بنفسج

دلال باجس: امرأة من طراز خاص

الثلاثاء 14 يوليو

الكتابة عن شخص تعرفه أمر صعب، صعب جدًا. ليس لأنك تخشى أن لا تكون موضوعيًا في الكتابة عنه، ولكنك تخشى ألا توفيه حقه، فقلبك يعرفه حق المعرفة ذاتيًا وظاهريًا، وعقلك يستطيع أن يضعه بين قوسين وأن يحاكمه ويحكّمه، ويصفه عيانًا حق الوصف، دون دون إفراط أو تفريط. وي! كأنك تضعه في الخط الفاصل والواصل بينك وبين نفسك، وتودّ لو لا تتوقف عن سرده.

حضور حواء اليوم؛ لامرأة فلسطينية تكاد لا تستوي على الأرض، لا تبرح تحليقّا مذ كانت طفلة صغيرة. أذكر عندما كانت والدتها تروي عن معلمتها أنها وضعها على طاولتها لتدرس طالبات الصف؛ تقرأ لهن، تغني، وتتلوا. أذكر يوم أن كنا في مهرجان تأبين الشهيد المهندس يحيى عيّاش في جامعة النجاح، كانت ضئيلة، ضئيلة جدّا، لا يزيد عمرها عن الست سنوات، تميل ذراعها من ثقل المايكرفون، تنشد بصوت قوي دون توقف، منهكة في إزاحة قطرات المطر المتساقطة على نظارتيها الكبيرتين، تختفي أمها وراء الستار، تؤشر لها بيديها، تدلها على عدد المقاطع ومرات تكرارها.

 | في سطور قليلة

د61.png
 

تقول دلال: "إن كنت لا بد مستعرضة حياتي في سطور قليلة، فسأحاول التقاط الومضات التي تتراءى في خيالي عندما أغلق عيني لأسأل نفسي من أنا؟ وما الذي أضافه وجودي في هذه الحياة؟ دلال ؛ هو اسمي الذي أطلقه عليّ والدي تيمنا بدلال المغربي، فقد كان أبي حينها من رجال "الثورة" قبل أن يخلع رداء المنظمة ويرتدي عباءة المعارضة بعد تسرب أخبار اتفاقات سرية بين المنظمة وكيان الاحتلال. في الثانية من عمري كنت أسير بجوار أمي في أحد شوارع القرية عندما مر جيب عسكري أمامنا، فرفعت يدي بإشارة النصر التي كنت أرى الشباب يرفعونها في وجه المحتل. فما كان منهم إلا أن أوقفوا الجيب العسكري، وعادوا سريعًا إلى الوراء، واختطفوا أمي ورموها في الجيب، وتركوني وأختي الصغيرة على قارعة الطريق، ربما كانت هذه شرارة البدء لثورتي أنا".

في السادسة من عمري لبست النظارات، وبدأت رحلتي مع النشيد. وفي التاسعة من عمري كدت أفقد بصري حزنًا على غياب أبي الذي رحل إلى ربه مغتربًا وحيدًا دون وداع، في السادسة عشر من عمري أتممت حفظ نصف القرآن وحصلت على الإجازة. في الثامنة عشر التحقت بجامعة بيرزيت التي رافقتني في نومي ويقظتي منذ ذلك اليوم وحتى اللحظة، متنقلة بين أروقة مجلس الطلبة الذي كنت عضوة فيه وكلية الآداب التي كنت ألقب فيها بسيبويه الصغير.

أنهيت البكالوريوس في ثلاثة أعوام وبدأت رحلة التدريس كمعلمة للغة العربية في مدرستي التي كنت أعشق. بعدها بعام ونصف، أنهيت دراسة الماجستير وفي نفس اللحظة التي كان من المفترض أن أقف فيها مع زملائي على منصة التتويج جاءني المخاض فأشرقت "طيبة" ابنتي البكر ومنحتني شهادة أعلى من تلك التي كنت بانتظارها .

بدأت رحلتي مع الكتابة الأكاديمية عام 2011 مع إصدار أول كتاب لي وهو أطروحتي الماجستير. ثم سافرت إلى ألمانيا لإتمام الدكتوراه وبناء على خطتي الخمسية التي ألزمت نفسي بها فقد أنتجت كتابًا في كل عام حتى عام 2015. استقبلت في هذه الأعوام الخمسة أفراحا كثيرة وعذابات كبيرة، لكن أحلاها وأقربها إلى قلبي ميلاد رائعتي الثانية "إيلياء".

