمرة في هيئة التمثيل الاعتقالي أمام إدارة السجون، إذ كانت ممثلة الأسيرات في سجن الهشارون.
في 2019 عام استنشقت ياسمين الحرية، وعادت إلى أحضان أطفالها وأهلها تاركةً خلفها بناتها الأسيرات، إلا أن هذا الغياب لم يطل فعادت إلى زنزانتها مجدداً بداية عام 2022 لتتسلم راية عميدة الأسيرات الفلسطينيات، وتشرف على مساعدتهن ونصرة قضاياهن .
شيماء إبراهيم أبو غالي
مواليد 15 حزيران 1986، من الحارة الشرقية بجنين، طبيبة أسنان ووالدة عمر. اعتقلت في يوم 29 فبراير 2025، فجرًا، تقول: "خبط ع الباب، كميّة جنود أضعاف اللّي إجوا يدوّروا على أخوي المطارد، كنت بملابس النوم، لبست اليانس تبع حياة إمي ولبست عبايتها (دخلت فيها ع السجن وبنام كل ليلة حاضنتها لأنها من ريحة إمي)، أخذوني ع المخيم، عمارة أبو الهيجا، من الصبح حتى الليل، بنفس الطابق كانت عملية هدم، أخذوني بعدها للمركز الطبي وفتّشوه بالكامل، ومن هناك للجلمة، ثم الشارون، نشكر الله بس 12 ساعة، مش نظيف، معفّن، مليان حشرات، فار ميّت تحت البرش، تفتيش مهين، ثم الدامون وطقوس استقبال مذلّة ومهينة".
يقول المحامي: أوصلتها بدايةً سلامات ابنها عمر (13 عامًا، عيّد وقضاها بالمطاعم، بحبك واشتقلك وهو زلمة وقائد مثل ما وصّتيه) فدمعت عيناها وسرحت للحظات، وفجأة قالت: "وجودي هون مِنحة، مشتاقة لابني عمر ولشغلي وأزور قبر إمّي، بعزّيني إنها بتزورني دايماً بالأحلام وبعبطها، بدّي أطلع قويّة ع شان إخوتي، أنا مش بس أم عمر، أنا أم عبد الله وأحمد، الأسرى، وبنفسي ألبس المريول في العيادة". قلقانة عالزرّيعة بغرفتها وبدها يسقوهن مرّة بالأسبوع.