كان قدرًا جميلًا أن تعرفت إلى منتدى الشرق ثم الشرق الشبابي عام 2016 مبتدئة طريقي معه كمنسقة لديوان فلسطين. ولا أخفيكم فقد كانت بالنسبة لي أجمل مراحل عملي مع الشرق الشبابي، وبعدها بعام، رزقت بنور عيني "أحمد" ثم تابعت العمل مع الشرق كمنسقة لدواوينه حول العالم. أما ما يخبئه القدر لي في عامي الحالي فلا أعرفه.. لكن الذي أعرفه حق المعرفة أن مركبي مذ سار لم يُيسر بأمري، وإنما هو مصنوع على عين الله.. وما يأت من الله فما أحلاه!".

 | المؤهلات العلمية

حصلت دلال على العديد من المنح الدراسية والجوائز عن أبحاث وأطروحات، كمنحة داد DAAD الألمانية لدراسة الدكتوراة في ألمانيا، ومنحة a.r.t.e.s للأبحاث من جامعة كولونيا الألمانية، وجائزة كريس ميكلسون ومؤسسة مواطن.

ستحصل دلال قريبًا على شهادة الدكتوراة جامعة كولونيا، في قسم الدراسات الإسلامية والثقافية، في أطروحة بعنوان: "الكتلة الإسلامية في جامعات فلسطين كحركة اجتماعية: عوامل الاستمرارية والتمدد"، وعلى شهادة الماجستير من جامعة بيرزيت، قسم الدراسات الدولية، لأطروحة بعنوان: "الدبلوماسية العامة الفلسطينية بعد الانتخابات التشريعية الثانية" عام 2010، أما بدايتها فقد كانت من اللغة العربية، حيث حصلت على درجة البكالوريوس من جامعة بيرزيت، في اللغة العربة وآدابها في عام 2007، أما أطروحتها فكانت تحت عنوان: "أثر الإعراب في تغير المعنى في القرآن الكريم".

كما حصلت على العديد من المنح الدراسية والجوائز عن أبحاث وأطروحات، كمنحة داد DAAD الألمانية لدراسة الدكتوراة في ألمانيا، ومنحة a.r.t.e.s للأبحاث من جامعة كولونيا الألمانية، وجائزة كريس ميكلسون ومؤسسة مواطن، وجائزة MERC عن أفضل عرض لأطروحة دكتوراه في تونس. وجائزة مؤسسة مواطن لأفضل أطروحة ماجستير، وجائزة خير جليس للقراءة من جامعة بيرزيت.

 | الدراسات والأبحاث

د60.png
 

اختطت دلال لنفسها منذ فترة مبكرة إصدار كتاب علمي في كل عام، أصدرت كتابها الأول في الخامسة والعشرين من عمرها، الصادر عام 2011 عن مؤسسة مواطن بعنوان: "الدبلوماسية العامة الفلسطينية بعد الانتخابات التشريعية الثانية". وأما كتابها الثاني؛ فقد صدر عن ذات المؤسسة بعد عام فقط، بعنوان: "الحركة الطلابية الإسلامية في فلسطين: الكتلة الإسلامية نموذجًا". في العام الذي يليه، صدر لدلال عن دار السلام، كتابها الثالث تحت عنوان: "النساء الإسلاميات في العالم العربي: من ردة فعل إلى واقع جديد".

في عام 2014 صدر لها كتابها الرابع: "دور الأنشودة في التنشئة السياسية للحركات الإسلامية" عن دار الذخائر في بيروت. أما كتابها "تاء التأريخ الساكنة" فقد صدر عام 2015 في رام الله. وآخر إصداراتها كان "تلخيص موسوعة تحرير المرأة في عصر الرسالة" للدكتور عبد الحليم أبو شقة، في فرنسا عن المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة.

ولها عدد من الأوراق العلمية في عدد من المؤتمرات الدولية كانت في معظمها حول النساء ودورهن على الأصعدة السياسية والاجتماعية[1]. ترأست اللجنة الاجتماعية في مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت لدورته عام 2006-2007. ثم عملت دلال كمنسقة لدواوين منتدى الشرق الشبابي منذ نيسان 2017 حتى الآن، حيث أشرفت على أكثر من 20 ديوانًا تابعًا لمنتدى الشرق الشبابي حول العالم. كما أنها عضو في عدد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية العالمية مثل: عضوة في المؤسسة الأمريكية للعلوم السياسية (APSA)، وعضوة في المؤسسة الألمانية للدراسات الشرق أوسطية (DAVO)، عضوة في الاتحاد الدولي للنساء المسلمات (IMWU)وعضو في المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة (EFOMW).

 | باجس ونجوى وحسن!

Untitled-1 (1).jpg
 

إن سألتموني عن أثر باجس في حياتي، سأقول بأنه ظِلٌّ حزين يرافقني ونبضي الحزين الذي يظهر في جُلّ أدبياتي، وهو حنيني الدائم وطيفي الملهم على كل حال، هو أبي ومعرِّفي الذي فقدته وأنا طفلة، وهو الجزء الناقص مني قبل زواجي وسندي الذي حُرمت منه حين فقدت الرجل الأوّل في حياتي، أبي.

أمّا نجوى، فهي انزياحات باجس الناقصة في حياتي، اإنّها حائط الحماية، ميزان القوة، كسر الخوف، حب المغامرة، بساطة الأمور وتعقيداتها في سبيل تحقيق الحلم. تعبت أمي في مسيرتها، فحرمت من أمها في حداثة سنِّها لتتحمل هي مسؤولية أخواتها، فقدت أخاها الأكثر قربًا ثم والدها. تزوجت وفقدت زوجها في سِنّ مبكرة، كانت صلبة ذات روح جميلة، صاحبة شغف ومغامرة، جسورة لا تتردد، ولي من نجوى كل ذلك.

حسن هو الرجل الوحيد الذي عرفته في حياتي، هادئ، دمِثُ الخلق، علّمني الصوت المنخفض، التفكير العميق وإن كان ضجيج أفكاري يملأُ الدنيا، التقيت به في منتصف الطريق، ولكنه ليس النصف الآخر، هو أكثر من ذلك، فله كل الأشياء وله من كل الأجزاء، يملكها ويمنحها روحًا وحياة.

 | دلال..... كواليس خفيّة

دلال 8.jpg
 

نهارتي تختلف عن بعضها بحكم أسفاري الكثيرة، ولكن الاعتيادي منها، أنني أستيقظ مبكرًا جدًا، أهتم بأطفالي وأُعِدُّ طعامهم وألبِسَهم، وهكذا حتى يتوجهون لباص المدرسة والروضة، ثم أقوم بأعمالي المنزليّة لساعة فقط؛ حتى لا أستنزف طاقتي ونشاطي، ثم أنكبُّ على عملي، تفكير وإعداد الجدوى والخطط والاتصال والتواصل والتحضير لفعاليات تمكين، متابعة كل الأعمال التي تأخذ النهار غالبًا.

ولي مذكراتي، وهي ليست مذكرات اعتيادية، هي رسائل بيني وبين حسن، دفترٌ خاصٌ جدًا، أكتب فيه أنا وحسن أذا رضيت، وإذا حزنت، وإذا سافرت، ويكتب فيه حسن أيضًا. وقد كتبت فيه أكثر ما كتبت عندما اعتقل حسن. هناك مثلبٌ أود ذكره، فمن بين أوقاتي مع أطفالي وعملي وكتاباتي العلمية تكاد تكون الحياة الاجتماعية تنضب من حياتي للأسف، تواصلي قليلٌ جدًا مع الأصدقاء، ومشاركتي كذلك قليلة جدًا على السوشال ميديا. كدت أخسر الكثير من الأصدقاء حقًا، فبحكم وضعي الصحيّ، لم أعد استطيع التعامل مع أدوات التقانة لفترة طويلة.

 | تمكين.... حلمك صار أقرب

تمكين 9.jpg
 

في الآونة الأخيرة عكفت باجس على تأسيس مشروع شخصي والذي تعتبره مشروع حياتها الذي يتمثل في مبادرة تمكين، والتي هي اختصرت في مقولة "حلمك صار أقرب، اذ يهدف المشروع الى دعم وتمكين الشابات والطالبات الجامعيات والمتخصصات والخبيرات اللواتي يحتجن إلى تغذية تجربتهن من خلال الاطلاع والاستفادة من الفرص والتجارب العالمية ليطورن من أدائهن في مختلف المجالات المعرفية والعملية والاقتصادية والريادية.

ويهدف المشروع إلى الربط بين احتياجات سوق العمل الحديث وشبكات إنتاج المعرفة العلمية ومزودي الخدمات، وتوزيع فرص العمل وإضفاء الطابع المحلي على الفرص العالمية من خلال رفع مستوى الكفاءات النسائية وانخراطها بشكل أكبر في سوق العمل الرقمي.


| مصادر ومراجع

[1]عبيد، حسن ودلال باجس. 2011. "غزة بين دور الضحية وفاعليتها في القضية: الدبلوماسية العامة نموذجا." في مؤتمر غزة خارج الهامش، جامعة بيرزيت، أكتوبر1، 2010.

باجس، دلال. 2012. "دور النساء في الحركات الإسلامية في الربيع العربي." في المؤتمر التاسع والعشرين لدافو، جامعة إيرلانغن، أيلول 28، 2012.

باجس، دلال. 2013. "التمكين السياسي للمرأة في الحركات الإسلامية." في المؤتمر الثاني للتحول الديمقراطي للحركات الإسلامية، الدوحة، أيلول 28، 2013.

باجس، دلال. 2014. "معاناة النساء السوريات بين حربين." في المؤتمر الأول للدراسات التاريخية: اللتأريخ الشفوي: المفاهيم، المنهجية، والأجندات البحثية في السياق العربي، بيروت، شباط 21، 2014.

باجس، دلال. 2015. "العنف ضد المرأة كمعيق للتغيير في العالم العربي." في المؤتمر الرابع للتحول الديمقراطي للحركات الإسلامية، تونس، أيلول 12، 2015.